• الرئيسية
  • كل المواضيع
  • الاتصال بنا
facebook twitter instagram telegram
بشرى حياة
☰
  • اسلاميات
  • حقوق
  • علاقات زوجية
  • تطوير
  • ثقافة
  • اعلام
  • منوعات
  • صحة وعلوم
  • تربية
  • خواطر

تلطيف.. ظاهرةٌ تُحلّي المنطوق من القول

مريم حسين العبودي / الأحد 22 كانون الثاني 2023 / تربية / 1167
شارك الموضوع :

هي تُعد تنظيفاً لأذن المُتلقي، والمراعاة لشعوره، هذا التهوين أو تلطيف العبارة هو أسلوب لغوي هدفه الأساسي التجميل والتجمّل

مثلما يعاني مختلف الأشخاص من نقص حاد في بعض الفيتامينات والأملاح التي يحتاجها الجسم، هنالك نوع من الافتقار لفيتامين أخلاقي يستطيع تحويل الكلام المنطوق من أداة جارحة إلى طريقة تربيت خفيفة تُنير روح سامعها.

مصطلح ( euphemism أو التلطيف) يأتي في معجم المعاني بمعنى: تَلْطيفُ الكَلامِ أي جَعْلُهُ رَقيقاً لا جَفاءَ فيهِ. أو تَخْفيف من خُشونة عِبارة أو مِمَّا تَتضمَّنه من تَكْدير لسامِعها. ويشملُ ذلك استبدال المصطلحات الاجتماعية غير المقبولة أو السلبية بعبارات الكثر لطفاً، مثلاً كلمة (منغولي) هي كلمة شاع تداولها بين الناس سابقاً، ولكن لما تتركه هذه الكلمة من أثر مكدّر لسامعها فقد تم استبدالها بكلمة (مصابين بمتلازمة داون).

يحمل مصطلح الـ euphemism أو التلطيف العديد من التعابير الأخرى، فمثلاً يترجمها أحد المواقع المتخصصة باللغة العربية بـ التلطّف، لطف العبارة، النزعة التلطيفية، أو النهج اللبق. كلها مسميات غريبة ومختلفة، تحاول نشر هذه المفردة بين المجتمعات العربية على وجه الخصوص.

تحمل اللغة العربية مفردات غنية باللطف واللباقة، اهتمت لغة الضاد وأهلها منذ القدم بهذه الثقافة، حين عبّرت عنه بمصطلح (التهوين).

تجد في العربية الكثير من الأمثلة على مصطلحات أعيدت صياغتها لتخفيف وقعها على المستمع، مثل قولنا: "شخص لفظ أنفاسه الأخيرة" بدلاً من القول إنه قد مات.

نستخدم كذلك مصطلح (دورة مياه) بدلاً من (مرحاض أو حمام)، كما نسمي من فقد عينه بأن عينه كريمة.

ال euphemism ظاهرة راقية، فهي تُعد تنظيفاً لأذن المُتلقي، والمراعاة لشعوره، هذا التهوين أو تلطيف العبارة هو أسلوب لغوي هدفه الأساسي التجميل والتجمّل. علاقة الزوجين مثلاً في التراث الإسلامي تُوصف بعبارات مُخففة، مثل الملامسة، و(أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بعض) و(هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنّ). التراث العربي غني بالتلطيف، فيُسمى الختان بالطهور، والأعمى بالمحجوب.

ولا تخلو باقي الثقافات من تطبيق مفهوم الـ euphemism، فيقول المسؤول الأمريكي مثلاً: (أريدُ قضاء وقت أكبر مع العائلة) إذا كان ينوي الاستقالة أو التقاعد. الأشخاص المشهورين يقولون عبارة: (أنا أحياناً أركن سيارتي في الموقف الخطأ) ويقصد بذلك إنه قام بتصرّف خاطئ أو مشين أو خارج عن الذوق العام. الزوجة تقول: (أنا فقدت زوجي) بدلاً من أن تقول أنه مات.

التهوين أو التلطيف هي ظاهرة عالمية يستخدمها كل إنسان أياً كان لونه أو عرقه أو أصله، كل ما يحتاجه الإنسان لكي يطبّق الـ euphemism هو فطنة وذكاء وأدب. إنها ظاهرة حتمية واتوماتيكية، فكل جيل يلطّف لغة الجيل السابق، وهي ظاهرة ستحدث للغتنا اليومية شئنا أم أبينا.

مالذي يخطر في بالك حين تسمع مصطلح (دعم مالي لمختلفي القدرات - Cash assessment for the differently abled)؟ هذه عبارة جميلة ولمّاعة، وهي عبارة استحسنها المجتمع الغربي بدلاً من مصطلح قديم آخر هو (تبرعات للمعاقين)، لِم تم استبدال المفردة القديمة بهذه الجديدة!؟ لأن كلمة دعم فيها حفظ لماء الوجه أكثر من كلمة (تبرع، حسنة، أو صدقة)، الكلمة الجديدة (مختلفي القدرات) أخف وطأة، من كلمة (معاقين) حيث تحتوي الثانية على ابتزاز لمشاعر الشخص المعني. هكذا هي اللغة التي نستخدمها يومياً، لا تقف عند حد، بل تتغير باستمرار باتجاه الألطف والأهون.

السؤال المهم هو، لماذا نحتاج تغيير سريع ومستمر للكلمات،  لماذا نحتاج أن نطبّق نظام التلطيف؟ تحمل كل كلمة معنيين، المعنى الحرفي والمعنى العاطفي أو الاجتماعي، حيث يمكن أن تحمل بعض الكلمات المتشابهة ذات المعنى الحرفي، ولكن، الكلمات المتشابهة تحمل معنى عاطفي مختلف، مثل العبارة الإنكليزية We need to talk   معناها الحرفي (نحتاج ان نتحدث) لكن معناها العاطفي يوصل رسالة مفادها أن الشخص يريد أن يبوح بالكثير مما صمت عنه، أو أن يريد أن يقول قراراً مصيرياً.

إن أي كلمة بمرور الزمن ستُنشئ لها شبكة من الروابط السيئة، يشبه الأمر النغمة الأولى التي ينشئها الجرس، وما تليها من ارتدادات، فكلمة (معاق) رسالتها الأولى تحمل معنى يحاول إيصال معلومة عن شخص مصاب غير قادر على الحركة، لكن المشكلة تكمن في الارتداد الذي تنشئه والصور التي ترسمها في ذهن السامع من صور الضعف والعوز والحاجة. بمرور الزمن تغير وقع هذه الكلمة واستحدث لها إصدار جديد لكلمة أخف وقعاً وألطف تعبيراً. فال euphemism هي عملية فلترة مستمرة لقاموس اللغة اليومية وتنقيتها مما يشوبها من كلمات سلبية.

إن من يعتمد منهج التلطيف يمارسُ حماية مستمرة للمستمع من الصور الذهنية السيئة التي ستأتي في ذهنه، يحاول حجب التخيّلات التي قد يقوم بها الذهن نتيجة كلمة منطوقة تحمل أثراً سيئاً في مجرى السمع. يترادف مبدأ التلطيف أو التهوين مع مبدأ (لكلِ مقامٍ مقال)، حيث يعتمد اختيار الكلمات المناسبة في الزمكان المناسب. فمثلاً لو وقفت أمام جمهور من الأمريكان وشرعت في التحدث لهم عن جهاد النفس، وكيفية كبت النزعة الشريرة في الإنسان تجاه بعض المحرمات، فمن غير الصائب هنا استخدام كلمة (جهاد) لأنها كلمة سحبت معها صور معينة قد تستفز مشاعر الحضور، لأن لكل مقام كلمة مُلَطَفة تناسبه.

هل للـ euphemismأعراض جانبية أو عيوب!؟ قد يُستغل مبدأ التلطيف لامتصاص دم الشعوب، فعلى سبيل المثال قبل مئة سنة في مجال الصناعة الأمريكية، كانت كلمة (الصلاحية، الكفاءة، أو الجدارة) قد ارتبطت بنظرية الإدارة العلمية، هذه النظرية أوجدها (فريدريك تيلور)، والتي كانت تعني – رفع طاقة الأداء بأقل تكلفة – كانت تتضمن تحسين بيئة العمل وتشجيع العمال على رفع طاقة الإنتاج وتقليل تكلفة وجهد العمال، لكن (الكفاءة) التي قصدها فريدريك تيلور في نظريته بدأت تأخذ منحىً آخر، فمع الوقت أصبحت ترمُز لشبكة من السلوكيات الجديدة والسلبية لتقليل عدد العمال، زيادة ساعات العمل، هضم لحقوقهم، صرف أقل عليهم، وسوء كبير في بيئة العمل. كلمة (كفاءة أو efficiency) تلوثت بغازات تهدد الأمان الوظيفي للعامل. لكن أصحاب المصانع أذكياء دائماً، فقد قاموا بتعيين جهابذة اللغة لتقديم إجراءات تلطيفية للمفردات الملاحقة لكلمة (كفاءة). قاموا بتحويل مصطلح (تسريح العمال) إلى (تحجيم)، حيث أن كلمة (تحجيم) مستحدثة ولا تحمل صوراً سلبية مثل كلمة (تسريح).

فعندما تقرأ خبراً يقول: "بدأت عمليات تحجيم في المصنع"، والخبر الثاني يقول: "بدأت عمليات تسريح للموظفين والعمّال في المصنع". الخبر الأول ألطف لأن كلمة (تحجيم) هي كلمة خفيفة، بغض النظر عما تحمله من عمليات فصل وتشريد وقطع أرزاق.

إن الـ euphemism ظاهرة أنيقة مترعة باللباقة والمراعاة، قد تحمل بعض الأعراض الجانبية وقد تُستغل بشكل سلبي من قبل البعض، لكنها تبقى ظاهرة حضارية تنمو مع روح ثقافة المجتمعات وسكانها.

إن الدين الإسلامي والأعراف الدينية غزيرة بمصطلحات تعيد صياغة الكلمات ذات الوقع الثقيل والسلبي وتحيلها لكلمات مخففة تراعي الروح والنفس والسمع، كلُ ما علينا هو أن نحاول التدقيق في كل ما ننطقه وأن نجري عليه عمليات فلترة في أدمغتنا قبل أن يتحول لكلام واقعي منطوق قد يخدشُ نفوساً ويهدمُ أمالاً تعب أصحابها في تشييدها.

المصادر : بودكاست ساندويش ورقي
صحة نفسية
الاخلاق
السلوك
الشخصية
المجتمع
شارك الموضوع :

اضافةتعليق

    تمت الاضافة بنجاح

    التعليقات

    آخر الاضافات

    آداب الحديث وفن الاستماع الفعّال

    السر الأعظم في معاملة الناس

    محليات صناعية شائعة قد تزيد من خطر الجلطات والسكتات الدماغية

    قارئة تُشعل شمعة الأمل في ظلام الجهل .. حوار مع القارئة مريم العيساوي

    البهجة؟ لا تبحث عنها… إنها تحت الوسادة

    الرجل "الألفا" يشعر بالوحدة والعزلة.. فهل من نموذج جديد لمعنى الرجولة؟

    آخر القراءات

    كوكل يترجم لك جميع محادثاتك

    النشر : الخميس 05 آذار 2020
    اخر قراءة : منذ ثانية

    جدل كبير حول جرائم قتل النساء في السويد

    النشر : الخميس 13 آيار 2021
    اخر قراءة : منذ ثانية

    ما هو النظام الأبوي المستحدث؟

    النشر : الأحد 03 تموز 2022
    اخر قراءة : منذ 16 ثانية

    الخوف من الحسد.. بين الحذر والتهويل

    النشر : الأربعاء 24 حزيران 2020
    اخر قراءة : منذ 17 ثانية

    كيف يؤثر الاستحمام في إظهار أفكارك الإبداعية؟

    النشر : السبت 08 تشرين الاول 2022
    اخر قراءة : منذ 18 ثانية

    ما هي أهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتغير المناخ؟

    النشر : الثلاثاء 28 تشرين الثاني 2023
    اخر قراءة : منذ 24 ثانية

    الأكثر قراءة

    • اسبوع
    • شهر

    قارئة تُشعل شمعة الأمل في ظلام الجهل .. حوار مع القارئة مريم العيساوي

    • 3718 مشاهدات

    كيف أصبح "شات جي بي تي" مرجعاً لحياتنا؟

    • 446 مشاهدات

    أهمية متسلسلة "فوريير" في التكنولوجيا

    • 352 مشاهدات

    السم الأبيض؟ أسباب تجعل السكر خطرا على صحتك

    • 348 مشاهدات

    صخب المبالغة: مأساةٌ وجودية!

    • 310 مشاهدات

    7 نساء يشاركن نصائحهن للتعامل مع أعراض انقطاع الطمث

    • 307 مشاهدات

    قارئة تُشعل شمعة الأمل في ظلام الجهل .. حوار مع القارئة مريم العيساوي

    • 3718 مشاهدات

    يوم الكتاب العالمي: إشعال شموس المعرفة بين الأجيال وبناء جسور الحضارات

    • 1342 مشاهدات

    من كربلاء إلى النجوم... طفل السبع سنوات يخطف المركز الأول مناصفة في الحساب الذهني ببراءة عبقرية

    • 1322 مشاهدات

    جعفر الصادق: استشهاد نور العلم في وجه الظلام

    • 1192 مشاهدات

    حوار مع حسين المعموري: "التعايش السلمي رسالة شبابية.. والخطابة سلاحنا لبناء مجتمع واع"

    • 856 مشاهدات

    إنتاج الرقائق.. بترول الحرب العالمية الثالثة

    • 849 مشاهدات

    facebook

    Tweets
    صحيفة الكترونية اجتماعية ثقافية بادارة جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية

    الأبواب

    • اسلاميات
    • حقوق
    • علاقات زوجية
    • تطوير
    • ثقافة
    • اعلام
    • منوعات
    • صحة وعلوم
    • تربية
    • خواطر

    اهم المواضيع

    آداب الحديث وفن الاستماع الفعّال
    • منذ 13 ساعة
    السر الأعظم في معاملة الناس
    • منذ 13 ساعة
    محليات صناعية شائعة قد تزيد من خطر الجلطات والسكتات الدماغية
    • منذ 14 ساعة
    قارئة تُشعل شمعة الأمل في ظلام الجهل .. حوار مع القارئة مريم العيساوي
    • الأحد 18 آيار 2025

    0

    المشاهدات

    0

    المواضيع

    اخر الاضافات
    راسلونا
    Copyrights © 1999 All Rights Reserved by annabaa @ 2025
    2025 @ بشرى حياة