أقامت جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية رحلة دينية وعلمية لأعضائها إلى مدينة النجف الأشرف، حيث كنّ في ضيافة أمير المؤمنين عليه السلام، كما التقين بسماحة السيد مرتضى الشيرازي حفظه الله وذلك بتاريخ: 11ربيع الثاني 1442 هـ الموافق 27/ 11/2020م.
بدأ سماحته بالآية القرآنية:
(وهو الذي جعلكم خلفاء الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم).
خلائف، جمع خليفة كما أن صحائف جمع صحيفة، فنحن بنص هذه الآية الكريمة خلائف الأرض، إن الله عزوجل يحدد عن طريق هذه المفردة موقعنا في الحياة، فيجب أن نفهم الدور المنوط بنا، والمسؤوليات الملقاة على عواتقنا.
لاحظوا مثلاً الأم تعرف دورها، فدورها محدد وواضح، كذلك الأب، مدير الشركة، المعلم، وهكذا مختلف أصناف الناس، الطبيب والمهندس، المحامي...
وعلى كل واحد منهم أن يلتزم بدوره وخطه الوظيفي فإذا تجاوز ذلك حوسب، وأما نحن كمجموع فإن الله تعالى يقول لنا أننا خلفاء الأرض، فيجب أن نعرف ماذا يعني ذلك وأن نعرف ما هو الدور الذي حدده تعالى لنا وأراده منا.
الآيات حول الخليفة متعددة ومتكررة، لكن هذه الآية لها خصوصية، ماذا يعني خلائف الأرض؟
كل واحدة منكن تنطبق عليها هذه الآية الشريفة، فهل تتحركن بروح الخليفة؟، خليفة الله في الأرض؟
عندما تمشين في كربلاء أو النجف، أو حتى في الهند أو الصين، هل تتحركين بروح الخليفة؟
عادةً لا، لأنه نظرياً غير واضح لنا هذا الموقع الذي ذكره الله تعالى في القرآن، مع أنه ذكر في آية صريحة وليس في رواية ضعيفة السند مثلاً.
ماذا تعني خلائف الأرض؟
هناك احتمالات متعددة ذكرها المفسرون ومنها:
1- يخلف بعضكم بعضا على اتساق ونظام، يعني هذا الجيل خليفة الأجيال السابقة، أي تخلفون الجيل السابق في كل شيء، في السياسة، الصناعة، الزراعة، الأخلاق والعمران وكل شيء.
فهذا الجيل يخلف الجيل السابق والأسبق وهكذا إلى أن يصل مثلاً إلى جيل السيدة زينب عليها السلام، فهل أنتنّ تتحركن بهذه الروح؟، بأنكن خليفة السيدة زينب عليها السلام في رفع الراية الحسينية الإعلامية وغيرها؟ وكما أنكم ترثون آباءكم وأمهاتكم الإرث المادي الضيق، والله تعالى يذكر الإرث المعنوي الواسع.
هذا المعنى إذا وضعه الانسان أمامه ستختلف حياته، لن ترى المرأة نفسها مجرد ربة منزل فقط، أو المعلم كذلك، بل ترى نفسها خليفة تخلف الأجيال السابقة إلى حواء وآدم (عليه السلام).
2- أننا خلفاء للمخلوقات التي كانت قبل آدم، فالله جعلنا خلفاء أولئك النسناس والجان. والنتيجة واحدة، لا مانع من جمع التفسيرات التي ذكرها المفسرون.
3- إن هذه الأمة، أمة محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، تخلف الأمم السابقة كأمة عيسى وموسى و... (عليهم السلام).
وليس هناك تضاد بين هذه المعاني إذ كلها صحيحة يحتملها اللفظ، ولكن المسؤولية حينئذٍ تصبح أثقل.
4- خلائف الله، وهذا أصعب معنى، ففي المعنى الأول البنت تخلف أمها وأباها وعمها والجيل السابق وهكذا الابن، أي أن علينا أن نحافظ على الإرث السابق، أما هنا فنحن خلائف الله في الأرض، وذلك أخطر وأصعب، ومقتضى ذلك أنكم خلفاء الله في الأرض في المحافظة على السنن الصالحة وعلى أحكامه وتعاليمه، وما أثقل هذه المسؤولية!.
ولكي نتصور جَسامة ذلك فتصوروا أنه إذا كان الأب موجوداً في البيت ستكون بعهدتكم مسؤوليات محددة، أما إذا كان غائبا فستكون المسؤولية أكبر. هذا إذا شعرتم بغيابه أما إذا لم تشعروا بذلك فستهملون الأمر وتضيع الأسرة، نحن مشكلتنا أننا لا نشعر بأننا خلفاء، كلٌ بقدره، على حسب الدرجات، (ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم)، أي ليست المسألة فقط مسألة أنك خليفة بل هناك امتحان أيضاً، هذا الإرث الذي أعطاكموه الله تعالى والقدرات والطاعات هذه كلها ابتلاء وامتحان، فواحد يسقط وواحد ينجح، فالنجاح درجات، والأمر متروك لك. لكن المطلوب من المؤمن والمؤمنة أن تكون درجات نجاحه مرتفعة جداً. إذن هذه بعض المعاني المذكورة على الآية الشريفة.
نحن عادة كمؤمنين لا نتعامل في الواقع ومع الأحداث بروح الخليفة، أما الطرف الآخر أي الكفار والفساق الغريب أنهم يتعاملون بهذه الروح، فيعتبرون أنفسهم خلفاء للفسقة الآخرين السابقين عليهم، والإرث السابق يحافظون عليه بشكل عجيب، ولذا الآية الشريفة تقول: "أتواصوا به بل هم قوم طاغون"، فالطغاة كل واحد منهم يكمل مسيرة السابق، فكأن بعضهم أوصى للبعض بذلك، حتى إن أحدهم لو قام بانقلاب عسكري، تجده يأتي ويكرر نفس الأعمال الجائرة، فيسجن، يهتك الحرمات ويصادر الأموال، لا يوجد وصية شفوية مكتوبة ولكن هذه هي طبيعة الطغاة.
أما نحن، أي الكثير منا، فلا نعتبر أنفسنا خلفاء، يقول أمير المؤمنين: (فَيَا عَجَباً عَجَباً وَاللَّهِ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَجْلِبُ الْهَمَّ مِنَ اجْتِمَاعِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَ تَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ)[1].
هذا عجيب حقا!.
وننقل لكم في هذا الحقل قصة، مؤلمة لكن فيها عبرة كبيرة، هذه القصة غير معروفة، لأننا لا نقرأ تاريخنا، ولا تاريخ أعداء أهل البيت.
أمير المؤمنين صلوات الله عليه بعث محمد بن أبي بكر حاكماً على مصر، وقد كان ربيب الامام ومن الصالحين الأخيار المتميزين، أهل مصر كان الكثير منهم بكريين فلم يكن بالإمكان السيطرة على مصر إلا بارسال محمد بن أبي بكر، معاوية لعنة الله عليه علم أن مصر ستذهب من بين يديه بعد أن استتب الأمر لأمير المؤمنين عليه السلام مع هذا الاختيار الناجح، فجمع كيده واستنفر طاقات دهائه ومكره فانتخب عمرو بن العاص، وقد كان ماكراً دجالاً فبعثه لحرب محمد بن أبي بكر فجاء بحيلة وقتل محمد، واستولى على مالديه من ذخائر، وكانت الذخائر مجموعة كتب بخط أمير المؤمنين (عليه السلام).
هذه ثروة، وهي رسائل الامام لمحمد في الحكم ومسائل القضاء وغيرها، عمرو العاص سرق هذه الوثائق وأعطاها لمعاوية الذي ظل يقرأها أمام خواصه فأُعجب بها وما زال يظهر تعجبه من قوتها وسمو معانيها، الوليد بن عقبة كان جالسا ورأى إعجاب معاوية الشديد وانبهاره بحكمة وبلاغة الرسائل، فقال له أؤمر بأن تحرق هذه الكتب، معاوية قال له" إنه لا رأي لك، رد عليه الوليد: إنه لا رأي لك، تقاتل علياً ثم تأتي بكتبه وتعجب بها!، قال له معاوية: ويلك أتأمرني أن أحرق علماً مثل هذا، والله ماسمعت بعلمٍ أجمع منه ولا أحكم ولا أوضح.
فقال الوليد: إن كنت تعجب من علمه وقضائه فعلام تقاتله؟
فقال له: لولا أن أبا تراب قتل عثمان لأخذنا عنه!.
هذه الكتب ادهشت معاوية إلى أبعد الحدود ولكنه من جهة أخرى هو العدو الأول لأمير المؤمنين، فانظروا إلى ماذا أرشدته شيطنته، نظر معاوية إلى جلسائه وقال:
إننا لا نقول أن هذه من كتب ابن أبي طالب، ولكننا نقول أنها من كتب أبي بكر!!.
فلم تزل تلك الكتب في خزائن بني أمية حتى وُلي عمر بن عبد العزيز الذي أظهر أنها أحاديث علي بن أبي طالب عليه السلام.
هذه الرواية تجدوها في المصادر التاريخية المختلفة، وقد سجل بعضها في كتاب (تمام نهج البلاغة) الذي أنصحكم بقرائته، وقد جمع فيه ما سقط من روايات نهج البلاغة، وهو في سبع مجلدات.
الشاهد هنا، انظروا هذا المنهج، منهج السرقة، هناك روايات كثيرة لأمير المؤمنين سرقوها، وجعلت باسم غيره فالروايات مسروقة حتى الألقاب سرقت مثل الصديق، الفاروق، ذي النورين، وهي من ألقاب الأمير كما تعلمون.
أحد حكام المسلمين الحاليين، -على حسب المتتبعين من أهل الخبرة - أمر بتأسيس مركز دراسات مهمته الأساسية تتبع حِيَل الحكام على مر التاريخ خاصة حيل معاوية من أجل أن يتعلم منهم كيفية السيطرة على الناس بمختلف ألوان الدهاء!
كل أسبوع تأتي هذه الجماعة إلى ذلك الحاكم وتشرح له نبذاً مختلفة من حيل معاوية، وكيفية السيطرة على الناس، والمتتبع لأحوال هذا الحاكم يكتشف أن خططه تشبه خطط معاوية بالفعل! ذلك أنه يعتبر نفسه وريث معاوية، ونحن بالمقابل لا نعتبر أنفسنا ورثاء للامام الحسين عليه السلام أو السيدة زينب، بل نتحرك بتلك الروح اللاأبالية إن صح التعبير.
ما هي مسؤولية الخليفة؟
بعد ذلك كله نقول: إذا كنا خلفاء الله في الأرض أو خلفاء الأجيال السابقة، أو خلفاء الأمم السابقة، فإن علينا أن نتساءل عن مسؤولية الخليفة؟
إن مسؤولية الخليفة بإيجاز هما مسؤوليتان وبوضوح وبدون تعقيد:
1- المحافظة على الإرث الذي اُستخلفنا فيه، بقسميه: الإرث المادي والمعنوي.
2- ترشيد هذا الإرث وتطويره وإنمائه.
ولكن انظروا الآن إلى الفساد في المجتمع، أليس أكثر من السابق؟ إن ذلك يعني أننا لم نحافظ على الإرث للأسف الشديد! إن المحافظة على الإرث تعني أن تكون الأجيال اللاحقة على أقل تقدير كالأجيال السابقة: أجيال الأجداد والجدات، فكم كانوا صالحين طيبين؟ كذلك يجب أن تكون الأجيال اللاحقة، والأجيال التي بعدها.. وهكذا.
المحافظة على الإرث تعني أيضاً المحافظة على ما وصلنا من ثقافة دينية وآداب ومؤسسات، الآن في كربلاء توجد قرابة ال 400 حسينية هدمها صدام ولا تزال أكثرها مهدمة، لماذا؟ وهناك الكثير من الأوقاف الضائعة المجهولة في النجف، هناك المئات منها إن لم تكن الألوف، إما أوقاف عامة أو خاصة، وقد استنقذ بعضها بينما ظل بعضها الآخر مهدماً أو مصادراً..
أحد الرجال الأخيار أعرفه شخصياً، كان بإسم هذا الرجل 288 بيتاً، لأن كثيراً من الايرانيين عندما تم تهجيرهم إلى إيران حتى لا تُصادر سجلوها باسم هذا الرجل لكن اختفى أثرهم ولم يعد يعرف كيف يصل إليهم، فأتى هذا الرجل للنجف وسلمها كلها لأحد المراجع العظام ليوصلها إلى أصحابها، فكان نِعمَ الخليفة، ولكن هناك الكثير من الأوقاف الأخرى في العالم الاسلامي تُؤكل، والخليفة، كل واحد منا، مسؤول عن كل ذلك، كل بقدر وبنحوٍ.
وأما المسؤولية الثانية تطوير هذا الارث وتقويته وتجديده وتنويعه، هذه المسؤولية أصعب من المسؤولية الأولى، وذلك يعني أنكم إذا ورثتم مؤسسة فعليكم أن تنجحوها أكثر، وإذا ورثتم أسرة فعليكم أن تبنوها بشكل أفضل.
هاتان المسؤوليتان في الظاهر سهلتان لكنهما في مرحلة العمل صعبتان جداً.
وصفوة القول: إن الله تعالى يحاسبنا حسب معادلة أننا (خلفاء الأرض) (ليبلوكم فيما آتاكم)، نحن لسنا فقط رجل منفرد هنا أو امراة هناك منفردة كأننا مقطوعين من شجرة، كلا، إن كلّاً منا وريث كل الأجيال السابقة فعليّ أن أعمل بمقتضى هذا الإرث، وأي تقصير يحدث أؤاخذ بذلك.
انظروا بهذه النظرة لأنفسكم، نحن لسنا أحجاراً في جدار جامد، بل إننا جزء حيوي من شبكة متكاملة ولنا فعل وانفعال وتفاعل، نحن منظومة حيوية متكاملة، يجب أن نشعر بذلك، إن الله سبحانه لم يجعلنا مسماراً في معمل أو مصنع ولا لبنة في جدار خامد لا شعور له ولا مسؤولية له بل جعلنا خلفاء، وفي الآية الشريفة: (إنا عرضنا الأمانة على السماوت والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان) فما دمنا نمتلك عقولاً فإننا نتحمل مسؤولية، أما المجنون فلا عقل له، أي لا عقال له عن ارتكاب الفوادح أو إهمال المسؤوليات.
أنت أسودنا، يرحمك الله!
وهناك قصة رائعة ترتبط بمحور حديثنا، وهي ما نقله بعض الأفاضل عن أحد الخطباء الأخيار الذي كان متميزا وصالحا بدرجة استثنائية ثم قُتل في حادث طائرة، هذا الخطيب اسمه خبازيان، والقضية هي أنه رحمه الله، قبل شهر تقريباً من وفاته اتصل بأحد أصدقائه وطلب منه أن يستأجر سيارة أجرة ويأتي معه إلى بيته ليذهبا معاً إلى زيارة الامام الرضا عليه السلام في مشهد، فجاء صديقه بسيارة أجرة وأخذ الشيخ خبازيان إلى الحرم الشريف.. وفي الطريق قال له خبازيان: أنا عن قصد طلبتك ذلك أنني أريد أن أخبرك بشيء هام لأن أجلي قد حضر، لذلك سأخبرك بقصة يجب أن تبقى أمانة عندك مدة حياتي وبعد وفاتي تستطيع أن تخبِر بها من شئت..
قال رحمه الله: انني، كما تعلم، أنا خطيب حسيني أرتقي المنبر، أعِظ الناس وأنصحهم وأبكيهم، ولكنني فكرت ذات مرة أنني إلى الآن لم أتشرف بخدمة الامام الحجة عجل الله فرجه، حتى للحظة واحدة مع أنها تسوى الكون كله، ففكرت أن هذا معيب، وهذه رذيلة، أني لم أتشرف بلقاء ولي الله الأعظم رغم أنني أرتقي المنبر منذ سنين طويلة، فذهبت إلى أحد العلماء الأبرار وهو المرحوم السيد محمد باقر السيستاني وهو والد السيد علي السيستاني حفظه الله، وسألته عن الطريقة التي يجب أن أسلكها كي أحظى بلقاء الامام، ففكر قليلا واستخار، ثم علّمني بعض الأدعية والأذكار التي يجب أن ألتزم بها لمدة أربعين يوما، مع صيام نهارها، بشرط أن أكون في مكان منعزل عن الناس، لأصفّي نفسي كاملاً.
في منزلنا كان يوجد سرداب، ذهبت هناك وأوصيت أهلي أن لا يقاطعونني أبداً، وأقفلت الباب من الداخل، وانشغلت بالعبادة ليل نهار، حصلت لي خلالها معنويات لا توصف.
في اليوم الأربعين كنت جالساً على السجادة مشغولاً بالأذكار وإذا بالقفل يُسحب، مع أنه كان من الداخل، والباب تُفتح، ويدخل شخص كله قطعة من النور، وإلى جواره رجل ذو شيبة كأنه خادم أو مرافق له، الامام سلّم عليَّ، تجمدت في مكاني، إذ تملكتني هيبة ورهبة قوية، فلم أستطع رد السلام عليه، المرافق قال لي لم لا ترد السلام على الامام، فضغطت على نفسي بقوة وبالكاد استطعت أن أجيب ولقد كنت مذهولاً حقاً، وكانت في بالي مجموعة من الأسئلة لكني نسيتها فقد انتقلت إلى عالم آخر، الامام قال شيئا، مرافقه قال لي: الامام يقول لك أنت أسودنا(!).
لم أفهم معنى الكلمة، بعد ذلك قال الامام كلمات أخرى لم أسمعها أيضاً، فقال المرافق أن الامام قال لك: يرحمك الله... بعد ذلك اختفى الإمام ومرافقه..
دخلتُ في حالة بكاء عجيبة ربما استمرت لمدة ساعتين من شدة انفعالاتي والرهبة التي تملكتني، حتى أصبحت تربتي الكبيرة التي كنت أسجد عليها قطعة من طين، ثم ذهبت إلى السيد محمد باقر السيستاني، فحدثته بما حصل..
قال لي السيد: إن الامام (عليه السلام) أعطاك في الامتحان درجة مئة، قلت كيف؟ قال: إنه (عليه السلام) عندما قال (أنت أسودنا) فانه يشير إلى المقداد ابن الأسود الذي كان قمة القمم، وهو من حواريي الإمام علي (عليه السلام) وهذا يعني أنك ناجح في الامتحان، وكأنك وريث للمقداد، في شجاعتك وذبّك عن حياض الدين، فلقد كان له هذا المقام والمنصب والمكانة والشرف، ثم سألني السيد ماذا قال لك أيضا الامام، قلت له أن مرافقه قال لي عن لسان الإمام (عليه السلام): يرحمك الله.
عندما قلت هذه الكلمة للسيد ضرب على يده وقال لا حول ولا قوة إلا بالله ولم يزد.
وقد فهمت من حوقلته أن المعنى هو أن أجلي قد حضر. وأني على وشك أن أرتحل وعليّ أن أهيئ نفسي للآخرة.
وهذه كلمتنا الأخيرة.. وهي أن نهيئ أنفسنا للآخرة، فمادام الله قد جعلنا خلفاء الأرض، والخليفة يبقى فترة، ثم يُؤخذ منه كل شيئ، نحن الآن لدينا كل شيء، العمر، الصحة، الأسرة الطيبة، الفراغ النسبي، السمعة الحسنة..
هذه كلها ستؤخذ من الانسان عندما يطرق طارق الموت باب دارنا... حينذاك كل شيء يؤخذ منّا إلا العمل الصالح، ما خلّفناه من عمل صالح ومن انجازات للأجيال اللاحقة.
أنتم اليوم في مدينة أمير المؤمنين (عليه السلام) وأنتم ضيوف لديه، والضيف له حق على صاحب الدار، فاذهبوا للضريح المقدس واطلبوا حاجاتكم كلها وحاجاتنا وحاجات الشيعة وفي طليعتها تعجيل الفرج لولي الله الأعظم، وحسن العاقبة والذرية الصالحة، والرزق الحلال الواسع الطيب الذي يؤخذ من حِلّه ويُصرف في محله، اطلبوا العافية، عافية الدين والدنيا والآخرة، والحفظ والأمن والسلامة والاستقرار والازدهار لنا ولهذا البلد الطيب وللمؤمنين والمؤمنات.
اطلبوا ذلك بإلحاح، فان الله تعالى يحب الدعّاء الملحاح، والاستجابة من الله تعالى مرتهنة بالإلحاح ثم الإلحاح ثم الإلحاح، و(قال ربكم ادعوني استجب لكم)، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين.
التخصص مفتاح التقدم
وفتح سماحة السيد باب الأسئلة للحضور، سألت الست أم محسن معاش/ مديرة جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية عن أهمية التخصص؟
أجاب سماحته: التخصص هو مفتاح التقدم، فالأمم التي تقدمت تخصصت، والسبب في ذلك مذكور في علم الاقتصاد في كلام يطول، فالحضارة الفعلية انبنت على التخصصات، الشيخ البهائي يقول: غلبتُ كل ذي فنون، وغلبني ذو الفن الواحد.
فإذا تخصص أحدهم بالسياسية أو الاقتصاد أو الاجتماع، أو الدعوة والارشاد والهداية، التأليف، الخطابة، فإنه يتقدم لأن التخصص يعني التركيز، وكلما ركّز الانسان طاقته على شيء كلما استثمرها بشكل أفضل، مثل العدسة المقعّرة التي تكبر أشعة الشمس، الشمس لا تحرق شيئا مبدئيا لكن هذه العدسة تركز الأشعة فتسلق البيضة مثلاً، أو تحرق الورقة وتشعل النار.
إن التخصص عامل أساسي في تقدم الأشخاص والمؤسسات والأمم، ولكن هناك نقطة مهمة وهي أن طبائع الناس تختلف، البعض مثل صاحب الجواهر طبيعته موسوعية، البعض مثل الشيخ الأنصاري طبيعته متخصصة، البعض شخصيته تتحمل تخصصين أو ثلاثة، البعض لا يتحمل إلا تخصصاً واحداً، فعلى الانسان أن يكتشف طبعه وقدراته وطاقاته.
بعض الناس لا يحبّ التركيز بطبعه ولا يستطيع، ربما الجواهري لا يستطيع أخذ مكان الأنصاري، فهو يحب الموسوعية، والعكس بالعكس، وهكذا المؤسسة الواحدة تحتاج إلى مختلف النماذج، فامرأة تتخصص في العلاقات الاجتماعية، أخرى تتخصص في التربية، وأخرى في الاعلام، لكن قد تكون واحدة منهن جامعة موسوعية إن صح التعبير، ففي المجتمع هناك شواكل مختلفة. حتى بين أبنائكم وبناتكم هناك هذا الاختلاف.
التخصص له آثار كبيرة جدا فالذي يستطيع أن يتخصص فلا يشتت طاقاته من هنا وهناك، لكن البعض لا يستطيع كما قلنا، ومن جهة أخرى فإن التخصص يحتاج إلى صبر. فهو أمر مطلوب وضروري ولكن يجب ملاحظة سيكولوجية الناس أيضا.
أعرف رجلاً حاصلاً على سبع شهادات دكتوراه في سبع حقول علمية مختلفة، فعقله من هذا القبيل، وهو رجل علاقاتي أيضا، والناس شواكل فعلى كل منا أن يستكشف شاكلته ويعرف نفسه، وأنتم عليكم أن تعينوا أبناءكم وبناتكم ومن ترتبطون به وأعضاء مؤسساتكم على استكشاف أنفسهم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
اضافةتعليق
التعليقات