أعتقد أنك التقيت بالعديد من الأشخاص في حياتك سواء كانت تربطك بهم علاقة قرابة أو صداقة أو غيرها، أو اشخاص لم تربطك معهم أي علاقة، مثل شخص تصادفه في مكان معين لكنك لا تعرف عنه شيء.
لعلك دخلت إلى أحد الأماكن العامة المزدحمة بالناس مثل مطعم أو حتى قاعة محاضرات في الجامعة أو الأسواق، في جميع الأماكن التي زرتها وجميع الأشخاص الذين مررت عليهم أو قابلتهم، هل وجدت من بينهم شخص "آني"؟ أي لحظي؟
أم أن أجسادهم كانت فقط تأكل في المطعم وعقولهم تفكر بشيء آخر، أم هم جالسين في المحاضرة ومن المفترض ان يستمعوا للمحاضر لكن ذهنهم شارد في أمور أخرى.
لعل أحدهم يناقش إلتزاماته المادية وديونه بينه وبين نفسه، وهناك من يعتقد أن قراره كان خاطئًا عندما ترك صديقه من غير أن يساعده، وهناك في طرف القاعة من تفكر في الفستان الذي ستشتريه لحفل زفاف أختها، وعموم الحاضرين، هم حاضرون بأجسادهم فقط وعقولهم شاردة سارحة، هناك من اتحدث معه، عيناه تراني ولكن عقله إما في ما حدث له ليلة الأمس، وإما أنه يفكر في كيف سينظم وقته للدراسة إذا عاد للمنزل؟!
هؤلاء الأشخاص هم ليسوا في "اللحظة" وليسوا في "الآن" هم متواجدون لكن في الماضي، أو أحيانا يتواجدون في المستقبل.. كيف؟
طبيعة البشر هكذا، ذهن الإنسان وعقله ينشغل بأمرين فقط، إما بالتفكير بالماضي، أو التفكير في المستقبل.
التفكير في الماضي: غالبا يصاحب الفكرة شعور، الشعور يتبع الفكرة فإذا فكرت بموقف سيء حدث لك في الماضي سترجع لك مشاعر الحزن مرة أخرى وكأن هذا الموقف السيء تكرر، لكنه في ذهنك فقط، قد تتذكر مواقف طريفة وذكريات جميلة، لابأس فهذا شيء جيد اسمح لها وفكّر بها، لكن المشكلة عندما تتذكر خيانة صديق، أو اخطائك التي ندمت على فعلها، وكيف غضبت من فلان، أو غدر تعرضت له من قريب، جميع هذه الذكريات السلبية ستجلب لك مشاعر الحزن أو التأنيب أو الاكتئاب، وكأن المواقف هذه حدثت للتو لكنها من الممكن أنها حدثت من سنة تقريبا أو من أيام او أشهر.
أما التفكير في المستقبل: ليس دائما جيدا فإبن المستقبل يعيش في الوهم والخوف أو الإنتظار أو في القلق مثلا تجاه وظيفته أو دراسته، يكون التفكير في المستقبل جيد ومفيد إذا كنت تضع قائمة لأهدافك المستقبلية مثلا أو لإنجازات تريد أن تحققها خلال هذه السنة، لكن لو فكرت أن اختبار الأسبوع القادم سوف يكون صعبا وغير مباشر ستداهمك مشاعر الخوف والقلق وتُضيِّع لحظتك الحالية.
متى ستحسم قضية أفكارك؟
عندما تقرأ كلماتي هذه عليك أن تقرأها بكامل وعيك وذهنك، عندما تجلس مع اصدقائك وتتبادل أطراف الحديث معهم ينبغي أن يكون جُل اهتمامك وحواسك معهم، عندما تجلس في غرفتك ينبغي أن لا يكون جسدك في غرفتك وعقلك في حدث وقع قبل اسبوعين مع زميلك بل يجب أن تتواجد بالكامل، عندما تأكل ركز فيما تأكل ولا تفكر نهائيا لا في الماضي ولا في المستقبل.
استرجاع اخطائك أو أخطاء الآخرين لن يجدي نفعًا، في الواقع لن تحصل على شيء إلا الشعور السيء المصاحب للذكريات.
لحسم هذه الأفكار سجّل ذكرياتك السلبية والحزينة على ورقة، قد تبكي أو تغضب أو تشعر بالألم لا بأس المهم أن تفرغ هذه المشاعر على ورقة بعدما تملأها تماما مزّقها وارمِها، وعليك أن تنوي بأن تفتح صفحة جديدة وتغفر لنفسك وللآخرين.
الماضي لن تستطيع أن تسيطر عليه فقد حدث وانتهى فلا تتُعب نفسك في التفكير فيه وتيقن أن ردود فعلك تجاه الأشخاص أو المواقف كانت الأفضل، حسب وعيك آنذاك، وأسرع طريقة لإيقاف الفكرة هو التركيز على التنفس، نعم تنفس بعمق وسترجع في اللحظة.
علينا أن نستفيد من الماضي ونخطط للمستقبل لكي نُنجز فكما قلنا ابن المستقبل يعيش الوهم والخوف أو الإنتظار، وابن الماضي محبوس في الحسرة والحزن والتأنيب، أما ابن هذه اللحظة قوي واعي منجز مستمتع بوقته.
قال الإمام علي عليه السلام: "إنّ عمرك وقتك الذي أنت فيه".
الإنسان اللحظي عندما يكون في عمله يتقنه ولا يفكر إلا كيف ينجز أو ينهي عمله، إذا كان يريد أن يستمتع يعرف كيف يُبحر في كتاب يحبه، أو يجلس مع اشخاص يستمتع بصحبتهم.
إن أردتَ السلام الداخلي عليك أن تدرك عمق اللحظة، عليك أن تكون هنا والآن..
اضافةتعليق
التعليقات
الكويت2018-02-10