لا يبدو للوهلة الأولى أنّ السعادة قريبة وفي متناول كلّ يد، إذ أنّ الجميع بلا استثناء يبحثون عن نجمة السعادة اللامعة والمتوهجة في سماء حياتهم المتقلّبة، ويرغبون بشدة أن تحط رحالها بالقرب منهم، فلا شيء أجمل من السعادة وهي ترفرف على رؤوس أصحابها، ولا أهنأ من ساعات السعد وهي تجتاحهم بطمأنينة وراحة وهدوء.
إلّا أن الجميع كذلك يندب حظه العاثر، فيزدري بساعات العمر المنقضية بالشقاء والتعاسة والنَصَب، ويلوم الظروف التي تصادفه في حياته، بأنها السبب الرئيسي وراء تعاسته وشعوره المحتقن تجاه الحياة وأهلها.
والغريب أنّ كل طرف ينظر للتعاسة من منظوره الخاص، فعلماء النفس يرمون باللائمة على الاضطراب النفسي، فهم يرونه هو المسبب الأساس للتعاسة.
أما المهتمون بالإقتصاد فهم يرون أنّ الفقر والإستغلال والحرمان هي المتهم الأول وراء غياب السعادة عند الإنسان.
أمّا الأدباء والشعراء من ذوي الأحاسيس المرهفة، فإنهم يرون أن غياب الحب، هو سبب تعاسة الفرد، ولا يمكن لأي إنسان أن يشعر بالسعادة وحياته خاوية تفتقد إلى الحب .
أمّا رجال الدين فهم يرون أن الذنوب هي سبب تعاسة الناس، وأنها هي التي توقع الإنسان في مستنقع التعاسة وضيق الصدر.
ليس هناك من أسلوب محدد لتعريف السعادة، وبشكل عام فالسعادة شيء نسبي يختلف باختلاف قدرات الفرد وامكاناته ودوافعه.
آراء الفلاسفة بالسعادة
اختلف الفلاسفة في تحديد معنى واحد للسعادة.
فمثلاً أرسطو هو أول من قدم مفهوم السعادة، حيث اقترن تحقيق السعادة لديه بسد النواقص، والتي تختلف من شخص لآخر، فإذا كان مريضا فإنه يعطي الأفضلية للصحة، وإذا كان فقيرا يعطيها للغنى، كما أن أولئك الذين يشعرون بجهلهم يستمعون بإعجاب للخطباء.
كما أكد أرسطو أنّ السعادة ترتبط بفعل المعرفة ما دامت هي فعل عقلي يرتبط بالتحصيل والتعود، هي أمر لا تصنعه الطبيعة، فنحن لا نولد سعداء وإنّما نصبح كذلك.
أما ايمانويل كانط فيقول: إنه لا ينبغي البحث عن السعادة على أنها شيء مستقل، وإنما يجب أن يكون نتيجة لاتباع التزام أخلاقي صحيح، تحددها الحياة الأخلاقية التي نعيشها في الدنيا، أي إن السعادة عند كانط متصلة بالفضيلة.
أما الفارابي فيعتبر السعادة غاية في ذاتها، ما دامت تطلب لذاتها بعيدا عن أية مصلحة، فهي لا ترتبط عند الفارابي بإشباع لذة بدنية، لأنّ هذا فعل مشترك مع الحيوان، لذا يصبح الفعل العقلي التأملي هو ما يميز الانسان.. فالسعادة عند الفارابي هي لذة عقلية وليست لذة حسية، فنحن لا نولد سعداء وإنما نصبح، وهو ما يعني ممارسة فعل التفكير والتأمل والاحتكام إلى المنطق، لأن السعادة لا تحدث إلا بجودة التمييز بين الصحيح والخطأ.
آراء آل البيت في السعادة
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): السعيد من اختار باقية يدوم نعيمها، على فانية لا ينفد عذابها، وقدم لما يقدم عليه مما هو في يديه، قبل أن يخلفه لمن يسعد بإنفاقه، وقد شقي هو بجمعه.
وقال الإمام علي (عليه السلام): السعادة ما أفضت إلى الفوز.. وقال أيضا: إنما السعيد من خاف العقاب فأمن، ورجا الثواب فأحسن، واشتاق إلى الجنة فأدلج.
وقال أيضا: السعيد من وعظ بغيره فاتعظ.
وقال أيضا (عليه السلام): هيهات من نيل السعادة السكون إلى الهوينا والبطالة.
وقال أيضا: جالس العلماء تسعد.
وقال أيضا: من السعادة التوفيق لصالح الأعمال.
وقال أيضا: دوام العبادة برهان الظفر بالسعادة.
وقال أيضا: درك السعادة بمبادرة الخيرات والأعمال الزاكيات.
قال الإمام الصادق (عليه السلام): السعادة سبب خير تمسك به السعيد، فيجرّه إلى النجاة، والشقاوة سبب خذلان تمسك به الشقي، فجرّه إلى الهلكة، وكل بعلم الله تعالى.
وهنا تكمن السعادة الحقيقية من منظور آل البيت عليهم السلام، وهو اعتماد الثالوث المؤدي إلى السعادة الحقيقية، وأقصد به: العبادة والعلم والعمل.
بهذا الثالوث يبلغ الإنسان السعادة، وتفيض حياته رضى وقناعة بما قسمه الله له، ومن خلال السعي الدائم لخير الأعمال، تلك التي تنفع البشرية وتصب في صلاحها وتقدمها ورقيّها.
ولا ننسى قول أمير المؤمنين: ثلاث من حافظ عليها سعد: إذا ظهرت عليك نعمة فاحمد الله، وإذا أبطأ عنك الرزق فاستغفر الله، وإذا أصابتك شدة فأكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
اضافةتعليق
التعليقات