تُعَدّ السخرية من السلوكيات السلبية المنتشرة في المجتمعات، والتي قد تخلّف آثارًا نفسية واجتماعية عميقة لدى الأفراد، خصوصًا في مرحلة الطفولة والمراهقة. وقد جاءت النصوص الشرعية في الإسلام لتنهى عن هذا الفعل، وتحذّر من عواقبه، لما فيه من إهانة للكرامة الإنسانية وتعدٍّ على مشاعر الآخرين. وقد ورد النهي الصريح عن السخرية في قوله تعالى:
**﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ (الحجرات: 11).
تهدف هذه الورقة إلى تسليط الضوء على السخرية من منظور ديني، ونفسي، واجتماعي، وبيان سُبُل الوقاية منها، وتعزيز الثقة بالنفس في مواجهتها.
أولًا: السخرية في ضوء القرآن الكريم
السخرية محرّمة في الشريعة الإسلامية، لما تحمله من استعلاء وتجريح للآخرين، وتُعَدّ من مظاهر الفسوق، كما ورد في الآية الكريمة. وقد فسّر العلماء السخرية بأنها: "الاحتقار والازدراء بما يظهر من الناس من صفاتٍ خَلقيّة أو خُلقيّة" (القرطبي، الجامع لأحكام القرآن).
وتُعدّ السخرية شكلًا من أشكال التنمّر الاجتماعي، وتتعارض مع القيم الإسلامية التي تدعو إلى الاحترام، والستر، ومراعاة مشاعر الآخرين.
ثانيًا: الأثر النفسي والاجتماعي للسخرية
تشير الدراسات النفسية إلى أن التعرّض للسخرية بشكل متكرّر قد يؤدي إلى:
انخفاض تقدير الذات (Rosenberg, 1965).
القلق الاجتماعي والانطواء (La Greca & Lopez, 1998).
ظهور أعراض الاكتئاب والإحباط (Rigby, 2003).
وقد يضطرّ بعض الأفراد إلى تجنّب الحياة الاجتماعية أو اللجوء إلى العزلة لحماية أنفسهم من النقد اللاذع أو السخرية، مما ينعكس سلبًا على حياتهم الشخصية والمهنية.
ثالثًا: سُبُل الوقاية من السخرية وآثارها
الوعي بأن الكمال لله وحده: من المهم ترسيخ قناعة أن لا أحد يخلو من العيوب، ومن يسخر من غيره غالبًا ما يُخفي نقصًا داخليًا لديه (Adler, 1937).
عدم الاستجابة العاطفية القوية: عدم إظهار الغضب أو الحزن الشديد يُضعف دافع الساخر للاستمرار، كما يشير علم النفس السلوكي إلى أن تجاهل المحفّزات السلبية يقلّل من تكرارها (Skinner, 1953).
استخدام السخرية كحافز للتطور: يمكن تحويل الألم النفسي إلى دافع للإنجاز، كما يرى فيكتور فرانكل في نظريته عن "المعنى" (Man’s Search for Meaning, 1946).
التعرّف على نقاط القوة الشخصية: معرفة الفرد لمواطن قوّته تعزّز ثقته، وتجعله أكثر صلابة أمام النقد (Seligman, 2002).
الاستعانة بالدعم الاجتماعي: التحدث مع شخص موثوق أو متخصص نفسي يساعد في التخفيف من الأثر النفسي، ويقدّم حلولًا عملية للتعامل مع الموقف.
وأخيرًا، فإن السخرية من الآخرين ليست مجرد سلوك غير أخلاقي، بل هي محرّمة شرعًا، وتؤدي إلى أضرار نفسية واجتماعية جسيمة. ومن واجب الفرد والمجتمع أن يعملا على نبذ هذا السلوك، ونشر ثقافة الاحترام وتقدير الآخرين كما هم. ومن خلال تعزيز الثقة بالنفس، والاستعانة بالدعم المناسب، يمكن مواجهة السخرية وتجاوز آثارها بفعالية.
اضافةتعليق
التعليقات