أقامت جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية جلسة نقدية حول المجموعة القصصية (نساء حول الشمس) بحضور الكاتبة والأستاذة تسنيم الحبيب من دولة الكويت، وبدأت الجلسة حول أهمية الكتابة وتسليط الضوء على قصص نساء أهل البيت (عليهم السلام) وتعتبر هذه الخطوة إنجازا عظيما يحمد عليه.
هجرة فتاة للكاتبة زينب الأسدي وقراءات النص
"ألقت الظلمة على مكة غلالة سوداء وأخذت النجوم ترقص بذؤاباتها غامزة الكعبة المتربعة وسط البيوت، كوتد راسخ يرفض الظلام أبدا" الكاتبة هنا بينت عنصر من العناصر المهمة ألا وهي (مكة) إذن أوجدت الزمان، كيف بدأت الجملة بدأت بجملة فعلية، المكان مكة والزمان تجد تكهنا بالزمان.
"استلقت هند تتقاذفها الأفكار الصّاخبة في رأسها، تقطع نسيج خواطرها أصوات الليل تارة وأنفاس سلمة وأبيه الراقد تارة أخرى. كان وجهه البريء طافحاً بالاطمئنان، كافياً ليحيل دياجيها صباحاً مشرقاً، وينقُلها لعوالم يسودها السّلام. كان أبو سلمة قد قرّر الهجرة إلى الحبشة بعدما أمر الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أتباعه باللجوء لحاكمها العادل".
الشخصية الأولى في القصة هي هند، الشخصية الثانية سلمة وأبيها، وفي مقاطع القصة تجد تفاصيل الزمان واضحة في السرد.
"استيقظت صباحاً توضّب أمتعتها، حملت الجرّة وأفرغت ما بقي فيها من الماء بالقِربة. علت الشمس بيوت الحي وألقت على السّاحة شبكتها ذات الخيوط الذّهبية".
هناك صور حركية من خلال تجهيز قربة الماء لذلك نجد الكاتبة ذكية في تجهيز الرحلة الطويلة مثل احتياجهم للماء، حوار في منتصف السرد فقد كان متناسقا ومتوازنا من ناحية الحوار والسرد، وتباين المشاهد بصور حركية وهذا أجمل ما في النص القصصي، بذكاء سردي تبين وتوضح تفاصيل عائلتها من هو زوجها.
"أركبها الناقة وفي حضنها ولدها سلمة، ثم خرج يقودها وإذا برجال بني المغيرة اعترضوا طريقه قائلين: هذه نفسك غلبتنا عليها، أما صاحبتنا هذه علام نتركك تأخذها وتسير بها في البلاد؟!. كانت هند متعلقة به شديد التّعلق، لا تفارقه أبداً؛ حتى حاولت في إحدى المرات أن تعقد معه عقداً لا يتزوّج بعد وفاتها ولا تتزوّج، ويلتحقا ببعضهما في الجّنة، ارتسمت حينها ملامح ابتسامة عريضة على شفتيه فأجابها مصحّحاً ".
حدث يبني من حدث صراع داخل القصة كيف تخرج الكاتبة من هذه الصراعات يزداد التشويق في معرفة تفاصيل محور القصة كيف تتعامل الكاتبة مع الحدث والصراع؟
"هنالك شعرت كأنّ شعبة من شعاب قلبها قد هوت بين أضلاعها" تعابير جميلة جدا في وصف شعور الأم.
"لم يهدأ لأم سلمة بال بعد هذا الحادث، كانت تخرج كل غداة تسرح في أغوار وحدتها القاسية؛ تجلس في الأبطح باكية حتى المساء؛ يلتوي قلبها بهواها المكتوم". تفصيل لحال الأم الفاقدة .
تفاقم المشكلة هنا وصف دقيق في أدق التفاصيل، وانتقال بين الصراع بفقرة قصيرة جدا هنا نجد أن الكاتبة كان من الممكن عدم استخدام الوصف الشعوري وابداله في تفاصيل صورية.
"بعد مرور سنة أقبل عليها أولاد عمها كنسج ثوب لولدها تطرح بعض الأسئلة حول تفاصيل ولدها وتخيله كطول شعره وملامحه كيف تبدو بعد مرور عام على فراقه.
كلّ شيء في هذه البقعة من العالم يبدو كأنه، خُلق بطريقة استثنائيّة؛ كهمس الألوان وطعم النسيم، وميس السنابل في كوكب آخر".
كاتبة متميزة، تعبير رائع ومستجد، أديبة رائعة تكتب بهذا الخيال والجمال ومختلفة تماما عن الكتابات السائدة، لها لون ولغة خاصة لها. نص يحتوي على صور حركية من خلال اللعب وتفاصيل المكان.
كان من الأفضل وصف لقاء الأم مع ولدها بحكم القارئ يشعر بحالة الفرح والحزن للكاتب كما عاشها في الفقرة الغياب يعيشها أيضا في لقاء.
"قاطعه عمر تاركاً كرته تتدحرج وسط فناء الدار؛ أجل أمي! ستظهر الوحوش لتنهش بعضها البعض، تخرج من القبور وتهمش كل من في الأرض، شعورها طويلة، ومخالبها حادّة، قادرة على الافتراس بثوان معدودة"..
هنا القارئ يتساءل عما تكتب الكاتبة عن ماذا تقصد؟ وهذا يسمى الأسلوب المغزى وكانت الكاتبة ذكية جدا في مزج الواقع والخيال بحكم النص واقعي والتفاصيل من الخيال من دون نشاز أو خلل في السرد، كان رائعا، نجد أن النص كان فيه نوع من الكتابة المشهدية تجعلني أشعر أنني أعيش هذه التفاصيل بوصفها لا بصورة العرض، حتى مراحل المرض رسمتها بصورة عميقة جدا وأتوقف كثيرا في تشابيه غير مطروقة من قبل، لها تجربة محترفة في كتابة النص القصصي.
إلى الآن لم يظهر الحدث الأخير للكاتبة فمازالت تسحرنا في سردها المميز، كوصفها الشمس بعروس، "ظهر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كبدر فرض سلطانه في محفل الدجى، بهيّ المحيا، صبوح الوجه، عربيّ الملامح، يمتدّ حاجباه في تقوّس حتّى آخر عينيه، بينما يتّصلان اتّصالاً خفيفاً عند الجبين، كحيل العينين، فيهما حورٌ أخّاذ يفنّد كلّ الاستنتاجات العقلية.
سرت نشوة الفرح في كلّ شيء حتّى تشابكت خيوط البساط كأنّها تنسجُ حكاية حبّ أبدي، وراحت آذان الجدران تصغي جيّداً لتتناقل الخبر عبر البيوت المتلاصقة في المدينة"..
النص القصصي يختلف عن نص السيناريو لكن الكاتب الذكي يعطي النص والصورة معا، انهالت الكلمات تشق ركام القلق لتتجاوز كلّ الأودية السحيقة صعوداً نحو القمم، تلقفت أم سلمة هذا الكنز لتودعه في حصون الذاكرة، كدرّة استماتت في حفظها الصدفة، تحفظه من زوابع الأيام حتى نصبته في تاج الروايات مخَلّداً ما بقي الزمان.
العنوان كان هجرة فتاة وتطرقت إلى أكثر من هجرة، والنهاية كانت في الختام:
"في هذه اللحظات أخذت الذكريات تشمخ أمامها بكل تفاصيلها المتزاحمة"
القفلة طغت أدبيتها وشاعريتها على مضمون النص، قفلة جميلة جدا لو كنت افضل ان يكون تضمين لفكرة الهجرة فقط من باب الذوق لكن القفلة لاغبار عليها والكاتبة تفردت بهذا السرد.
وفي ختام القصة اشارة واضحة الى الامام الحجة وهذه لم تأت عبثا وانما جعلته أساس النص وهذا يدل على قوة الكاتبة وادراكها فكانت واعية وعارفة كيف تربط الحدث منذ بداية القصة مما جعلها متفردة.
اضافةتعليق
التعليقات