ماهي مسؤولية الإنسان في هذه الحياة؟، ماذا يستطيع ان يقدم للبشرية من عطاء، وهل من الممكن ان يتحيز العطاء بحدود معينة؟. جميع هذه الاسئلة مقيدة بالإسلوب النظري فقط!، ولتجاوز حدود التصور والانتقال الى مرحلة التصديق نحتاج الى تطبيق عملي من وحي الواقع!.
مثلاً لو سألنا عن عمل الطبيب وما يستطيع ان يقدم من خدمة للبشرية في حياته، سيكون الجواب الأول هو تقديم العلاج للناس بطريقة عملية من خلال العمليات وتشخيص الأمراض. ولكن هنالك جانب مهم آخر تغاضينا عنه، وهو العمل بإنسانية ضمن الاطار النفسي والاخلاقي، فمثلاً لو عمل الطبيب بإنسانية وتعامل مع اختصاصه بمسؤولية اكبر، لتغيرت الموازين كثيراً.
فلو قدم الجرعة الى المريض بإبتسامة لطيفة او تعامل مع المراجعين بأخلاق واسلوب راق، لساهم ذلك في رفع معنويات المريض، واثر ذلك بطريقة ايجابية على صحته.
لأن الاخلاص في العمل يعتبر من اساسيات الدين القويم والذي ركز عليه الرسول الكريم (ص) وبيَّن اهميته العميقة في الدين حينما قال: "رحم الله امرءاً عمل عملاً صالحاً فأتقنه".
شاهدنا في الفترة الاخيرة تراخي كبير في هذا الجانب، ومن المؤسف جداً ان نقول بأن المال بات السبب الاول لممارسة العمل، متناسين الجوانب الاخلاقية التي من الممكن ان ترفع من شأن الانسان وتمضي به نحو الإرتقاء. فبات الطبيب يصف للمريض علاجات كثيرة ليست ضرورية للمريض فقط بل من اجل الانتفاع من نسبة الارباح التي يقتضيها من الصيدلاني، وكذلك الصيدلاني بات لا يعمل بإنصاف وانسانية عندما يبيع للمريض ادوية غير اصلية من الممكن ان تسبب له مضاعفات جانبية وتؤثر سلباً على صحته.
هنا نستطيع ان نقول بأن الانسانية باتت في دائرة الخطر، وتتعمق الادوار في هذا الباب عندما تجد طلاب في المرحلة الابتدائية يكرهون المادة العلمية التي يتلقونها من المعلم!، وذلك يعود لأسباب اخلاقية وطريقة تعامل المعلم مع الطلاب بصورة روتينية في ايصال المادة، او استخدام العنف في حال لم يفهم الطالب المادة او لم يركز فيها.
فهل باتت وظيفة التعليم مقتصرة على اعطاء المادة بطريقة سردية مملة الى الطالب!، متناسين دور المعلم التربوي في تربية الاجيال، وما يستطيع ان يتركه من تأثير على شخصيتهم ليكون القدوة والمؤثر الاقوى في حياة الانسان لأن الطالب بطبيعة الحال يقضي نصف يومه في المدرسة!.
كما ان في اليابان يأتي موقع المعلم بعد الإمبراطور مباشرة، وهذا سر تفوق اليابان العلمي، فهم يعرفون أن العلم الذي يكفل لبلدهم التقدم والتميز لا يأتي إلا عبر المعلم، وأن هذا المعلم لا يرجى منه نفع إن لم يكرم، فكرموه بوضعه في الدرجة الثانية بعد الإمبراطور، بحيث يسبق بذلك وزراء ونواباً وعسكريين وسياسيين ودبلوماسيين وغيرهم.
وهذا الاحترام والتبجيل لم يأتِ عبثاً، بل يعود الى ما يقدمه المعلم من قيمة اخلاقية وتربوية الى طلابه، فترى بعض الطلاب يتعلقون بالمعلم لدرجة كبيرة حتى يصبح هو القدوة وعراب حياتهم. اذ يركز على تقديم دروس الحياة بطريقة تربوية رائعة.. تتمثل بغرس المفاهيم السامية والعادات الإيجابية في نفوسهم.
ويعتبر المعلم هو صانع الأجيال، ومربي الأمة، فعندما سُئل إمبراطور اليابان ذات يوم، عن أسباب تقدم دولته في هذا الوقت القصير، اجاب: «بدأنا من حيث انتهى الآخرون، وتعلمنا من أخطائهم، ومنحنا المعلم حصانة الدبلوماسي وراتب الوزير».
كل شخص خلق من اجل تقديم رسالة سامية الى البشرية جمعاء، كل انسان يستطيع ان يخدم المجتمع من خلال موقعه، لو ان كل شخص عمل بمهنية ومسؤولية عالية لعاشت الإنسانية بسلام.
وفي استبيان قامت به بشرى حياة مع عشر عينات من الناس تتراوح اعمارهم بين (15_30) وكانت احدى الاسئلة (هل تحب ان تعامل الآخرين بإنسانية عالية وتساعدهم في التعلم والتطور؟)، جاءت الاجابات بالنحو التالي:
8 اجابات نعم
2 اجابات احياناً
0اجابات لا
من الجيد جداً ان نحصل على هذه النتائج التي تعبر عن مدى حب الناس في مساعدة غيرهم، وهذا الموضوع طبيعي جداً لان الانسان بطبيعته وغريزته الانسانية يميل الى فعل الخير ويحب المساعدة ولكن هل حب فعل الخير وحده يكفي؟، ام يجب ان يتحول هذا الحب الى فعل عملي يطبق على ارض الواقع.
فالفعل الإنساني يعكس الفطرة السليمة التي زرعها الله في نفس البشر وكرَّمه على باقي خلقه، ومهما كانت الظروف التي يمر بها الانسان من اللامعقول ان يتنازل عن انسانية، بل يجب ان يفعل بأًصله ويثبت فطرته السليمة، اذ ان هنالك اناس عديدون خلدوا أسماءهم عبر التاريخ، لكن الذين انطلقوا من نوايا صادقة لله عز وجل و قرنوا اعمالهم بما يرضيه سبحانه، هم فقط من كان لهم ثقلهم في سجلات الانسانية، كما ضمنوا اجورهم في الآخرة باذن الله تعالى.
اضافةتعليق
التعليقات