تفوق احلامي عالم الخيال.. مُعلقة بذيال السَحاب، تخرج من بطونها ايادٍ بارزة الاصابع مرفوعة نحو السماء تُناجي بلُغةِ الانين.. وكأن العِتاب يُطوق اعناق الكلمات التي تحملها نبضات قلبي وترمي بها فوق سماء بغداد قاصدةً العزيزة (ل ن) ملاك الليل، عزيزتي كيف حالك؟ عسى ان تكوني بالف الف خير.. يا ملاك الليل إني في كل ليلة اعاتب الليل واسأله عَنكِ فيجيبني بِصمت صارخ ولا يُعطي اي معلومة لاسماعي، فألتفت لقلمي وأسأله فيُجيبني، اكتب لها عسى ان تحصل على جواب.. وها هو قلمي يكتب بعد ان تلقى الاوامر من قلبي فأنا لا أُريد الآن سوى الاطمئنان على الملاك وليله لأن مدينة بغداد حالياً تجوبها المخاطر والقلق، وأريد معرفة اخبارُكِ وما يجري معكِ ليرتاح ذهني وقلبي لأنكِ انسانة رائعة وصديقة عزيزة والذي يُحب يَسأل.. ولا تتصوري بأني سأنساكِ في يوم من الايام، وسأظل انتظر حصولي على جواب منكِ.
في الختام اتمنى لك اسعد اللحظات واجمل الاوقات..
بإنتظار مرسالك الغالي مع تحياتي..
هذا ما كتب من قبل (س ع) منذ عدة سنوات وارسل عبر (صندوق البريد) في وقتها حين كان حال الغالبية انذاك من (جيل الطيبين) اصحاب المشاعر الجياشة ..
تلك الحالة العاطفية التي تَتملك الحواس وترتبط بالقلب مباشرة فتفيض بها الروح ويحتويها البوح ..
وعندما تجتاح صاحبها يهرع لطلب الوصال أو الاعتراف والفَصح عما يختلج صدره، فإذا كان المقصود تفصله عنه مسافات بعيدة، يلجأ مسرعاً لكتابة مشاعره على ورقة أنيقة تحمل عطر المُرسل واشواقه الحارة، وتخبأ في ظرف جذاب يُختم بطوابع جميلة ويُودع في صناديق البريد مع دعوات صادقة بوصولها الى يَد المقصود ونيلها الرضا والرد المُنتظر على أحَر من الجمر (ويبقون ايعدون الايام رايحين راجعين للولاية يتفقدون الصندوك)..
اما الآن وكما يعرف الجميع اصبح التواصل وبعث الرسائل المحملة بالمشاعر، عن طريق الاجهزة الالكترونية انه لأمر بغاية السهولة، وفي البداية كان هذا جيداً ومبهجاً، بضع لحظات تكفيك لتُرسل ما تَود ويأتيك الرَد! (خلصنا من الگراوي والروحة والجية)..
ولكن هذه السُرعة اتت لتَقتُل الحاجة الشعورية وتنفي أهميتها، مما ضَيق الخناق على فسحة التأمل وانعدامها وبلورة المشاعر ومُعايشتها، لتُصبح الكلمات جافة، باردة وخالية من كل احساس وما هي إلا (كِلمة ورَد غَطاها..) وكأن شُعلة المودة والمحبة قد انطفأت، وكأننا أشبه بالانسان "الآلي"! تَجمد فينا شَغف التواصل وإدامة العلاقات بين الافراد بشتى انواعها، بل وفاقَ الامر ذلك حيث اصبحنا نجلس خلف لوحات المفاتيح ننسخ العبارات التي تُعجبنا ونلصقها للرد على من يتواصل معنا قائلين بتذمر: (هسه إلنا خلگ انألف، هاي جاهزة ومرتبة)..
وليس هذا فقط، بل تطورت لتصبح على شكل رسائل مصورة كبطاقات الدعوة والتهنئة، ومن ثم أُختُصِرَت لتُرسل بطريقة اسرع وتعبير واضح وكافٍ على شكل "ملصقات"، وهذا ما نتج عن عدم تَقيّمُنا واحساسنا بالكلمات التي باتت عارية ترتجف من شدة صقيع الاهمال وترتقب الحذف الذهني قبل كل شيء!.
والادهى من ذلك هناك من يَرّدُ عليك بسطور لا تمت للموضوع بصلة! (تنشر اليوم الجو حلو ورجعت الشتوية، يعلق ويگلك حكومة طايح حظها ووو!) بسبب كثرة الكلمات وتزاحمها امام ناظريه وقلة التركيز، لتجعل منه مشتتاً بين كم البرامج الكثيرة التي اخذت حيزاً كبيراً من الادمغة دون تميّزُها ومعرفة محتواها، فيصبح المُتلقي اشبه "بالمرصع" الذي يلعب به الاطفال!
بل وهناك من يُرسل لك تعليقاً بمقطع ( GIF) لا يُفهم مُحتواه وبعدها يعتذر لكونه أُرسِلَ بالخطأ!.
كُل هذا مُمكن للفرد تَقبله، ولكن هناك ما لا يُطاق، كذاك الذي يأتي للعبث بمشاعر الناس وتجريحها ان وجدت، ويتلاعب بالالفاظ ويستهتر بجرأة عجيبة بشأن مواضيع هامة تُفيد المجتمع وتستحق الطرح (وهو هذا الي يكتلك، همزين اكو حظر جان الواحد طك ومات قهر من هاي العالم)..
فحتى بعد معالجة المشكلة تبقى تلك الكلمات المتجاوز بها تنخر في عقل المتلقي وقلبه، يشتاط حينها غضباً و(يتمنى لو يطلع من الشاشة ويلگفه ياويله)..
هذا ونوع آخر أمَر واتعس، من الاشخاص الذين يُحَرِكَهُم شعور كارثيّ للإدلاء الساخر اشبه بعدوى متفشية يُسمونها "تحشيش" (وطبعاً هاي المفردة وحدها يرادلها مقال..) وهُم يتكاثرون بصورة غير طبيعية !.
المشاعر الجميلة هي احساس نقي ينبع من القلب يفترض ان يصل للقلب برغبة وجدية دونما اهمال او تأجيل، ويجب ان لا يقتصر الاهتمام بها من قبل العشاق فقط! فهناك مشاعر فطرية مجردة كالتي تربط الأولاد بأبويهم وهي مهمة جدا بالنسبة للطرفين ويتوجب المدوامة على اظهارها لما لها من تأثير ساحر يوطد العلاقة الأسرية لدوام المحبة والتعاطف فيما بينهم وجعلها اكثر سعة وتماسكا ..
وايضاً هناك مشاعر الامتنان لأشخاص معينين، كرئيس العمل المهتم والمنصف بحق العاملين لديه، والجار الطيب الذي يهمه امر جاره ويحرص على دوام العلاقة الطيبة فيما بينهم، ومشاعر اخرى كالتي تكتنز للأصدقاء المقربين الذين يعدون كأخوة بل وأكثر بكثير رغم انهم لم يولدوا من رحم أم واحدة..
وهناك الكثير من المشاعر التي تتولد في دواخلنا تجاه كل ما نصادفه في هذه الحياة وفي الحقيقة ان اهم المشاعر وافضلها بالدرجة الأولى هي مشاعرنا تجاه خالقنا تبارك وتعالى تلك المشاعر الطاهرة الخالصة التي تجعل من الفرد سعيداً شاكراً رَبه على كُل حال، فالانسان المؤمن لا بد أن يستشعر حب الله له ورأفته بحاله رغم تقصيره، قال تعالى (أيحسبون انما ما نمدهم به من مال وبنين (٥٥) نسارع لهم بالخيرات بل لا يشعرون) (٥٦) سورة المؤمنون، أن ينظر لما هو عليه من حال جيد وان كان ينقصه بعض الأشياء فإن غيره قد يتمنى ما لديه او بعض ما لديه..
ان الله عز وجل فضلنا وتفضل علينا بنعم كثيرة ومنها الشعور بما نعيشه ونتعايشه وبالتالي نتصرف وفق مشاعرنا لذلك علينا دائماً القضاء على المشاعر السلبية والضارة تجاه كل ما يصادفنا والنظر الى الامور من الجانب الجيد فيها وعدم التفكير كثيراً بالمساوئ بل يُفضل الابتعاد عنها واستبدالها بما هو خير لنا وللجميع..
وما يسعني إلا ان اقول في النهاية عليكم بإظهار مشاعركم الجميلة الصادقة والافصاح عنها لمن تحبون بمجهود منكم وان كان بسيطاً سيؤثر بهم حتماً، فسماع الحديث وجه لوجه هو الافضل وان لم يتوفر فإن الاتصال وقولها افضل من الرسائل وان لم يتوفر فإذاً من الافضل ان تُكتب المشاعر كما هيَّ بشكل عَفَويّ، كُن انت المتحدث دون اضافات وترتيب مستعار صدقاً ستكون الكلمات رائعة وتلفت انتباه المتلقين حين اخبارهم مميزاتهم ومكانتهم المهمة لديك لتصبح الحياة معهم افضل واجمل ..
إن موت المشاعر وتهميشها دليل على انطفاء الروح وانتحار العاطفة، فأي حياة هذه التي نحياها بأجسادنا فقط!. امسى العالم اليوم غريب الاطوار ولا نعلم ما الذي ينتظر الانسان فينا بعد كل هذا!.
اضافةتعليق
التعليقات