بين الإمام الصادق (عليه السلام) أن جسم الإنسان يتألف من نفس العناصر الموجودة في الارض، ولكن بنسب متفاوتة، فهنـاك عناصر توجد في جسم الإنسان بنسبة أكبر من نسبة وجودها في الأرض، وهناك عناصر أخرى توجد بنسبة أقـل منهـا، وهناك أربعة أشياء توجد في جسـم الإنسـان بصورة أكبر من سـواها، كما أن هناك ثمانية أشياء تأتي في مرحلة ثانية، وثمانية أشياء أقل مما في القسمين الأولين(1).
ولا ريب أن ما قاله الإمام الصادق (عليه السلام) عن تشريح جسـم الإنسان يكتب لـه بيـن المعاصريـن لـه مـن المشتغلين بعلـم الأحيـاء منزلة النبوغ، لا سيما وقد برهن التمحيص العلمي الدقيـق أن نظرية الإمام نظرية صحيحة.
وقد قال الصـادق (عليه السلام) إن العناصر الموجودة في الأرض، وعددها مائة واثنـان، موجـودة فـي جسـم الإنسـان بدرجات متفاوتـة، وإن بعضهـا يذهب مـن القـلـة مذهباً يحـول دون تعييـن مـقـداره وحجمه بالدقة المطلوبة.
وقد قسـم الإمام هذه المـواد والعناصـر إلى ثلاثة أقسـام، يتضمن القسـم الأول منها العناصر الأربعة الأساسية التي يتوفـر وجودها في الإنسـان بكثرة، وهي: الأوكسجين، والهيدروجين، والنتروجين.
ويتضمن القسم الثاني ثمانية عناصر توجد بنسبة أقل وهي الكالسيوم، المغنسيوم، الصوديوم، البوتاسيوم، الفسفور، الكلور، الكبريت، الحديد.
ويتضمن القسم الثالث ثمانيـة عناصر هـي أقلها توفـراً وتوجد بجسم الإنسان بمقدار ضئيل وهي: الموليبدنوم، والسلنيوم، والفلور، والكويلت، والمنغنيز، واليود، والنحاس والرصاص الخالصان..
صحیح أن الإمام الصادق لم يسـم هذه العناصر بأسمائها العلمية المعروفة اليوم، ولكنه استطاع تمييزهـا بعقله المستنير، في حين أن العلماء المحدثين لم يتسن لهم الاهتداء إليها إلا بعـد بحث وتحقيق علميين، وتجارب واسـعة، وعمليات تشـريح دقيقة، استمرت منذ بداية القرن الثامن عشر الميلادي، وكان لفرنسا والنمسـا دور بارز ريادي في أوربا في علم التشريح وهكذا جاءت التجارب العلمية التي أجريت في فترة تربو على مائة وخمسين عاماً مؤكدة النظرية التي أتى بها الإمام الصادق (عليه السلام)(2).
أما نظرية الوجود والوجود المضاد أي القانون الثاني لنيوتن فتعد مـن النظريات الطريفة للإمام الصادق في الفيزيـاء، وهي نظرية أكدتها التجارب العلمية الحديثة.
فيروي أن الإمام (عليه السلام) قال: (إن لكل كائن موجود وجـوداً ذاتياً كائناً مضاداً لـه، ما عدا الله، ولكن الضدين لا يتصادمـان ولا يجتمعان، ولو اجتمعـا أو تصادما لكانت في ذلك نهاية العالم) وهذه النظرية هـي بعينها النظرية الحديثة القائلة: إن للمادة نقيضاً أو مضاداً، وقد قطعت هذه النظرية شـوطاً بعيـداً في سبيل إثباتها بالتجريب العلمي، والفرق بين المادة ومضـاد المادة أو نقيضها يتحصـل في أن المادة العناصر التركيبية المادية تتكون نواتها من نواة مركزية موجبة، تدور في فلكها الكترونات سالبة، في حين أن ذرات المادة المضادة تتألف من نواة سالبة، تدور في فلكها الكترونات موجبـة، أي أنها تماثلها، ولكن بصورة عكسية تماماً.
بعد هذه الجولة في رحاب نظريات الإمام في الفيزياء واكتشـافاته التي أيدهـا العلم التجريبـي الحديث، وسجل له فيها قصب السبق، يمكننا أن نختتم الحديث عنها بالقول بأني قد يسـرت مطالبها، وذللت مصاعبها، فجاءت سهلة سمحة واضحة، اقتبستها من بحوث العلماء المتخصصين من الأوربييـن والمستشرقين، وكنت أميناً على النقل، دقيقاً في الاختيار، متجاوباً مع الموضـوع، لندرته وطرافته ونفاسـته، أن أئمتنا هم مصادر العلم، وكنوز المعرفة، وخزائن الثقافة، فيزدادوا إيماناً، ويطمئنـوا يقيناً، ويثبتوا على الحق، فما لیری شبابنا المثقف الواعي بعد الهدى إلا الضلال.
إن هذه الشـذرات النقية من مـوروث الإمام الصادق الحضاري تمثل جزءاً من ذلـك التراث الضخم الذي حفـل به التاريخ، ولكنهـا تـحقـق هدفاً مركزياً في الأصـالـة العلميـة لدى أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
اضافةتعليق
التعليقات