ولنا في الخيال حكايا دائما ما نتمنى حدوثها، نتصور انفسنا ونحن نعيش وقائعها، بل وللحظات وربما اكثر نستشعر ذلك فعلا!.
نبتسم غالباً او ننزعج احياناً حسب ما نرجوه أو نخافه تجاه المواقف التي نمر بها، حيث يصنعها خيالنا في تلك الاثناء كردة فعل، ويحصل ذلك من خلال تنبؤ عقولنا بمجرى الاحداث وما سينتج عنها..
الخيال عالم جميل كثيراً ما نهرب اليه للخلاص من واقع مُتعب أو مؤلم، ونسعى بذلك للحصول على الراحة والإطمئنان لفترة زمنية محددة مع إدراكنا بأن الخيال ليس سوى وهم نصوره في عقولنا، ولكن هناك حقيقة تؤكد انتقال ما نتصوره في خيالنا الى ارض الواقع لو أردنا ذلك فعلا!.
وانا أؤكد من خلال تجربتي الشخصية ان الخيال والواقع عالمين مرتبطين ببعضهما بصورة قوية الوضوح، فمن غير المعقول تخيل اي شيء دون سابق رؤيا وكل ما يحدث في عالم الخيال هو نتاج لما يحدث على ارض الواقع، يتكون من خلال ارتباط الاحداث والوقائع ببعضها، وبديهية الخيال الذي سينشئ في عقولنا عن ماهية اختلافها لو حدثت بصورة عكسية، مثلاً: اختلف تاجرين على قضية تخص شراكتهما في العمل ولكنهما ارتأيا الجلوس ومناقشة القضية ومن ثم اتفقا وانتهى الامر بسلام، سنقول: الحمد لله ماذا لو لم يتفاهما لكان حدث كذا وكذا.. ونبدأ بتخيل العواقب.
وفي الحقيقة ان هذا ما سيحدث لو لم يتم الاتفاق والصلح لكون هذا النوع من المشاكل قد حدثت سابقاً بالصورة العكسية وعُرفت النتائج .
وكذلك الافكار، اي فكرة جديدة لن تأتي من العدم وإنما هي تحديث وتطوير لأفكار قديمة إحتلت جزء من ذاكرتنا مثلاً: اثناء العمل سنحتاج لأفكار سهلة وسريعة الانجاز فيبدأ خيالنا بعرض الافكار القديمة والعمل على تطويرها وبذلك نصنع الفكرة الجديدة الاكثر نفعاً.
وفقاً لقانون "نيوتن" الذي ينص على: (لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه) أنا أؤمن بصحة هذا القانون في عالم الخيال قبل الواقع، الذي يخبرنا ما سيجري قبل ان نراه وبغضون ثواني سيحدث فعلاً وابسط مثال على ذلك هو عند مشاهدتنا "فيلم اكشن" جديد كثيراً ما نتوقع النهاية وردود الافعال والحركات التي سيقوم بها ابطال الفيلم في بعض المشاهد، وبالفعل يحصل ما تخيلناه تماماً وذلك نسبة لمشاهدتنا عدة افلام من هذا النوع الذي لن يصلح فيه فرضاً تغيير احداث مشهد قتال، فهل يُعقل تقبل البطل ضربات العدو ولا يرد عليه بالمثل! طبعا لا، فمن الطبيعي توقع ما سيحصل في خيالنا قبل رؤيته خلال الفيلم، ولو شاهدنا فيلماً لقصة فريدة من نوعها ولم نسمع عن مثلها من قبل ما الذي سيحصل؟ سنتفاجأ بأحداثها وتبوء كل توقعاتنا بالفشل!.
وكذلك تلك الحكايا التي نتمنى حدوثها لنا تلك الاحلام التي تراودنا في اليقضة ذاك الطموح الذي نود تحقيقه هو بالأساس واقع جميل يتمتع به بعض الاشخاص، قد رأيناهم وأثارت إعجابنا نجاحاتهم وأحببنا شخصياتهم ونود لو نصبح مثلهم، فالمهندس المعماري اليوم كان بالامس طفلاً صغيراً قد تأثر بابداع أبيه أو احد الأشخاص المحيطين به من المهندسين الناجحين، وبدأ يحلم بإنشاء ناطحات سحاب وجسور عالية جميلة وشوارع وو الخ.. وبقيَّ هذا الحُلم راسخاً في خياله ليُصبح واقعاً فيما بعد..
أو فرضاً على نطاق المنزل، انتِ ربة بيت ناجحة، دائماً ما تحلمين بالتغيير، كتأثيث منزلك بأجمل ما يكون فتبدأين بتخيل شكل المطبخ فرضاً بأغراضه الجديدة وكثيراً ما تتخيلين ذلك، وبمرور الايام ستقررين إدخار الاموال لشراء ما يلزم، ومن ثم تطبقين الصورة المحببة التي كَوَنتِها في خَيالُكِ على ارض الواقع .
ويحدث ان يصنع لنا خيالنا اكثر من ذلك، فتروادنا تلك الاحلام التي شاهدناها مسبقاً او لدينا فكرة عنها، إستهوتنا مرارا وتكرارا لتُكَوِن لدينا شغف بتحقيقها وتوسعتها والعمل عليها بشكل افضل ونقول في انفسنا: لو إن هذا العمل أنا من يشرف على تأسيسه لجعلته أرقى واكبر مما هو عليه الآن، وبذلك سيؤثر خيالنا على واقعنا بصورة غير مباشرة وتدريجياً سنسعى لإذلال العقبات وتحقيق الهدف وهكذا نتفوق وربما لا نكتفي بما وصلنا اليه..
رغم الاختلاف الشاسع بين الواقع والخيال الا انهما يكملان بعضهما فالخيال يأتي عن طريق مانراه في الواقع، نتأثر به أو لأجله ومن البديهي سنحاول تحسين الصورة، والواقع هو امتداد لما صور سلفاً في الخيال وهذا ما لايدركه عدد كبير من الاشخاص اللذين يغلب عليهم طابع "التشاؤم" تلك الحالة النفسية تقوم على اليأس، والنظر الى الامور من الوجهة السيئة، والاعتقاد ان كل شيء يسير على غير ما يرام، وبهذه الحالة يصبح هذا الشخص اسير خياله المتشاءم على الدوام، ويعود السبب في ذلك هو سوء الظن وضعف الايمان بالله جل علاه ، في الحديث القدسي: (انا عند ظن عبدي بي فان كان خيراً فله وإن كان شراً فله).
فإن من يسيء الظن لن يتوقع حدوث الخير لنفسه طوال حياته وإن الحظ لديه معدم وقبل شروعه بأي عمل كان سيتخيل فشله أو تأخيره، وغالباً ما يحصل ذلك بالفعل!.
إذن خيالك من صنعك فانظر كيف تعمل عليه؟
يُعتبر الخيال نعمة من نعم الله الكثيرة، هو عالمك الخاص بك وحدك، تبحر فيه دون قيود مع انعدام الحدود، بلا خوف بلا تردد متى شئت وفي اي وقت، إجلس هناك وكأنك فنان قد وَصل الى قمة من الاحترافية، إرسم لوحة زيتية تبرق بأحب الالوان الى قلبُك، تُجسد أجمل الاماكن التي تود صناعتها او السفر اليها.
إطبع صورة لنفسك بالهيئة التي تتمناها وإكتب قبل اسمك المهنة المرادة على قطعة خشبية مصقولة ومزخرفة تُعَلَق فوق باب شَركتك الخاصة او على سطح مكتبك .
بوسعك ايضاً تخيل نفسك وأنت مسؤول او سفير يهتم بشؤون الدولة .
تستطيع ان تتخيل كل ماتُحبه لنفسك المهم ان تتخيل ولا بأس عليك ان كنت لا تستطيع تحقيق اي من تخيلاتك ولكنك على الاقل اهتم بأمنياتك وتخيلها تتحقق!.
لعل الله بعد ذلك يحدث أمراً وهو الجبار الكريم ..
قد يختلف حجم ونوع الخيال من شخص الى آخر حسب الطموح أو حسب المستوى الثقافي والتعليمي، فهناك اشخاص تكون احلامهم صغيرة على قدرهم، كإمتلاك منزل للعيش فيه بأمان أو محل بقالة أو ورشة خياطة وماشابه ..
فما عليك سوى توظيف الخيال لتصوير الاشياء التي تُحسن من الواقع، على صعيد حياتك العملية والعلمية، اهتَمَ به جيداً وحاول ان تستحضر فيه ما هو الافضل دائماً، كُن متفائلاً رُغم الصعاب، ودع الامل بالله تعالى ينير لك خيالك، وإبدأ بصنع واقعك من فيض الخيال.
اضافةتعليق
التعليقات