المرأة ليست مجرد شريك في الحياة اليومية، بل هي عمود الدعم والقوة التي تحمل على عاتقها مسؤولية بناء المجتمعات وتحقيق العدالة والسلام. في زمن الأزمات والمحن من أعماق تأريخنا تبرز قصص النساء كنماذج للقوة والإيمان، حيث تلعب دورًا حاسمًا في بناء المجتمعات على أساس العدالة والحق.
في قلب كل قصة عظيمة من قصص التاريخ، تترنح قدما امرأة قوية، تحمل في جوفها روح الإيمان والتضحية، مما يمنحها القدرة على تغيير مجرى الأحداث ورسم الحقائق بألوان الإصرار والعزيمة. والمرأة في ملحمة كربلاء كانت تمتلك صورة متميزة في مشهد النصرة والفداء، فكانت من أنصع الصفحات وأكثرها إشراقاً في التاريخ الرسالي، وقد تخطت المرأة في ذلك طبيعتها الفطرية المعتادة في الحرص على سلامة أبنائها وأزواجها إلى أسمى حالات التضحية والفداء بدفع الأبناء والأزواج معاً للدفاع عن الإمام الحسين (عليه السلام) والاستشهاد بين يديه وحثهم على الصمود ببسالة، وتقبل استشهادهم بالرضا والاطمئنان.
ومن النساء البارزات في معركة الطف التي تميزت بصمودها وتضحيتها الكبيرة في سبيل الدين والمبادئ النبيلة السيدة رملة (رضوان الله عليها) زوجة الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) وأنجبت له ولده القاسم، وهناك عدم تثبت من اسمها الحقيقي إلا أنها لقبت بعدة ألقاب منها أم الوليد، وقيل إنها أنجبت فقط القاسم بن الحسن، وهناك معلومات غير دقيقة أنها انجبت أبا بكر بن الحسن، طلبت أم القاسم (رضي الله عنها) من الإمام الحسين (عليه السلام) ان تأتي معه إلى كربلاء.
عندما قررت رملة الانضمام إلى قافلة الإمام الحسين (عليه السلام) في رحلته إلى كربلاء، كانت تدرك تمامًا المخاطر التي تكتنف هذه الرحلة. ومع ذلك، كانت شجاعتها وإيمانها بالحق والدفاع عن الإسلام أكبر من أي خوف أو تردد. لقد حملت في قلبها قوة الإيمان والثبات على الحق، مما جعلها تشجع ابنها القاسم (عليه السلام) على القتال بجانب الإمام الحسين (عليه السلام).
قدمت فلذة كبدها فداء للحسين وقضيته، وما يجب أن تفعله أية امرأة أرملة، والذي من المفترض أن تتهيأ لأيام زفافه القريبة، لكنها بشجاعة الهاشميات العلويات، زفت ابنها البار مع موكب شهداء الطف، ليكون في عليين مع الشهداء والصالحين، في قدم صدق عند مليك مقتدر.
فيكفي لهذه المرأة المكرمة فخراً وعزاً أنها الزوجة المخلصة للإمام الحسن بن علي (عليهما السلام) والأم الحنون التي ربّت أبناءها ومنهم ذلك الشاب الغيور القاسم (عليه السلام) حتى شجعته لنصرة امام زمانه الحسين (سلام الله عليه)، ولم يكن القاسم قد بلغ الحلم، وكان وجهه كفلقة قمر، فلما نظر اليه عمه الحسين (عليه السلام) اعتنقه وبكى حتى غشي عليه، فاستأذنه في القتال فأذن له بعد الحاح منه، وبعد ان اراه وصية ابيه الإمام الحسن (عليه السلام) في نصرته.
قصة السيدة رملة تعد مصدر إلهام للأجيال القادمة. تعلمهم قيم التضحية والشجاعة والصبر في سبيل الحق والعدل. هذه القيم تظل حاضرة في وجدان الموالين، تشكل نموذجًا يُحتذى به في الإيمان والعمل على نصرة الحق.
تظل قصة السيدة رملة (عليها السلام) حية في ذاكرة التاريخ الرسالي، تذكرنا ببطولة الأمهات المؤمنات وتضحياتهن في سبيل القيم السامية. إنها تروي لنا حكاية الإيمان الراسخ والشجاعة التي لا تلين، والصبر الجميل الذي يواجه المصائب برضا وتسليم، لتبقى نبراسًا يضيء دروب الحق والعدل للأجيال المتعاقبة.
اضافةتعليق
التعليقات