السيدة رقية "عليها السلام" هي من السلالة الهاشمية الطاهرة ومن البيت العلوي الفاطمي نمت وترعرعت في بيت النبوة ورضعت الإيمان وترعرعت في حضن التقوى تحت ظل أبويها السيدة ام إسحاق والإمام الحسين ابن علي "عليه السلام" ولكنها سرعان ما فقدت السيدة رقية "عليها السلام" أمها الحنونة في بداية طفولتها التي ماتت بسبب مرض طارئ وما كانت السيدة رقية الطفلة الصغيرة لتبقى مهملة بلا كفيل.
فإنّها وإن فقدت أمها وهي في مقتبل العمر إلا أنّها عاشت في كنف عمتها زينب الكبرى "عليها السلام"، وأولتها العناية الخاصّة في تربيتها ورعايتها، حتى غدت أفضل بنات الإمام الحسين"عليه السلام" ونشأت هذه السيدة تتلقى من أبيها وعمتها العلم والحكمة والاخلاق في بيت العصمة والطهارة، كانت تحنو عليها كأمها تحبها وتداعبها حتى ترعرعت ونمت في حضن عمتها الى يوم شهادتها "عليها السلام".
يبدو من مجمل التواريخ ان السيدة الشهيدة رقية "عليها السلام" ولدت ما بين عام 57هـ و 58هـ بالمدينة المنوّرة وتوفيت في 5صفر61هـ، وهناك اكثر المؤرخين أشاروا إلى إنها ولدت رضوان الله عليها أواخر السابعة والخمسين للهجرة وبعض الروايات تقول أنها توفيت وعمرها 5 أو6 سنوات.
قيل: إنها الابنة الرابعة للإمام الحسين "عليه السلام" وذكروا أنّ عمرها كان ثلاث سنوات أو أربع وقد ذكر بعضهم أن عمرها الشريف خمس سنوات "السلام عليكِ يا مولاتي يا رقية يوم ولدتِ ويوم استشهدتِ ويوم تبعثين حية..".
السيدة رقية "عليها السلام" تتجلى فيها اخلاق الامامة
حينما ينشأ الطفل في بيت تملئه العبادة والتهجد والصلاة لها التي المكانة الكبيرة العظمى، تتجلى هذه الاهتمامات في شخصية الطفل فتكبر معه وتنعكس على أفعاله، فكيف من كان يعيش مع سيد الشهداء، نقلت بعض المصادر ان السيدة رقية "عليها السلام" كانت كل يوم في اوقات الصلاة تفرش سجادة والدها الامام الحسين "عليه السلام" ليصلي عليها، وفي يوم عاشوراء لما حان وقت الصلاة فرشت السجادة وجلست تنتظر والدها ليأتي ويصلي عليها وفيما هي تنتظر بلهفة وإذا الاحداث الدامية تمر بسرعة حتى ينحر جميع الاصحاب والخاتمة تكون عند الوالد الحبيب الامام الشهيد.
حتى حان وقت الهجوم على الخيام وإذا بشمر اللعين يدخل الخيمة مع غلام له فسألته عن والدها ببراءة الطفولة والوجه الملائكي الزاهر، لكنه لما امر غلامه ان يضربها فامتنع الغلام خائفا لكنه اللعين نفذ ذلك بنفسه فيا لها من مصيبة هزت سكان اهل السماء قبل الارض في ذلك اليوم.
السيدة رقية (عليها السلام) في السبي
كان الفصل الثاني في مصيبة عاشوراء بل يمكن القول إنها مصيبة عاشوراء بعينها لأن "القتل لنا عادة، وكرامتنا من الله الشهادة، فهل رأيت هاشمية سبيت لنا قبل اليوم" هذا قول الإمام زين العابدين "عليه السلام" لأبي حمزة الثمالي حين سأله عن البكاء، ولرقية "عليها السلام" في مرحلة السبي قصة خاصة كأن الله تعالى أراد أن يخص هذه الطفلة ذاتَ الثلاث سنوات لتكون شاهدة على عصر السبي بشواهدها فنحن كثيراً ما نسمع عن السبي ولكن هل نعرف التفاصيل؟.
لا ولكن عندما نذكر السبي أو نذكر رقية "عليها السلام" يتبادر ذهننا إلى الطفلة التي ضاعت أثناء السبي فالله وحده أراد أن يعمد السبي بطفلة صغيرة أصبحت ملاذ العاشقين والتوابين وطالبي الحوائج وقد ورد في بعض الأخبار عندما سيرت قافلة السبايا من الكوفة إلى الشام وبعد معاناة السبي الأليمة ومعاملة الأعداء القاسية للسبايا أخذت هذه الطفلة الصغيرة في تذكر والدها الحسين "عليه السلام" وقلبه العطوف ويده الحانية.
فراحت تبكي وتئن بصوت عالٍ ولما سمع العدو بذلك أخذ أحد القساة يسكت الطفلة ويتوعدها بالضرب فلم تسكت بل اشتد بكاؤها فقال لها ذلك اللعين اسكتي يا بنت الخارجي..
فتأذت الطفلة اليتيمة من هذا الكلام الجارح وأخذت تخاطب أباها:
أبتاه قتلوك ظلماً وعدواناً وسموك بالخارجي..
فما كان منه إلا أن ألقاها من فوق ظهر الناقة إلى الأرض..
وكان الوقت ليلاً والظلام دامس ولم ينتبه لسقوطها أحد فقامت بأبي وأمي تعدو خلف القافلة لكنها لم تستطع اللحوق بالقافلة لصغر سنها ولشدة ما أصابها من التعب والنصب وفجأة توقف الرمح الذي كان عليه رأس الإمام الحسين (عليه السلام) واندس في التراب بحيث لم يستطع أحد أن يحركه وحاولوا تحريكه فلم يستطيعوا لذلك سبيلاً فعلموا أن في الأمر إعجازاً وأنه تدخل من يد الغيب وقالوا لا يجيب على هذا إلا أهل البيت (عليهم السلام)..
فجاء رئيس القافلة إلى الإمام السجاد (عليه السلام) وسأله عن سبب تلك الحادثة المحيرة فأخبره الإمام (عليه السلام) أن إحدى الصغيرات فقدت ولن يتحرك الرمح ما لم يتم العثور عليها وحين سمعت العقيلة زينب (عليها السلام) ذلك الكلام ألقت بنفسها من فوق ظهر الناقة على الأرض ورجعت إلى الوراء حتى تعثر على الطفلة.
وراحت تبحث عن الطفلة اليتيمة في كل جهة وناحية حتى وقع نظرها على شيء أسود فتقدمت حتى وصلت إليه وإذا بها ترى امرأة ملتفعة بالسواد واضعة رأس الطفلة في حجرها فقالت لتلك المرأة: من أنت؟ فقالت: أنا أمك الزهراء أظننت أني أغفل عن أيتام ولدي فأخذت العقيلة زينب (عليها السلام) رقية والتحقت بالقافلة.
شهيدة الطفولة "عليه السلام"
للسيدة رقية سلام الله عليها موقف مفجع ومهيج لشجون الأحزان لأقسى القلوب، وذلك لما ذكر في احداث طريق السبايا ووصولهم الى الشام وبعد المعاملة المهينة التي اتصف بها يزيد واعوانه لأذية سبايا الامام الحسين وانصاره أمر يزيد بحبسهم بخربة من خربات الشام اهانة وبغضا لاهل البيت "عليهم السلام"، وعندما نزلوا في الخربة كانت السيدة رقية تسأل دائما عن أبيها وكان يقال لها انه في سفر (وكان قصدهم سفر الآخرة) لأنهم لا يريدوا أن يفجعوا قلب هذه الطفلة، وفي إحدى الليالي رأت السيدة رقية في منامها أبيها الحسين.
ولما استيقظت أخذت في البكاء عليه, وهي تقول ائتوني بوالدي وكلما أرادوا إسكاتها ازدادت حزنا وبكاء وابكت جميع الحاضرين، وفي الصباح اخبر يزيد بن معاوية عن الصياح والبكاء فقال: ما الخبر؟ قيل له إن بنت (الحسين) الصغيرة الموجودة مع السبايا في الخربة، رأت أباها في نومها فاستيقظت وهي تطلبه وتبكي وتصيح فلما سمع بذلك قال: ارفعوا إليها رأس أبيها وضعوه بين يديها تتسلى به.
وكانت فعلة يزيد هذه تنم عن مدى قسوته وحقده على اهل البيت عليهم السلام من حيث لم يجعل في قلبه رحمة حتى على الطفل الصغير الذي اودعت فيه البرائة، وبالفعل أتوا برأس الحسين في طبق مغطى بمنديل ووضعوه بين يديها الصغيرتين فقالت_السيدة رقية_: ما هذا؟ أنا لم اطلب طعاما إني أريد أبي.
فقالوا: هنا أبوك، فرفعت المنديل فرأت رأسا ففزعت فقالت: ما هذا الرأس!؟ قالوا: هذا رأس أبيك فرفعت الرأس وتمعنته جيدا وضمته إلى صدرها وقالت:
يا أبتاه من الذي خضبك بدمائك؟ يا أبتاه من ذا الذي قطع وريدك؟ يا أبتاه من الذي أيتمني على صغر سني، يا أبتاه ليتني لم أرَ شيبك مخضبا بالدماء.
وظلت تبكي على رأس أبيها حتى غشي عليها.
فقال الإمام زين العابدين (عليه السلام): عمه زينب ارفعي اليتيمة من على رأس والدي فإنها فارقت الحياة، فرفعتها السيدة زينب فوجدتها قد فارقت الحياة فغسلتها وكفنتها ودفنت في دمشق، هذا موقف من مواقف السبايا.
إن موقف السيدة رقية عليها السلام نال خصوصية في الطرح وله تأثير على النفوس حيث يجسد لنا موقفا عظيما انتهك به حق طفلة رقيقة وبريئة طالبت برؤية ابيها فقط وكعادة الاطفال البكاء حين فراق الاب او الام، وهل تعامل طفلة في عمر الاربع سنوات حيث تحمل من الرقة ما لا حدود له معاملة المذنبة التي يستوجب عقوبتها، هذا ما اجرمته الدولة الاموية بقيادة يزيد بن معاوية (لعنهما الله) في حق السيدة رقية طفلة من اطفال الحسين "عليه السلام".
اضافةتعليق
التعليقات