قد أقبل شهر رمضان المبارك أعاده الله علينا باليمن والبركة، وفي هذا الشهر الكريم أكرم الشهور، الذي فيه ليلة القدر أفضل الليالي، وفيه تتنزل الملائكة والروح على قلب صاحب الزمان (عليه السلام) ختام الرسالات السماوية، وصنيعة الله، والركن الذي يأوي إليه المستضعفون في الأرض، حيث ولد في هذا الشهر الإمام الحسن المجتبى، وهو ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأول حفيد له من ابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام)، حيث كان النبي يحبه ويلاعبه في صغره، وهو سيد شباب أهل الجنة، وإمام مفترض الطاعة قام أو قعد.
فما واجبنا في ذكرى ولادته الشريفة سوى أن نحتذي خطاه، ونسير على نهجه، في الصبر على الشدائد، والإلتزام بالعهود والمواثيق، يعلّمنا الإمام الحسن (عليه السلام) أن لا نستشعر الوحدة لقلة سالكي الحق، وأن نثبت في الطريق الذي نختاره حفاظا على المبادئ والقيم.
مسيرة الإمام الحسن (عليه السلام) الامام المعروف بالكرم والعطاء، والقيادة والزهد، والحفاظ على الدولة، أسس فيها انتقال الولاية الالهية من خلاله إلى أخيه الامام الحسين ومن بعده للأئمة المعصومين، فله يعود الفضل في هذا الأساس المتين، الذي حفظ لنا تراث النبي الكريم وسننه عبر الأجيال، وفضح بني أمية والنظام الذي توارثته، وله الفضل في نشر الثقافة الرسالية في الأمة، عبر المواعظ، والبرنامج التربوي الذي أقامه وشيّده، سواء على صعيد الأخلاق والقيم والمبادىء وطلب العلم، أو على الصعيد الروحي في الأدعية، وحث الناس على التقوى، وبيان عظمة القرآن والعرفان الإلهي.
هذا الامام المظلوم، الذي دس اليه السم على يد أقرب الناس إليه، وهي زوجته ثم لم يؤذن لجنازته في الدفن عند جده المصطفى (صلى الله عليه وآله)، بل رُميت بالسهام بعد أن لفظ كبده في طشت، تنظر اليه احبته واخته المظلومة، فلا تستطيع دفع ألم السم عنه، وقد كان مظلوما من قبل شيعته، حيث انه أتهم بأنه مذل المؤمنين حين عقد الصلح مع طاغية عصره، حفاظا على بيضة الاسلام وحرمة المسلمين.
لذا استشهد امامنا عليه السلام بعد ارتحال جده وأمه وأبيه.. ولم يكتفِ التأريخ ببيان مظلوميته عليه السلام، لكنه أطلق اشاعات تطليقه وزواجه المتكرر من النساء، الأمر الذي ادعى فيه التأريخيون ان سبب مقتله هو لغيرة النساء من بعضها، لكن الامر لم يكن سوى تدبيرا لنيل الحكم من قبل جلاوزة بني أمية، الذين يتحينون الفرصة لأخذ السلطة من أهل البيت، الى عائلاتهم وذويهم، وكأن الاسلام كان ملكا يُورث.
ومسيرة الامام الحسن عليه السلام، لا تبدأ او تنتهي بعدد الكلمات او الاسطر والكتب، فهو النبع المعطاء بالكرم والجود، وقد روي أنّه جاء أعرابي يوماً سائلاً الإمام عليه السلام، فقال:
(أعطُوه ما في الخَزَانة)، فَوُجِد فيها عشرون ألف دينار، فدفعها (عليه السلام) إلى الأعرابي، فقال الأعرابي : يا مولاي ألا تركتني أبوحُ بحاجتي، وأنشر مِدحَتي
فأنشأ الحسن (عليه السلام) قائلا:
نحن أناس نوالنا خضل
يرتع فيه الرجاء والأمل
تجود قبل السؤال أنفسنا
خوفا على ماء وجه من يسل
لو علم البحر فضل نائلنا
لغاض من بعد فيضه خجل.
انه الكرم الذي نأمل معه ان ينجّينا من أهوال يوم القيامة، فهو الشفاعة المذّخرة لمن يرومها.
اضافةتعليق
التعليقات