كلنا نعلم أن مجتمعنا يُصنَّف مجتمعاً فتيًّا، أي ـ تكثر فيه نسبة الفتية (الشباب)ـ وبناء المجتمع وصلاحه مرهون بصلاحهم وثقافتهم، لو تساءلنا كيف نصلح الشباب ليصلح المجتمع؟ وبالأخص أننا نرى أغلب الشباب حاليًّا منقادون مع ثقافة الغرب ومع الموديل وما شابه من هذه الأشياء الدخيلة، وعندما نوجه لهم نصيحة معينة يأتي الرد بأن كل المجتمع أصبح هكذا أو مرحلة الشباب تتطلب ذلك أو هل رأيتم شابًّا لا زال يتبع الدين ليكون حجة علينا!
دعونا نتحدث بشكل منطقي بالنسبة لما يسير عليه الغرب إنما هم لهم دينهم ولنا ديننا، فهم يسيرون وفق نظام دينهم الذي يسمح لهم بعدم الاحتشام وغيره، أما نحن المسلمون فهذا يتعارض مع مبادئ ديننا إذ من تعاليمه وأساسياته الحشمة وغض البصر وغيرها، فلِمَ نتبع ما يتعارض مع مبادئنا وثقافة ديننا؟!
ثم إنهم ليس لديهم إمام غائب ينتظر منهم التمهيد لدولته الرشيدة، دولة العدل الإلهي، فاتباعنا لهم يؤخر ظهوره الشريف، فعلامَ هذا السير ورائهم وكأنهم أفضل منا؟!
فكل ما يريده الدين الإسلامي منا هو اتباع تعاليمه والسير بنهجه ومبادئه التي هي أساس الصلاح والسعادة، ولكي نحقق الانتظار الصحيح والإيجابي لإمام زماننا أرواحنا فداه.
وإذا سأل سائل ماذا نعني بالانتظار الإيجابي؟ وهل هناك انتظار سلبي؟
عند هذا يجيب الشيخ ناجي الخاقاني في كتابه (المشروع السياسي للإمام المهدي عجل الله فرجه قراءة في دعاء الندبة) حيث يقول: [فمما لاشك فيه أن هناك نوعين من الانتظار أحدهما هو الانتظار السلبي، وهو يعني القعود وترك العمل للظروف وحوادث الأيام، والثاني هو الانتظار الإيجابي الذي يقترن بالعمل والجهد وإعداد العدة والاستعداد لظهور الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)] وأصحاب النوع الثاني من الانتظار هم الذين يعتقدون أن الإمام غاب نتيجة لعدم توفر الظروف الموضوعية للمشروع المهدوي المقدس فجاهدوا أنفسهم وكبحوا جماح رغبات النفس في السعي وراء كل ما هو خارج عن قواعد ونظم الدين فكرَّسوا أنفسهم للسعي والبحث عن كل عمل يمكنهم من خلاله التقرب لإمام الزمان ونصرته ولو بالشيء القليل وخير مثال على ذلك الشاب (مصطفى السوداني) فهو حجة على شبابنا، بعيداً عن كونه رادوداً لنتطلع إلى جانب واحد فقط هو جانب دموعه وحرقة قلبه التي تترجمها أفعاله وانفعالاته عند لفظ اسم (مهدي) ومرور ذكر غيبته (سلام الله عليه)، فهو أيضاً يعيش معنا في نفس بيئتنا ومجتمعنا بل في أكثر محافظة شذَّ بعض شبابها عن الطريق الصحيح سواء الرجال أم النساء وهي محافظة بغداد إذ أن البعض اتخذ من حجة سكنه فيها وسيلة للتهتك وخلع الحجاب وابداء الزينة وسماع الأغاني وإحياء الحفلات التي تلوث الروح وتسلب نورانيتها، فلِمَ بقي هو وأمثاله من الشباب محافظين على روحهم ودمعتهم المهدوية ساعين وراء جعل المجتمع يلهج بذكر إمام الزمان صباحاً ومساءً!.
إنما هو إصرار وإرادة ورغبة يرافقها عمل للبقاء في هذا الطريق النوراني.
ونرى في بعض اللقاءات التي عُرِضت مع الملا مصطفى السوداني وهو يربينا ويعلمنا ويرشدنا على بعض الطرق التي من شأنها أن تقوي أواصر الارتباط بالإمام الموعود لنكون شباباً مهدويين ساعين وراء التمهيد لدولته العظيمة ولنؤسس قاعدة جماهيرية قوية يمكن للدولة المهدوية الاستناد عليها.
وقد يتساءل البعض لِمَ اخترت هذا الشاب انموذجاً للشباب المهدوي مع وجود الكثير من العلماء والصالحين الذين تشرفوا برؤية الامام (عجل الله فرجه) واللقاء به وآخرون كانت لهم مكاشفة مع الامام أيضاً!.
ولكن هذا الاختيار لغرض معين هو كون هذا الشاب حجة وأمثاله حجة على الجميع كونه يعيش معنا في نفس زماننا لا سابق عنا لتكون لنا فرصة الاحتمال أن بيئته تختلف وللإثبات أن الانسان وبالأخص الشاب يستطيع أن يكون صالحاً مهما كانت نسبة الانحراف والانحلال من حوله، فهو وأمثاله من الشباب المؤمن شقُّوا لهم طريقاً وسط مغريات الحياة ومدُّوا أيديهم لتمسك بأطراف رداء صاحب الزمان وتتشبث به وكذلك ليستطيع كل امرئ أن يحذوا حذوهم ويكون صالحاً مهدويًّا ممهداً لدولة المحبوب، فالطريق الصحيح مليء بأنوار العبادات وكل فرد منا يستطيع أن يشق له طريقاً من الأعمال التي تقربه من محبوبه فمن ارتقى في مراقي الحب الطاهر سار في إثر محبوبه وكلما كان السير حثيثاً كان الوصول أسرع.
من مضامين الدروس التي سمعتها من الملا مصطفى هو لزوم تعلمنا للأدب عند التحدث مع أهل البيت (عليهم السلام) أو عند التحدث عنهم أيضاً فهم ليسوا كباقي الناس وهذه نقطة مهمة جدًّا لنكون مهذبين مؤدبين في ساحة المعصوم وحضرته وفي ضيافته، وهذه أول خطوة نحو الحياة المهدوية ونحو صلاح النفس لتكون مؤهلة لاستضافة الحب الحقيقي للإمام فيها، فإن من يريد أن يستضيف شخصاً معيَّناً في بيته فهل يستضيفه في مكان غير نظيف أو غير مرتب أو رائحته كريهة مثلاً؟
بالتأكيد استضافة الإمام تحتاج قلباً نظيفاً مرتَّباً طيب الرائحة ليكون أهلاً لسكن الإمام فيه.
ومن الدروس الأخرى التي تعلمتها وأنقلها لكم من الملا مصطفى السوداني هو أن حب صاحب الزمان رزق بل هو خير رزق يلزمنا المحافظة عليه بالعمل على دوامه وتثبيته وتجذره أكثر فأكثر بالعمل الحثيث والسعي بتغيير ما بداخلنا.
وإذا سأل أحدهم كيف نغير قلوبنا ونجعلها تستقبل أكثر فأكثر فنقول أن الواجبات وحدها لا تكفي (من ناحية العبادة) فإن إمامنا الحسين (عليه السلام) يقول: (شرف المؤمن صلاته بالليل) فالأعمال المستحبة لها دور كبير في ترويض القلب وهدايته نحو الصلاح وطريق الصواب وبالأخص صلاة الليل لما لها من الفضل الكبير، ففي مضمار هذه الحياة كثيرة هي الأشياء التي من شأنها أن تنسينا ذكر الإمام ولذة الحديث معه واللهجة الدائمة باسمه إن لم نعوِّد أنفسنا على ذكره الدائم [واجعل لساني بذكرك لهجا وقلبي بحبك متيما].
فهذه الحياة تمضي وأعمارنا تتناقص شيئاً فشيئاً وهذه آخر فرصة لنا لنتدارك أنفسنا فنهايتنا يُكتب على جباهنا هذا مؤمن وهذا كافر وهنا تُفتضح بواطن الانسان ويُفتضح ما في قلبه من خفايا، فمن الأفضل أن نعلق قلوبنا بإمام زماننا لا غير وحتى في علاقاتنا الاجتماعية التي هي من متطلبات الحياة نستطيع أن نوظفها كلها لصاحب الزمان فمثلاً عندما نحب شخصاً معيَّناً تكون النية هي المحبة في سبيل صاحب الزمان ليبارك الله في هذه المحبة ولا تكون وليجة.
ودرس آخر نتعلمه من هذا الشاب الذي يسعى لأن ينصر امامه حق نصرته هو الخشوع في الصلاة والالتفات لمعانيها السامية العظيمة فيقول: تخيَّل أنه عندما تصلي أنك واقف تصلي صلاتك جماعة خلف الإمام المهدي (عجل الله فرجه) أي يلزم أن تكون منزلة الغيبة بمنزلة المشاهدة عندنا.
فلنداوم على صلاتنا في وسط كل مشاغل الحياة فهذا صراع مع النفس ويجب أن نتغلب عليها فإنه في وسط هذا الصراع يقذف الله في قلوبنا الحب الحقيقي لصاحب الزمان لأنه في هذا الحال يكون القلب قد بدأ بالتهيؤ لسكن الإمام فيه.
وأيضاً من الدروس المهمة التي يخبرنا عنها الملا السوداني ويوصينا بها هو الرفق بقلب الإمام (عجل الله فرجه) بالابتعاد عن كل ما يؤذيه ومن بينها والذي ينتشر في زماننا الحالي بكثرة هو الغناء، فالقلب لا يجتمع فيه شيئين متناقضين؛ حب الإمام والاستماع للغناء.
فلا تتركوا يد صاحب الزمان فهي ممدودة على الدوام وفي نفس الوقت يد الشيطان ممدودة أيضاً فلا تتركوا يد الإمام وتمسكوا يد الشيطان، وتذكروا دائماً قول المعصوم [مَن استمع إلى ناطق فقد عبده فإن كان الناطق ينطق عن الله فقد عبد الله وإن كان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان] فما أقسى هذا على الانسان لو يلتفت أنه في ساعة الاستماع للغناء والطرب قد ترك عبادة أرحم الراحمين وعبد من قال سأغوينهم أجمعين، ومع هذا لازلنا ندَّعي الانتظار ونحن لا نبارح المنكرات وقد اشرأبَّت في نفوسنا فأي انتظارٍ هذا؟!
هذا مجرَّد ادِّعاء لا انتظاراًّ حقيقيًّا؛ فالانتظار الحقيقي الذي سماه الشيخ الخاقاني بـ(الانتظار الايجابي) هو العمل الحثيث والدؤوب الذي يلزم أن نكون فيه مع الله دائماً وأبداً، فالله عز وجل بعظمته وعزته ينتظر صاحب الزمان ودولته "فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِنَ المُنتَظِرِينَ" [الأعراف:71].
لنقوم للعمل الجاد من أجل دولة صاحب الزمان، فهذا محرم قد أقبل وأقبلت علينا عاشوراء التي هي مشروع سماوي ابتدأ بالإمام الحسين وثورته وختامه الإمام المهدي وثورته، فخدمة صاحب الزمان ونصرة دولته فرصتنا الأخيرة للنجاة والفوز بالشفاعة.
وإنه لشرف عظيم أن يحظى المرء بخدمة امام زمانه، فأي منزلة هذه يصل إليها الانسان، خدمة ولي من أولياء الله فإمامنا الصادق (صلوات الله وسلامه عليه) يقول وقبل أن يأتي الامام المنتظر إلى هذه الدنيا (لو أدركته لخدمته أيام حياتي) وكان يبكي شوقاً له ويقول: [غيبتك نفت رقادي] فلا نكون حق الأنصار إن لم تنفِ غيبته رقادنا وتجعلنا ممن يتفرَّس فيه إمامه الخير فيطرق باب قلبه وحياته ليكون مهدوي القول والفعل.
اضافةتعليق
التعليقات