نحيا الآن في زمن الكورونا والحجر المنزلي والإدمان على استخدام الإنترنت والأجهزة الذكية التي حولتنا بإرادتنا واختيارنا نحن عبيداً لها حيث أننا نصاب بالتوتر والإحباط بمجرد سماع عبارة انقطع الإنترنت ولا يمكن لأحد إنكار هذا فنحن نضيع عمرنا وسنوات شبابنا بالإتكاء على الكراسي والأسرّة المريحة والتنقل بحركة إصبع من تطبيق إلى آخر ومن برنامج لآخر ومن فيديو لآخر ولا ننسى لعبة البوبجي التي تسيّدت الساحة العراقية والعربية على حدٍ سواء وساقتهم نحو إخفاقات ومشكلات لا متناهية..
مع العلم أن هذا لا يشمل الكل، لكني أعني الشريحة الأكبر ومن المجتمع والأهم والأخطر أيضاً هم الشباب والأطفال..
مستمتعين بانقضاء أعمارنا على هذا المنوال الفاشل، عديم الفائدة، التي جعلت حياة العائلة في وضع التباعد والتفكك الأسري.. كلٌ منهم يحمل جهازه ويتنقل به في أرجاء المنزل وإن تركه أو أضاعه كأنه تعرى من نفسه وفقد أحد أطرافه فيصيبه شعور بالعجز دون هذه سبيكة الحديد البالية الرخيصة التي خطفتنا من أنفسنا وحيواتنا فأصبحنا أصناماً.. غير مكترثين لأعمارنا ولا حتى لصحتنا ولا لأضرارها البالغة على الأطفال والمراهقين. خاصةً المدمنين منهم على ألعاب البوبجي والتصفح المستمر لمواقع التواصل الاجتماعي.
ولابد من ذكر أضرار الأجهزه هذه على أطفالنا:
تأخر النطق، بطء التطور الاجتماعي والعاطفي، اضطرابات النوم، السمنة، ضعف الذاكرة وضعف القدرة على التركيز، زيادة العدوانية والعنف، يجعله عرضة للتنمر الالكتروني.
وخاصةً مرض التوحد الإفتراضي عند الأطفال حيث أشارت الدراسات إلى أن معدل الإصابة في عام 1975 كانت طفلا واحدا من كل 5000 طفل في حين ارتفعت المعدلات في عام 2005 إلى حد تشخيص حالة واحدة من كل 500 طفل إلى أن وصلت المعدلات مؤخرا وتحديدا في عام 2014 إلى حد تشخيص حالة واحدة من كل 68 طفلا، وفقا لما نشر في مراكز CDC.
وتبعات ذلك أخطر مما قد نتخيله على صحة الأطفال النفسية والعقلية والجسدية في المستقبل لذا لابد أن نستخدم الحلول المتاحة بجدية وصرامة أكثر لتقليل آثار هذه المشكلة الخطيرة.
أما أضرار الأجهزة الذكية عند الكبار: 1. آلام وانزلاق الرقبة 2. ألم وتشنج في رسغ وأصابع اليد 3. ارتفاع معدل الإشعاع 4. والأسوء من هذا هو إهمال الأهالي لأولادهم..
ومن الجدير بالذكر حق مهم، أساسي وتربوي من رسالة الحقوق للإمام السجاد - عليه السلام – فقد تضمنت رسالة الحقوق على مبادئ أخلاقية يمكن للإنسان أن ينتهجها لحياة قويمة في أي زمان مهما طرأت عليه من تغيرات فكرية، علمية وتكنولوجية..
(حق الولد على الوالد) وهو من الحقوق التي نحتاج أن نضع عليها إصبع التشخيص بل كف الاهتمام، كوننا نتعرض لحرب فكرية تحاول تفكيك المبادئ والمعتقدات لتسهيل أدلجة الطفل والمراهق المسلم لفكر معين يبعده عن التفكير الحر والمنطقي في مراحل حياته المستقبلية.. فما تصدره اليوم كبرى الشركات المنتجة لتطبيقات التواصل الاجتماعي، وما تبثه عبر اليوتيوب من مقاطع مرئية ماهي إلا وسائل لتوهين الشخصية وتبديد الوقت لاسيما بغياب الرقابة على هذه التطبيقات، والأسوأ من ذلك غياب رقابة من الأهل حول ما يشاهده الطفل والمراهق بل ما يتعرض له من خلال مشاهداته هذه..
لذا يجب أن يعي الأبوان حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهما، وأنهما الحجر الأساس في بناء سلوكيات أبنائهم كما أنهما أداة ترميمية تصحح أي تصرف خاطئ للطفل والمراهق مكتسب من البيئة الخارجية والبيئة التكنلوجية..
ومهم جداً أن يدركا أن التغييرات التي طرأت على سلوكيات الجيل المعاصر ما هي إلا رد فعل طبيعي لمتغيرات نمط الحياة، والانفتاح على ثقافات مختلفة لا تصلنا منه الصورة الإيجابية بقدر ترويجها للجانب السلبي..
ونجد من أهم وصايا لقمان لابنه أنه قال: (يابنيّ اجعل في أيّامك ولياليك نصيباً لك في طلب العلم، فإنك لن تجد تضييعاً مثل تركه). بحق ما أكملها من وصية والد لولده..
وعن النبي (ص): ((فضل الشاب العابد الذي تعبد في صباه على الشيخ الذي تعبد بعدما كبّرت سنّه، كفضل المرسلين على سائر الناس)).. وخير العبادة عن الله هو طلب العلم.. ولابد للإشارة أن طلب العلم من التخلف والخطر أن يقتصر على المقررات الدراسية والمناهج التعليمية المتاحة في المؤسسات الأكاديمية فقط.. فهذه المقررات (لربما) ستجلب لك (وظيفة) لكنها بالتأكيد لن تكوّن لك (عقلاً) لذا لابد من القراءة والاطلاع يومياً على الأقل لمدة ساعة واحدة.. فهذه الساعة ماذا برأيك ستفعل؟؟
لو منح الانسان ساعة واحدة من يومه للقراءة فإنه سيُنهي كتاباً في الأسبوع ، 4-5 كتب شهرياً، أكثر من 50 كتاب سنوياً..
وماذا سيكتسب من هذه القراءات؟
عقلٌ راجح، تفكير مرن، لغة رشيقة، مفردات غنية بمعانيها، ثراء لغوي، أفكار جديدة، قرارت حكيمة، يمكنه التعامل بسهولة أكثر مع المعوقات التي تعترضه في حياته، يتعمق في نفسه أكثر ومن أقوال جلال الدين الرومي (مازال أمياً مَنْ لم يقرأ نفسه).
وبالرغم من توفر الكتب بشتى الأشكال ومجانية كذلك مازلنا سجناء سبيكة المعدن هذه. وكما قال فريدريك دوغلاس: بمجرد أن تتعلم القراءة ستكون حراً للأبد.. فالقراءة هي أن تتبع حواسك ،تستخدم عقلك، وأن تتوصل إلى استنتاجاتك الخاصة.
فاستغل - أيها الشاب - عمرك سنوات قوتك، وطاقتك، عقلك وإقرأ وكن حراً فالسجين الحقيقي هو سجين الفراغ.. الفراغ الذي يجعلك تائها تتخبط في غياهب ظلمته..
اسعَ لأحلامك وحققها إعمل واشقى لأجلها ومُت فارغاً.
ومن الفائدة أن نذكر قصة الكتاب المعنون بـ (مُت فارغاً) ( DIE EMPTY ) الذي استلهمه تود هنري حين سمع في اجتماع عمل سؤالاً وإجابته.
عندما سأل المدير الحضور قائلا: ما هي أغنى أرض في العالم؟
فأجابه أحدهم قائلاً: بلاد الخليج الغنية بالنفط.
وأضاف آخر: مناجم الألماس في إفريقيا.
فعقب المدير قائلاً: بل هي المقبرة!
نعم، إنها المقبرة هي أغنى أرض في العالم؛ لأن ملايين البشر رحلوا إليها، ماتوا وهم يحملون الكثير من الأفكار القيّمة التي لم تخرج للنور ولم يستفد منها أحد سوى المقبرة التي دُفنوا فيها.
ألهمت هذه الإجابة تود هنري لكتابة كتابه الرائع *”مُت فارغاً”* والذي بذل فيه قصارى جهده لتحفيز البشر بأن يفرّغوا ما لديهم من أفكار وطاقات كامنة في مجتمعاتهم وتحويلها إلى شيء ملموس قبل فوات الأوان، وأجمل ما قاله تود هنري في كتابه *”لا تذهب إلى قبرك وأنت تحمل في داخلك أفضل ما لديك، اختر دائماً أن تموت فارغاً”.*
ترى كم منا سعى بل يسعى لأن يموت فارغاً؟! كم منا يخطط ويعمل بجد وذكاء؟! كم منا يسعى لأن ينتهز الفرص؟!
فرصة الشباب قبل الهرم.. الصحة قبل السقم.. الفراغ قبل الانشغال.. الحياة قبل الموت..
أخيراً أيها القارئ الكريم.. تفكّر في حياتك وتمعن بسني عمرك جيداً.. فالموت أقرب إلينا من أنفسنا ولو دُفنت غداً هل يا ترى ستكون فارغاً؟!
خذ وقتك في الإجابة علّها تكون خطوة نحو التغيير..
اضافةتعليق
التعليقات