استقبل مواطنو معظم الدول العربية، شهر رمضان المبارك لهذا العام، في ظل ارتفاعات غير مسبوقة، في أسعار السلع الغذائية، باتت تؤثر وفق العديد من التقارير، على موائد الأسر الرمضانية، وبصورة خطيرة، تصل إلى حد اختفاء أصناف كثيرة، اعتادت الأسر على وجودها في الشهر الكريم، وهو ما أدى من وجهة نظر كثيرين إلى إفساد فرحة الناس المعتادة بحلول الشهر.
حتى البطاطا
وضمن تقرير لها، عن ارتفاعات أسعار السلع الغذائية، غير المسبوقة في المنطقة العربية، وتأثيرها على موائد الصائمين، تقول وكالة رويترز " كانت البطاطا (البطاطس) المقلية اللذيذة الرخيصة من الأطباق الأساسية، على مائدة اللبنانية منى العمشة، في الأعوام الماضية، لكن مع ارتفاع أسعار زيت دوار الشمس، بسبب الهجوم الروسي على أوكرانيا باتت تخشى ألا تكون حتى البطاطا، في المتناول خلال شهر رمضان".
وتنقل رويترز في تقريرها عن المواطنة اللبنانية قولها "لا أستطيع حتى إعداد طبق من البطاطا المقلية لأطفالي" وتضيف الوكالة في تقريرها أنه وفي لبنان، زاد سعر زجاجة زيت دوار الشمس بنحو عشرة أمثال ما كان عليه قبل ثلاثة أعوام. ونظرا لشح الواردات حددت المتاجر زجاجة واحدة لكل مشتر.
وبينما عانى مواطنو معظم الدول العربية، خلال الرمضانين الفائتين عامي 2020 و ،2021 من وباء كورونا الذي كانت له تداعياته أيضا على أسعار السلع، وكذلك على اختفاء الأجواء الاحتفالية الرمضانية، في ظل منع التجمعات وإغلاق المساجد، فإن رمضان هذا العام 2022 ، جاء في ظل الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا، والتي أدت إلى التأثير سلبا وبصورة كبيرة، على إمدادات الغذاء من البلدين المتحاربين، لمعظم دول منطقة الشرق الأوسط، في ظل حقيقة أن معظم الدول العربية، تستورد جل حاجاتها من القمح من كل من روسيا وأوكرانيا.
مصر أيضا
وفي الوقت الذي تسببت فيه تلك الحرب، في ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار السلع حول العالم، فإن وطأة الارتفاعات في أسعار السلع الغذائية، كانت شديدة في بلدان عربية، كمصر والسودان وتونس وسوريا واليمن، بما أدى وفق العديد من التقارير إلى قتل فرحة الناس بشهر رمضان وأجوائه.
وفي مصر، تشير بعض التقارير، إلى أن سعر الكيلو الواحد من التمر، وهو الذي اعتاد المصريون على وجوده على مائدة رمضان، وأول ما يفطرون عليه، وصل إلى ستين جنيها مصريا ( مايساوي ثلاث دولارات )، وهو سعر يفوق قدرة القطاع الأكبر من المصريين، في ظل حديث عن ارتفاع غير مسبوق في أسعار اللحوم والدواجن.
وكانت أسعار الخبز غير المدعوم في مصر، قد ارتفعت بأكثر من خمسين بالمئة، منذ الحرب الروسية على أوكرانيا، في حين فقدت العملة المحلية 17 في المئة من قيمتها، خلال الشهر الماضي، وهو ما ساهم في زيادة هائلة في أسعار كل شئ.
سوريا واليمن
ويزداد الأمر ترديا، في دول شهدت وماتزال تشهد نزاعات مسلحة، مثل اليمن وسوريا، ويشكو اليمنيون من ارتفاعات حادة في أسعار المواد الغذائية، وندرة في توفرها، حتى منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، إذ أدت تداعيات الحرب التي تعيشها البلاد منذ العام 2014 ،إلى واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، وفقا للأمم المتحدة.
غير أن اعتماد اليمن، في ثلث احتياجاته من القمح على أوكرانيا، بات يهدد بارتفاعات فلكية في أسعار المواد الغذائية، في ظل عدم توافر مواد مثل الطحين والزيت والأرز ، وفي ظل انقطاع في الرواتب يشكو منه كثيرمن اليمنيين، وهو مايلقي بظلاله على احتفاء اليمنيين برمضان هذا العام.
وفي سوريا، لايبدو الوضع بأفضل كثيرا من اليمن، إذ تشهد أسعار المواد الغذائية والأساسية ارتفاعاً غير مسبوق، في وقت وصلت فيه أسعار الخضار والفواكه لأسعار قياسية ، وتشير تقارير إلى أنه ومنذ منتصف آذار / مارس الماضي، قفزت الأسعار بشكل كبير لعموم المواد الغذائية والاستهلاكية بسبب ارتفاع أجور النقل، كما ارتفعت أسعار الخضار والفواكه، بسبب الأحوال الجوية، التي مرت على سوريا منذ بداية شهر آذار/ مارس.
المغرب العربي
ضمن تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية ، بعنوان "الشرق الأوسط يشعر بلسعة ارتفاع أسعار الغذاء مع اقتراب شهر رمضان"، تقول الصحيفة، إن "الجفاف يفتك بالاقتصاد المغربي بالفعل، بينما كانت حكومة تونس المُثقَلة بالديون، تعاني للدفع مقابل واردات القمح حتى قبل أن تندلع الحرب الروسية الأخيرة على أوكرانيا" .
وتشهد معظم دول المغرب العربي مخاوف متزايدة لدى المواطنين من ارتفاعات الأسعار، ورغم التطمينات المتواصلة من قبل سلطات تلك الدول، فإن تلك المخاوف ماتزال تؤدي إلى حمى شراء، للعديد من المواد الغذائية، خشية ندرتها، أو ارتفاع أسعارها لاحقا بشكل كبير.
وكانت السلطات التونسية قد أعلنت مؤخرا، أن لديها مخزوناً من القمح يكفيها حتى حزيران/ يونيو القادم، وأن المواد الغذائية الأولية (القهوة والسكر والمعجنات والسميد)، مدعومة من قبل الدولة بشكل كبير، غير أن التونسيين يقولون إن صبرهم ينفد، تجاه وعود الرئيس قيس سعيد غير المتحققة، بشأن الإصلاح الاقتصادي، وتحسين مستويات المعيشة وتوفير الوظائف.
معاناة الجمعيات الخيرية
وفي معظم الدول العربية التي تشهد زيادات جنونية، في أسعار المواد الغذائية، يبدو التأثير أيضا واضحا، على أنشطة الجماعات الخيرية، التي تنشط بصورة واضحة، مع حلول شهر رمضان، لتوفير احتياجات الفقراء من المواد الغذائية.
وأشار ناشطون في عدة من هذه الجمعيات، إلى أن الزيادة غير المعقولة في أسعار المواد الغذائية، تركت أثرها على محتويات مايعرف بـ ( شنطة رمضان)، والتي تمنح عادة للأسر الفقيرة وتحوي مواد غذائية، مثل الزيت والأرز والمعكرونة، ووفقا لهؤلاء الناشطنين فإن هذه (الشنطة) تقلصت كثيرا هذا العام، بحيث تم تخفيض الكميات التي كانت تحويها بصورة كبيرة.
وليس هناك من شك، في أن تلك الزيادات الجنونية في أسعار المواد الغذائية، تفسد أجواء رمضان لهذا العام، وهو ما انعكس بصورة واضحة على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تساءل كثيرون من روادها، عن كيف يمكن للناس إعداد مائدة رمضان، في ظل ارتفاع أسعار الطحين والزيت والسكر، وغير ذلك من المواد الغذائية.
وتقول النيويورك تايمز، في تقريرها عن رمضان والأسعار في المنطقة العربية، إن " هذا الواقع يهدد بسحق ميزانيات الأسر والحكومات على حدٍّ سواء، في بلدان لم يكن لديها ما تدخره، الأمر الذي يزيد احتمالية حدوث اضطرابات شعبية جماعية من النوع الذي لم نشهده منذ احتجاجات الربيع العربي قبل عقد من الزمن، وهي التي نبعت جزئياً من ارتفاع أسعار الغذاء". حسب بي بي سي
اضافةتعليق
التعليقات