موضوع البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) من المواضيع المثيرة للجدل بين الشيعة وباقي طوائف المسلمين حتى وصل الجدال إلى الوسط الشيعي أيضًا، فانقسم الناس ما بين من يعتبر هذا الأمر من أصول الدين التي تركها يعني الخروج عن الدين ومن يعتقد أنه موروث شعبي لا علاقة للدين به .
بما أننا الآن في عصر الطغيان على الموروثات والسلطات بما فيها السلطة الدينية فإننا نحتاج أن نعلم الإجابة على لماذا...؟ كي نستطيع أن نتقبل أو نرفض الموروثات سواء الدينية منها أو الثقافية .
ما يهمنا في هذا الأمر هو النظر إلى هذا الموضوع من الجانب النفسي وتفسيرها في هذا الإطار بحيث نعلم تأثيرها السيكولوجي على الإنسان وسبب ممارستها من هذه الناحية النفسية. لأن الهدف منه تحليل الأثر النفسي للبكاء على الحسين فسيكولوجية موضوع معين يعني علم التأثير والتأثر النفسي لهذا الموضوع.
بعد دراسة الأثر النفسي للبكاء على الحسين (عليه السلام) سوف نتطرق للأبعاد النفسية لإقامة العزاء والممارسات التي تتم تحت هذا العنوان .
أنواع الدموع
توجد ثلاثة أنواع من الدموع الدمعة الطبيعية الموجودة في العين للمحافظة عليها من الجفاف والدمعة الرفلكسية التي تخرج من العين نتيجة دخول الغبار أو تعرضها لأمور خارجية تحركها، والدموع التي تنزل نتيجة المشاعر أو الانفعالات أو العواطف (هذه المصطلحات الثلاثة ليست مترادفة(.
يشترك الإنسان مع الحيوانات الأخرى في الصنف الأول والثاني، فحتى الحيوان تنزل من عينه الدمعة الرفلكسية نتيجة مرضها لأمور خارجية، ما يجعل البعض ينسجون القصص والتأويلات حول دموع الحيوانات ويربطونها بأمور أخرى حسب الموقف.
أما الصنف الثالث أي الدموع الناتجة عن التأثرات النفسية سواء المؤقتة والعابرة أو التأثر والألم النفسي العميق أو ألم جسدي مؤذ فهو خاص بالإنسان دون سائر الموجودات كما تشير الدراسات حتى الآن، فالإنسان هو الوحيد الذي يبكي بسبب التفاعلات النفسية. وهذا النوع من الدموع هو الذي نقصد منه بالبكاء.
تعريف البكاء
البكاء هو أول سلوك يبدر من الإنسان فور ولادته. فهو أقدم سلوك في تاريخ كل شخص وهو أول تعبير عن التأثر النفسي للإنسان. رغم أن سبب هذا البكاء مجهول على البشر إلى الآن، فلا نعلم هل هو يبكي نتيجة ألم جسدي يتعرض له نتيجة ضغوط الولادة أم أنه ألم نفسي يشعر به المولود نتيجة إستيحاشه من مفارقة الأمان الناتج عن الإلتصاق بالأم، أم بسبب التأويلات العرفانية التي تقول يبكي نتيجة مفارقته للعالم العلوي ودخوله في العالم السفلي.
كما أن البكاء هو طريقة للتعبير عن بعض التأثرات النفسية سواء أكانت هذه التأثرات أحاسيس عابرة أم مشاعر وانفعالات أم عواطف عميقة. وغالبًا ما تكون لبيان هذه التأثرات الحزن، الألم، الضعف، الخوف، الندم، الشفقة، الرحمة، الحب، العشق، أو الفرح.
وقد أكدت الدراسات الحديثة حول موضوع البكاء الاعتقاد السابق لدى علماء النفس بأن مهمة البكاء هي إعادة التوازن لدى الإنسان. وذلك بتأثيره على الجهاز العصبي اللاإرادي لدى الإنسان. هذا الجهاز يحتوي على الجهاز العصبي السمبثاوي والباراسمبثاوي. الجهاز السمبثاوي مسؤول عن تجهيز الإنسان للعمل سواء العمل الجسمي أو العاطفي أو العقلي. بينما الباراسمبثاوي مسؤول عن إعادة الفعاليات الجسمية الداخلية اللاإرادية إلى حالتها العادية بعد أن خرجت عن السطح الاعتيادي، مثل تعديل دقات القلب، أو مستوى الهورمونات، أو فعالية الناقلات العصبية.
الدموع جزء من الجهاز الباراسمبثاوي وهي مسؤولة عن إعادة توازن الإنسان. لذلك أحيانًا يبكي الإنسان بعد انتهاء ظرف صعب بدل البكاء أثناءه حيث أنه كان مشغولاً بحله أثناء ذلك. فالدموع يبدو أنها وسيلة لاستعادة الشعور بالهدوء والارتياح.
لذلك الطفل الذي يضيع إذا كان في العمر الذي يشعر أنه يستطيع أن يبحث عن والديه، لا يبكي في الوقت الذي يبحث عن أمه أو أبيه بل يبكي حين يجدهما، أي حين يبدأ دور الجهاز الباراسمبثاوي في إعادة الإنسان لحالة التوازن الذي كان عليه قبل الحدث.
ربما لهذا السبب يعد الدكتور برجمان (1993Bergman) البكاء معجزة من المعجزات الإلهية ويذكر له ۷ فوائد جسمية ونفسية تساعد الإنسان على التخلص من التوتر وبناء العلاقات الاجتماعية .
اضافةتعليق
التعليقات