إن الدين الإسلامي هو "أجدر سياسة وأقومها بتحقيق العدل الاجتماعي والقضاء على الغبن الاجتماعي، ورفع مستوى حياتهم الفكرية، والاقتصادية التي تتطلبها شؤون الدولة والمطابقة لأحكام الشريعة، وتحقق مصالح الناس وحاجاتهم".
النظام يمكن أن نستشف تعريفه لغوياً من نظم اللؤلؤ و(نظام كل أمر ملاكه)، فإن شؤون الحياة ومتطلباتها والوصول إلى حقيقة السعادة والاستقرار يكمن في عملية التنظيم، ومنها النظام السياسي الذي يوليه الإسلام أهمية كبرى باعتباره رأس الهرم في ترتيب الأنظمة، وهو المنظم لأدوار الحياة الإنسانية وإعمار الأرض.
والحكم في النظام السياسي الاسلامي يقوم على منظومة متكاملة من المبادىء والأصول التي جاءت بها الرسالة كما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والتي تضمنت علاقة الراعي بالرّعية للتوصل إلى إدارة شؤون الأمة على الوجه الأكمل.
إن ما يمتاز به الإسلام كنظام سياسي حينما يشكل الدّولة مراعاة جانب الروح بدرجة أكبر من الجانب المادي وهذا فارق جوهري بينه وبين بقية الأنظمة السابقة له واللاحقة.
والواقع أن الإسلام يرى النظام السياسي هو وسيلة لتحقيق غاية العمل بالتشريع الإسلامي والحكم به وإن كل القواعد والإجراءات المنظمة لمصالح المجتمع يجب أن تصب فيه.
وقد وضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم اللمسات الأولى للنظام الإسلامي السياسي والإداري من أجل إقامة الدولة الكبرى التي أراد لها الامتداد بعد وفاته وفق منهج متكامل في هيكله من خلال ترسيخ صفة العدل والمساواة، ليؤكد بأن النظام السياسي هو نتاج من النظام الاجتماعي وانهما من نسيج واحد لأنه بالدرجة الأولى – أي النظام السياسي – يخدم النظام الاجتماعي ويقوي ركائزه.
ويذهب الدكتور طه حسين أن القرآن جاء بالتشريع السياسي مجملاً ومفصلاً من خلال أوامر اجتماعية وأخلاقية لبناء الروح.
ومن خصائص النظام السياسي الإسلامي وجود مصادر التشريع الشاملة والكاملة كالقرآن الكريم وهو المصدر في مواده كدستور منظم للحياة، والتنظيم السياسي والإداري يأتي ضمن سلم أولويات هذه التنظيمات وتحديد صفة للحاكم الإسلامي وهو الاستخلاف في قوله تعالى:
"يَٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلْنَٰكَ خَلِيفَةً فِى ٱلْأَرْضِ فَٱحْكُم بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ وَلَاتَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ". وعليه تجب طاعته فقال: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾.
أما السنة النبوية فقد برزت في الجانب العملي إضافة إلى التعليم والأحاديث النبوية حيث أُسس النظام الإسلامي انطلاقاً من المسجد الذي ساهم في شؤون الحياة كالقضاء والتعليم وتبادل الرسائل الرسمية إلى ملوك ورؤساء الدول المحيطة في داخل الجزيرة وخارجها.
النظام السياسي قبل عهد الإمام علي عليه السلام
لقد رافق دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدءاً من إعلانها حتى انتقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى تياران شكَّلا محور الاختلاف بعد وفاته وهما:
1-التيار الذي يرى أن الإيمان لا يمكنه أن يتحقق في القلب والعقل إلا بالتعبد بالنص السماوي والتسليم المطلق.
2-التيار الذي يرى أن الإيمان لا يستدعي التعبد الحرفي والمعنوي بالنص بل يجوز الاجتهاد في نطاق خاص.
وقد انعكس هذان التياران على الكثير من الأحداث في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعد وفاته، الأمر الذي برزت فيه الآراء الخاصة قبال النصوص التشريعية لا سيما في اليوم الذي أراد النبي أن يكتب لأمته وثيقة
الاستخلاف من بعده ومعارضتهم، فقد أورد الطبري في (تاريخه): (عن ابن عباس قال: يوم الخميس وما يوم الخميس، قال: ثم نظرت إلى دموعه تسيل على خديه كأنها نظام اللؤلؤ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: "ائتوني باللوح والدواة أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده". قال: فقالوا: إن رسول الله يهجر"، وبناءً على هذا فقد استهدف أحد هذين التيارين الإمام علي عليه السلام كخليفة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وطرح فكرة الشورى بديلاً عنه، في حين طرح التيار المقابل إمامته كخليفة منصوص عليه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مستنداً إلى النصوص النبوية وقدرة الإمام علي عليه السلام العملية والعلمية على تصدّيه لقيادة الأمة، ثم شيئاً فشيئاً نشأ هذان التياران في خطين متوازيين لعبا دوراً رئيساً في رسم السياسة العامة للقيادة التي تلت قيادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ساهمت أحداث ما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بلورة الأنظمة السياسية التي تلت عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حيث سعى أصحاب التيار الذي يجتهد مقابل النص إلى تشكيل نظام سياسي لإدارة شؤون الأمة، تمثل في اجتماع السقيفة الذي ضم الأنصار وثلاثة من المهاجرين، ودار حديث الخلافة وأيٌّ منهم أحق بالبيعة،... وأمَّروا عليهم أبا بكر وأحاطوا به في المسجد يبايعونه بعد فوز المهاجرين على الأنصار في سجال السقيفة.
كان لعلي بن أبي طالب عليه السلام موقف يثمنه التاريخ نمَّ عن رؤيته السياسية وبصيرته الثاقبة، فقد تخلف قوم عن مبايعة أبي بكر ومالوا مع علي، منهم العباس بن عبد المطلب حيث جرت محاولات استمالته فأبى وهو يقول: "فإن كنت برسول الله طلبت فحقنا أخذت، وإن كنت بالمؤمنين أخذت فنحن منهم فما تقدمنا في أمرك فرطاً ولا حللنا وسطاً ولا برحنا سخطاً، وإن كان هذا الأمر وجب لك بالمؤمنين فما وجب إذ كنا كارهين". والفضل بن العباس والزبير بن العوام وخالد بن سعيد والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأُبي بن كعب وآخرون من الصحابة.
أما الإمام علي عليه السلام فإنه قد لزم بيته ولم يبايع وذلك حتى يجمع القرآن وقد جمعه على التنزيل حسبما ورد نازلاً من السماء، فأتاه عمر وقال له تخلفت عن بيعة أبي بكر، فقال: "أقسمت حين قبض رسول الله أن لا أرتدي برداء إلا إلى الصلاة المكتوبة حتى أجمع القرآن فإني خشيت أن ينفلت".
وقد ورد أنهم انتهوا إلى علي عليه السلام فقيل له: بايع، فقال: "أنا أحق بهذا الأمر منكم لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله فأعطوكم المقادة وسلموا إليكم بالإمارة".
ورغم عدم إشراك علي بن أبي طالب في حكومة أبي بكر إلا أنّ علياً لم يكن بعيداً عن الوضع العام للدولة حين تحتاج إلى التوجيه فإذا استشير أشار، كما هو الحال في مشاورة أبي بكر له حين أراد غزو الروم... وكذلك حينما أراد أن يغزو عمر بن الخطاب الروم أيضاً نصحه علي أن لا يقود الجيش بنفسه، ونفذ عمر وصيته...
استمر الإمام علي عليه السلام يقدم المشورة تلو المشورة والنصح تلو النصح في كافة مجالات الحياة السياسية والاجتماعية وحتى العسكرية وعلى مختلف الأصعدة وإن لم يشارك في منصب سياسي، إلا أنه ترك بصمات سياسية بدت واضحة كفتح بلاد الشام حين أشار بنزول جيوش المسلمين إلى بيت المقدس وأخبرهم عما أخبره رسول الله (ص) ....، ولعل هذه الأنباء استأثر بها الإمام عليه السلام من علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكم كانت هذه الأنباء لها آثار على مستقبل الفتوحات الاسلامية وانتشار الرقعة الإسلامية.
اضافةتعليق
التعليقات
دبي- الإمارات العربية المتحدة2018-05-17