خواء الجيوب وأنين الروح الواهنة ونظراتها التائهة بفضاء الوحدة لأجفان محملة بأنواع الألم وأشكال كثيرة من الحسرة..
ترسم لحلمها خريطة تبني على خطوطها سنوات عمر، يوما بعد يوم وليلة تلو أخرى، على أمل أن ينجلي ليل الهموم وينبلج نهاره وتصبح في وطن صغير تفترش أرضه وتلتحف سقفه يسعها وأولادها.
تراه عالما، بل حلما وأعدت به صغارها الليلة الماضية، وكل ليلة في قصص ما قبل النوم، بيت، ألعاب كثيرة، وحديقة مليئة بالزهور..
هي لا تملك سوى أن تهديهم أحلامها البعيدة، فتسافر معهم حيث وطن صغير يضمهم بين جدرانه..
كثيراً ما أوهمت نفسها وظنت أن حلما قد تحقق إلا أنها كانت أوطان مستعارة! أراقت الكثير من ماء الوجه وراح ادراجها لعزٍ داخلي..
لا أصعب من أن تكون مهاجرا طوال حياتك! نازحا جل سنوات عمرك! تسعى للاستقرار دون تغيير يذكر.
ترى العالم من حولك في حركة دائمة وأنت لا تزال تقبع تحت ثقل الفقر وقلة الحيلة،
فتمني النفس تفاؤلا بغد جديد قد يأتي عوض لما قاست من محن ومأساة سحقت روحها بأقدام القسوة ومزيد من الظلم..
ومع ساعات الصباح الأولى يتلاشى الحلم بحقيقة لها مذاق المرارة، ويتلاشى شعور التفاؤل الجميل، مطرودا بحقيقة العيش في دهاليز مظلمة من العدم واستحالة التغيير.
بعيون الأمل ترى في طريق الصبر الطويل ثمة باب مشرعة على مصراعيها لكنها ومنذ سنوات تواصل الطريق صوبها بسرعة قصوى بالطريقة ذاتها فلا تصل بسنوات ضوئية عديدة لأنها ليست إلا سراب.
فلا حقيقة لنهاية سعيدة في المسلسلات الطويلة ذات الحلقات المتتالية على نسق واحد من البؤس، ثم يتغير بليلة أو ضحاها حال البطل من الفقر والحرمان إلى السعادة.
ولما لم تكن بوادر أو علامات على تغير وإن كان طفيفا لحالٍ شل حالها، تتخلى عن أحلامها بحالة من اليأس، ويتسلل الألم لأعماق الروح وينهش القلق أحاسيسها، قد مات علي ولا أحد يفكر بقتل الفقر من بعده!.
هي لا تزال صامدة وسط أعاصير العازة في زمن الغلاء إلا أن تعابير وجهها تشي بشيخوخة مبكرة تقف على أعتاب ملامح روحها القابعة خلف الجسد النحيل ويداها المتشققة من مشقة الحياة..
هي ليست في عداد الشباب أمام مرآتها، إلا أن عدت الأرقام القليلة تضمها إلى لائحت الثلاثينيات من العمر.
سلسلة أيامها متعاقبة لا جديد قد يخترق ايامها ويصم صوت الخواء لجيوب خلت من أقل قطعة نقدية قد تقنع أولادها أو يقتنعوا دونها، حرارة الدمع لخلجات الروح باتت تؤرقها، وحظها العاثر يعدها بمزيد من البؤس..
فتخشى أن لا تحصل على قطعة أرض وإن كانت في منأى عن المدينة تواري فيها بقايا جسدا أنهكته أيام الفقر وأكلت منه الهموم ما تشتهي..
فالبائسين لا تمنحهم الحياة حتى قبور، فتتصور روحها المعذبة حرة طليقة بعد أن تحررت اخيرا من قيود الحياة البائسة، ومن البعيد حيث أولادها وريثي التعاسة والبؤس يشقون في حياة لا تعرف الرحمة ولا تؤمن بالطهارة والتعفف وتميتهم قهرا.
فتنظر هي بنفس التعاسة لقطع روحها في تقلبات الحياة.. لكن حسبها ربا له رفعت أكف الدعاء متوسلة، ومع كل تضرع جديد يغتها في البلاء غتا، ليطهرها فيرفعها مخفة من الذنوب..
ولها بذاك الغريب المشرد أسوة فتناجيه وهو بحالها أعلم ،يا صاحب الزمان يامن الأرض لك هبة، سيدي لا وطن يأوي روحي التائهة في ظلام وحدتي..
كن قريبا مولاي.. اربط على قلبي..
اضافةتعليق
التعليقات