من عبق النرجس، تتعطر حروفنا وتتألق سعادة لولادة التكوين، الامام الحجة المنتظر أرواحنا له الفدا.
تطابق الولادة وعبادة الفجر فيه، عقيدة لابد أن تسجد نواصينا لها شكرا أن خصنا الله في هبته سبحانه بنور ولادة الحجة الغائب ليكون للعالمين بشيرا ونذيرا.. فكما ابتدأ الدين بمحمد ينتهي بمحمد وفي شهر محمد ..
يضطرب النبض وترتج فرائصه لذكر الآل، وتنقبض الكلمة خوفا وبكاء لفرحة اللقاء ، لأن ولادة النور، همسة بطعم النسيم الذائب في العبادة والتجلي للخالق البارئ واطلالة سعد وفرصة شفاء وتعبير خلاّق وكتابه لا يخالطه وباء ..
الولادة تعني ميثاق ، تعني المبدأ والسلام ، تعني ولادة المنهج ، تعني انبثاق الأفكار وإطارها الوفاء.
كيف نفهم الميلاد ؟
يقصر البعض في فهم الميلاد ، فيعتقدون أنه الذكرى فقط، وذكرهم بأيام الله، فتعتمر الموائد بالحلوى وقراءة المدائح والأهازيج وإستشعار النفس والقلب بحب الآل وخدمتهم على كل حال، ربما هو كذلك ، ولكن أين هو الوعد ؟، أين البيعة ؟،
لابد أن يدرك كل شيعي بل كل مسلم انسان أن الولادة لها معنى أعمق وأسمى بل هو العهد السنوي ومحفل تتجدد فيه مستوى المضامين والمبادئ وأداء التحية والخضوع المطلق، وإعادة تأهيل لمجتمع اليوم إلى إطلالة الولادة ومفهومها في عقول الخاصة والعامة ورسم هيكلية ثقافية عقائدية جديدة تتناسب وأسلوب الوضع الحالي ..
إن ولادة الإمام يقصدها التكوين لعظمته فيهبها لمسة ومقصد مختلفان ، بل يفهمها من جعلنا في قلبه نور ، وهي تعني مشروع استنهاض ، لقلب التابع واستدامة بيعة للمتبوع .. فصبغة ولادتهم قد جمعت وحوت كل ولادات الأنبياء بكل خطواتهم ودعواتهم وتذكيرهم وقد ختمت بهم وتمت بمواقفهم واجتمع ذكرهم بحضورهم أهل البيت فلولاهم ماحفظ الزمن أعلام الخير ولذابت روايتهم لأنهم الذكر الثابت وبهم يحفظ الله كل معجزة لأن نور النبوة وآله قد خص بالاستثناء .
الإعتقاد وأسبابه
عن سليمان الجعفري، قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام)، قلت: تخلو الأرض من حجة؟ قال: «لو خلت الأرض طرفةَ عينٍ من حجة، لساخت بأهلها» بصائر الدرجات - الصفار: ص٥٠٨.
وجود الحجة لهو الأمان لأهل الأرض وضرورة تكوينية وإلا لساخت الأرض ومارت مورا ..وإن نكرانها لهو نكران النبوة والإسلام .
عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: «من أقرَّ بجميع الأئمة وجحد المهدي، كان كمن أقرَّ بجميع الأنبياء وجحد محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نبوته»، فقيل له: يا بن رسول الله، فمن المهدي من ولدك؟ قال: «الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه ولا يحل لكم تسميته». كمال الدين - الصدوق: ص٣٣٣.
ولقد ركزها الله عز وجل في الوجدان البشري وباتت عقيدة حتى في الأديان غير السماوية ، وأكدت عليه أيضا اليهودية والمسيحية، بأن المخلص والمنقذ يولد في آخر الزمان .
في عمقنا العقائدي سفر ممزوج بالحق وبعيدا عن الفوضى والفضل يرجع إلى الثبات، وقد نفذ انتظاره كبوة الصبر بمعجزاته، وإن منهاج المعرفة قد بايع ولاية الحاضر الغائب بكل خطوة حوار ودقة شعار ودليل ومنطق .
أما المخالف للتشيع يعتقد بولادته وأنه ابن الحسن العسكري وأنه غائب ولكنه ينفي معصوميته وأنه من السلسلة العلوية المعصومة وأنه الامام الثاني عشر . مصادر مخالفة أخرى قد اعترفت بنسبه وظهوره وصفته إلا أنها تنكر إمامته وهذا الادعاء يخلق صمتا عبر الأجيال فتؤثر على وعيه وصدقه وشعاره فيصيبه الخدر ويغمى عليه عند أول صِدام.
شواهد من التاريخ
محمد أمين السويدي ذكر في كتابه، (سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب):
(محمد المهدي: وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين، وكان مربوع القامة، حسن الوجه والشَّعر، أقنى الانف، صبيح الجبهة).
وأشار النسابة العمري المشهور من أعلام القرن الخامس الهجري في المجدي في أنساب الطالبيين: 130، قال ما نصّه: ((ومات أبو محمد_ وولده من نرجس_ معلوم عند خاصة أصحابه وثقات أهله، وامتُحن المؤمنون بل كافة الناس بغيبته، وشره جعفر بن علي إِلى مال أخيه وحاله فدفع أنْ يكون له ولد، وأعانه بعض الفراعنة على قبض جواري أخيه).
وفي هامش الدرر البهية، قال مؤلفه :
ولد في النصف من شعبان سنة 255 ه، وأمه نرجس، وصف فقالوا عنه: ناصع اللون، واضح الجبين، أبلج الحاجب، مسنون الخد، أقنى الأنف، أشم، أروع، كأنه غصن بان، وكأن غرته كوكب دري، في خده الأيمن خال كأنه فتات مسك على بياض الفضة، وله وفرة سمحاء تطالع شحمة أذنه، ما رأت العيون أقصد منه ولا أكثر حسنا وسكينة وحياء .
وفي صحيح مسلم عن جابر (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى ابن مريم (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة لهذه الأمة.
وعن علي عليه السلام قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (المهدي منا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة). رواه أحمد وابن ماجه صححه أحمد شاكر والألباني.
وهذه الأحاديث مع تواترها لهي قطعية علميا بولادة الحجة المنتظر، وهي أوضح من أن يستدل عليها باتفاق كل المذاهب لأنها قضية تكوينية نصت عليها السماء وأيدها القرأن .يكفي اعترافهم هذا، أن المهدي من ولد علي وفاطمة وأن الدين يقوم على يديه عند ظهوره هي البصمة الصادقة لدعوة الحق وأن أهل البيت هم المصداق الثابت لخلافتهم وحقهم المنصوص من الله عز وجل.
ثقافة الأجيال
لكل جيل رسالة تشابه أختها في الفكرة، وأن العقل والتشريع قد عنون موضوعاته بإسم الإتّباع والأتْباع ولكي لا يصيب المنهج أي احباط وزلزال لابد إذن من احتواء الظرف وايجاد البديل وإن كان بصورة أخرى ..
أن يتبنى كل متصدي للمذهب فكرة تبليغ الانسجام بين الحاضر المتأزم بتخبطاته وبين الالتزام الذي يواجه المغريات ..
التراث في خطر المواجهة والنكران من ذوي الهمم المتناقضة، لابد من غربلة مقصودة لفك رموز التخلف وفهم التراث، ورفع معنى التحالف لقيم الإسلام الشيعي إلى أعلى مستوياته أن لا تلتوي السواعد عن ذكر الحقيقة، لأنها الوحيدة التي تشد العزم وتروض النفس لدفع أي إدعاء يناهض فكرة الحضور عند الغياب .
البوق المعادي اليوم، أزمة يواجهها الدين وباب علمه، صدمة يواجهها الشارع العرفاني ويعجز عنها لسان الحاضر في تبيان أفرادها وحبرهم الفاسد فكريا وعقائديا وكذلك التأريخ.. وكأنما انقلبت الصورة واغتنمها الأقوى فيهم ليصرح بما يخالجه وريادته الفارغة من المحتوى الأصيل ..فأضحى القاتل لديهم قديس، والسالب قوي عزيز ومدعي النفوذ هو المخلص ، إنه اعلام مريض .. ولم يكتفوا بل أساؤوا لكتاب الحق وأهله واتهامهم بالشرك وزج أفراده بيوت وعرة من الأخلاق.
لكل بداية نهاية
يعد الاستجمام مرحلة انتقالية لكل نقطة انعطاف في مرحلة من مراحل التاريخ، وعلى المتقصي للأحداث أن يعد لها عدة ويبحر في الاتجاه المناسب لها، وأن يجمع كل مفردات النتائج ليصبها في قالبها الحاضر وأن لا يستجدي من أكف البخس دراهم معدودة، لأن الحاضر اليوم مليء بالمفاجآت وربما تنقلب عليه بالخسران .
ففي مجمع الاكتمال هناك بداية ونهاية، تجملت بحضورها المتألق وأحرفها المتناسقة مع الواقع وقد شاء الله عز وجل أن تكون بداية ولادتها إعجاز موتور النظير وآلية كماليتها تحفة نور منبعها العرش وقماطها لباسهم فيها حرير، لا يحدها عمر إذا نطقوا ولا زمن إذا كبروا سجودهم عند ابتداء الحياة، واغاثتهم في نهاية المطاف .
هذه هي الولادة، سر الله المستودع فيهم، تتعطر الأفواه في الصلاة عليهم، وتنمو الدمعة بركة لأجلهم على حد سواء .
اضافةتعليق
التعليقات