كانت لورا ليني بعمر الـ 49 عندما رُزقت بطفلها البكر، أما هيلاري سوانك فكانت بعمر الـ 48 وكلوي سيفينيه بعمر الـ 45، لو كنت تستقي معلوماتك من أخبار المشاهير وحسب، فلا شك في أنك ستعتقد بأن معظم النساء يختبرن الأمومة للمرة الأولى بعد عمر الـ 40 هذه الأيام.
ومع ذلك لا يزال إطلاق الأحكام على النساء اللواتي يؤجلن عملية الإنجاب، والإشارة الدائمة إلى ساعتهن البيولوجية باعتبارها قنبلة موقوتة، شائعاً كما في أي وقت مضى. وفي مقالة جديدة نشرتها صحيفة "غارديان" تكتب لورا بارتون بشكل مؤثر عن تجربتها مع الحمل غير المتوقع بعمر الـ 45 بعد أعوام من المحاولات الفاشلة ومنها التلقيح الصناعي، وتكتب "على مدى أشهر الحمل الطويلة والأسابيع الأولى من حياة ابني شعرت بأن طيفاً من الشكوك والريبة يلاحقني، كما لو أن مجيئه يُعزى ولا بد إلى ضرب من السحر أو العلم".
تجد النساء أنفسهن في موقع غريب، فهن يستمعن إلى قصص عن نعومي كامبل التي أنجبت في الخمسينيات من عمرها، فيما يقول لنا الإعلام أن نسرع في الإنجاب قبل أن تتراجع خصوبتنا بشكل حاد، إنها تعويذة تترسخ في داخلنا منذ عمر صغير، فالوقت يمر وينفد وأنت تتقدمين في العمر، ومن الضروري أن تحملي قبل أن تبلغي الـ 30 من عمرك وما إلى ذلك، إنما لا شك في أن متوسط عمر الإنجاب لدى النساء يزداد بمعدل ثابت منذ أعوام، وللمرة الأولى تُنجب معظم النساء في بريطانيا طفلهن البكر بعمر الـ 32 فما فوق، ووفقاً للبيانات التي نشرها مكتب الإحصاءات الوطني في شهر فبراير (شباط) الماضي يندرج هذا الواقع في إطار اتجاه أوسع للزواج وشراء أول منزل بعمر متقدم أكثر، ولم تساعد سياسات الحكومة خلال الأعوام الأخيرة في تحسين هذا الوضع مع وجود العوائق الكثيرة أمام الإنجاب، ومن بينها ارتفاع كلف رعاية الأطفال وإجازة الأبوة المحدودة، وفي هذه الأثناء تدنت معدلات الخصوبة في إنجلترا وويلز إلى أدنى مستوياتها المسجلة بين عامي 2010 و 2020 للنساء من المستويات التعليمية كافة، وفقاً لدراسة أجرتها "جامعة أكسفورد" عام 2023.
وما يثير الضحك هو أن معظم صديقاتي اللواتي أنجبن أطفالاً رُزقن بهم عندما كن بعمر الـ 35 فما فوق، وبالنسبة إلى النساء اللواتي يقطن لندن وغيرها من المدن الكبيرة تحديداً، ويبدو أن الانتظار هو السلوك الطبيعي لكي تضبط مسيرتها المهنية وتعثر على الشريك المناسب وتحقق راحة مادية قبل تكوين الأسرة، ولهذا السبب فإن معتقداتي الشخصية في شأن الخصوبة ملتوية تماماً، لكن إلى أي عمر يمكننا تأجيل الإنجاب؟ وهل اتسعت نافذة الخصوبة فعلاً؟
وفي هذا الإطار تكلمت توني بيلفيلد التي شاركت في تأليف كتاب "كل ما تحتاج المرأة أن تعرفه عن الخصوبة" What Every Woman Needs to Know About Fertility، إلى آلاف النساء خلال مسيرتها المهنية، وهي تقول "على رغم وفرة المعلومات المتاحة اختبرت شخصياً قلة معرفة النساء بطريقة عمل الأعضاء التناسلية، وما دفعنا إلى تأليف كتابنا هو شعورنا بوجود حاجة إلى معلومات واضحة وجيدة حول طريقة عمل الجسد، وما الذي يحصل فيه كل شهر؟ صحيح أن الخصوبة نعمة لكنها تأتي مع تاريخ صلاحية، وعندما نفهم هذه النقطة يمكننا التفكير في القرارات التي نتخذها".
يعطيني الاستشاري في طب الإنجاب ومدير عيادة الخصوبة "كينغز فيرتيليتي" (Kings Fertility) الدكتور إيبوكراتيس ساريس درساً علمياً سريعاً وبسيطاً بما يكفي لكي أفهمه على رغم كوني غير خبيرة بالموضوع، إذ تولد المرأة مع مخزون من البويضات يكفيها مدى الحياة، خلافاً للرجل الذي ينتج حيوانات منوية جديدة على مدى حياته (ولهذا ترون آل باتشينو وقد أصبح أباً من جديد بعمر الـ 83)، ولهذا السبب ينخفض عدد البويضات في جسم المرأة مع مرور الوقت، والموضوع واضح وبسيط إلى الآن، لكن البويضات تشيخ تماماً كما تشيخ باقي أعضاء الجسم، وكل بويضة في جسم المرأة تبلغ من العمر ما تبلغه المرأة، وهذا أيضاً خلافاً للرجال الذين لا تبلغ حيواناتهم المنوية عند إطلاقها سوى ستة أسابيع من العمر، ويؤدي تأثير الشيخوخة إلى تراجع قدرة كل بويضة على تكوين طفل بصحة جيدة.
ولا تكمن المشكلة في أن النساء لا يملكن عدداً كافياً من البويضات مع تقدمهن في العمر، إذ تطلق أجسامهن ما بين 300 و400 بويضة خلال عمرهن من أصل 300 ألف بويضة تتكون في الجسم مع حلول سن البلوغ، بل إنه مع انخفاض عدد البويضات تتراجع احتمالات نزول بويضة "جيدة" كل شهر، ولا تخسر المرأة بويضة واحدة تنزل عبر قناة فالوب خلال الدورة الشهرية، بل قبل ذلك تتنافس هذه البويضة مع مجموعة من البويضات النشطة في معركة يكون فيها البقاء للأفضل، وبعد تنافس البويضات تنزل تلك التي تعد الأفضل، فيما تموت التي لم تربح المعركة، وكما يقول الدكتور ساريس فإن "البويضات ليست صديقات، بل ما يردنه هو التحول إلى جنين".
وتشكل الإحصاءات المتعلقة بهذه العملية عاملاً أساساً في انخفاض فرص الحمل بجنين طبيعي مع تقدم النساء بالعمر، وعندما تكون المرأة في العشرينيات من عمرها تتنافس 20 إلى 30 بويضة في جسمها كل شهر، بينما يُحتمل أن تكون واحدة من كل أربع أو ست طبيعية، أي ما يعادل بويضتين أو ثلاث بويضات جيدة كل شهر، وعندما تصبح المرأة في الـ 40 من عمرها ينخفض عدد البويضات المتنافسة إلى ما بين 10 و12، حيث يُحتمل أن تكون واحدة من بين كل 15 إلى 20 طبيعية، أي أنه في بعض الشهور لن تكون أياً من البويضات جيدة، وينخفض احتمال الحمل بشكل جذري، بينما يعاني عدد أكبر من البويضات من تشوهات في الصبغيات، وبالتالي حتى لو انغرست البويضة الملقحة في بطانة الرحم (بعد أن يخصبها الحيوان المنوي)، تزيد كذلك احتمالات الإجهاض كما احتمالات الولادة الباكرة أو معاناة الجنين من اضطراب في الجينات مثل "متلازمة داون".
لكن ما يحدث، عوضاً عن "حافة هاوية" الخصوبة بعد سن الـ 30 التي كنت أسمع عنها وأنا أكبر، هو تراجع تدريجي جداً بين سن الـ 30 و الـ35 يتسارع بين الـ 35 والـ 40 ليتبعه انخفاض حاد وأسرع بعد سن الـ 40، وفيما تبلغ فرص الحمل الطبيعي لامرأة في أوائل العشرينيات من عمرها 25 في المئة في كل دورة شهرية، تصبح هذه النسبة 10 في المئة بحلول سن الـ 40، وواحد في المئة فقط بحلول الـ 44، ويقول الدكتور ساريس إنه "من المهم التأكيد على عدم وجود حد فاصل واضح وشديد، ونصبح مهووسين بأرقام صحيحة مثل الـ 35، وأقول لمريضاتي إن الجسم لا يعرف تاريخ ميلادكن بل هو في حال تغيير مستمرة، لكن الخط البياني يميل إلى الانحدار بسرعة مع الوقت بعد سن الـ 35".
أما الوعي العام بمعدلات الخصوبة فليس كبيراً، وغالباً ما يشعر الأزواج في منتصف الثلاثينيات من العمر "بالذهول لأن معدل الحمل الطبيعي بالنسبة إليهم ليس 70 إلى 80 في المئة"، كما تقول استشارية الطب النسائي والتوليد والمتخصصة في الطب الإنجابي والجراحة في مركز الإخصاب "كومبليت فرتيليتي" Complete Fertility السيدة بولي فورد.
وخلافاً لمجالات أخرى في الطب سجلت تقدماً هائلاً، فقد ظلت نافذة الخصوبة العمرية لدى النساء على حالها، وإجمالاً لا يزال السن هو العامل الأهم، أكثر بكثير من طريقة الحياة والجينات، ويقول الدكتور ساريس "بطبيعة الحال، وهناك سقف لا يمكننا تخطيه ولا يمكننا تحسينه، بل يمكننا أن نكون على أفضل حال ممكن وألا نجعل الأمور أسوأ بالنسبة إلينا".
ومن العوامل الأساس التي يمكن للأفراد السيطرة عليها التدخين والسمنة، فهذان العاملان يصعبان الحمل ويزيدان فرص الإجهاض، ومهما كنا بصحة جيدة فهذا "لا يغير تأثير الزمن على البويضات"، لكن المسائل التي شهدت فعلاً تغيراً عبر الأعوام الـ 20 الماضية هي فحص الخصوبة وتقنيات المساعدة على الإنجاب وفرص نجاحها، وتقول بلفيلد "تحسنت درجة الوعي بما يحدث عندما لا يحصل حمل، ولدينا فحوص وتصوير بالموجات فوق الصوتية من أجل الكشف عن الأورام الحميدة والليفية، وكل ذلك يصب في زيادة فهم الموضوع ويزيد بالتالي من احتمال الحمل".
كما سجل مجال تجميد البويضات تحسناً كبيرة، إذ تبلغ الآن فرص نجاة البويضات بعد إذابتها 95 في المئة، فيما يبلغ معدل تخصيب البويضات المجمدة 85 في المئة.
وتحسنت كذلك فرص الحمل عبر التلقيح الصناعي في أوساط الفئة العمرية الأكثر تقدماً كذلك، مع أن ذلك مرهون حتى الآن بنوعية وكمية البويضات مع تقدم النساء في العمر، وتقول أخصائية علم الأحياء الإنجابية التي تركز على الخصوبة النسائية ونمو المبيض في جامعة إدنبرة البروفسورة إيفلين تيلفر إنه "حتى مع وسائل المساعدة في الإنجاب فمن الأصعب بكثير الحصول على جنين قابل للحياة من بويضة أكبر سناً مقارنة بواحدة أصغر سناً، ولهذا السبب نشجع النساء على تجميد بويضاتهن في سن أصغر".
ويجري العمل على تطوير تقنيات أكثر تقدماً أثارت بعض الجدل، وتخبرني البروفسورة تيلفر عن تطوير عملية استهدفت في البداية الشابات قبل خضوعهن لعلاجات السرطان التي يمكنها التأثير في خصوبتهن، ومنها العلاج الكيماوي، وتشمل العملية استئصال بعض الأنسجة من المبيض وتجميدها من أجل إعادة زرعها في وقت لاحق بهدف تجديد الخصوبة، وتقدم بعض العيادات الخاصة هذه العملية لأية امرأة ترغب فيها، لكن كما هو الحال مع تجميد البويضات فإن العملية تعتمد على سعة بصيرة المرأة لكي تجريها في شبابها.
ووسط كل هذا العلم والإحصاءات تجد التجارب الحقيقية لمن أصبحن أمهات بعد سن الـ 35، وتركز النساء اللواتي أتحدث إليهن على وجود سلبيات وإيجابيات للموضوع، كما هو الحال مع الإنجاب في سن أصغر.
وكما تخبرني سالي هاورد، وهي صحافية في مجال الصحة العامة والشأن الاجتماعي تبلغ 39 سنة من العمر، "فلا شك في أن عملية وضع مولود كانت في حالتي أقسى مقارنة بصديقات في أواخر العشرات من العمر سارت أمورهن بسرعة وبلا تعقيدات، إذ خضعتُ لعملية قيصرية طارئة وصعبة جداً، ولا أعتقد أن جسمك مستعد لذلك إن لم يخض تلك التجربة قبل ذلك السن، ولاحظت تغييراً في جسمي، وكذلك ما عدت أنام بعمق كما كان الحال قبل منتصف الثلاثينيات من عمري، وبالتالي تسبب لي الاستيقاظ كل ساعتين بحال أرق بشعة، واضطررت إلى الانتقال إلى الرضاعة الصناعية ابتداء من الشهر الخامس"، لكنها سارعت إلى التأكيد على إيجابيات الانتظار الكثيرة، إذ كانت مستعدة وسافرت حول العالم وكان الوقت المناسب، "لا أندم على شيء".
أما خبيرة التربية التي أنجبت طفلها البكر بعمر الـ 37 كاليني كنت فـ "شعرت بكثير من الضغط من الناحية الثقافية".
وتنحدر السيدة من أصول كاريبية وقد جعلها الناس تشعر بأن إرجاء الإنجاب سيعني بأنها ستجد نفسها على الهامش، لكن كان لهذه الحال أيضاً إيجابيات كثيرة "فقد عشت حياتي وحققت الأشياء التي رغبت في تحقيقها، ويصبح لديك النضوج الكافي لتستمتعي بذلك، وكانت علاقتي بشريكي أحسن ولدي أصدقاء أكثر وكان وضعنا المالي أفضل بكثير أيضاً".
وبعد إنجابها أول أطفالها الأربعة بعمر الـ 28 رُزقت المحاسبة المسجلة من إيرلندا الشمالية آشلي ريتشي بآخر أطفالها بعمر الـ 38، وبينما كان لديها "طاقة أكبر بكثير" قبل 10 أعوام تدرك هي الأخرى إيجابية الأمومة في أواخر الثلاثينيات من العمر، "كنت أكثر هدوءاً في كل الأمور، ولا شك في أنني شعرت باستقرار أكبر وقلق أقل، كما كنا نملك مالاً أقل في عشرينياتي".
لكن ما أزعجها وأزعج سالي هو وصمة تعبير "الأمهات المسنات" المؤذي خلال فترة حملهن، فهل نكذب على النساء إذاً في شأن ساعاتهن البيولوجية؟
ليس تماماً، إذ إن نافذة الخصوبة العمرية لا تزال نافذة، والإحصاءات أيضاً لا تزال إحصاءات، ويمكن أن يكون للانتظار بعض الفوائد، لكن فرص الحمل الطبيعي بعد سن الـ 35 تتدنى فعلاً مهما قرأنا من قصص ملهمة عن لورا ليني.
لكن الأسباب التي تدفع النساء إلى الانتظار وإرجاء الحمل والإنجاب طويلة ومعقدة، وكثير منها اجتماعي وليس بيولوجياً، ولكل شخص الحق بأن يقيم ظروفه ويقرر الأنسب له، وتقول البروفيسورة تيلفر "يوجهون إلينا رسائل عن انقطاع الطمث والخصوبة كما لو أنهما واقع ثابت وقاطع ومطلق، لكنهما غير ذلك طبعاً فنطاق الموضوع ضخم".
لكن في هذه الأثناء ربما حان الوقت للتوقف عن استخدام لغة الوصم والعار، وكما تقول آشلي "عندما تكونين صغيرة في السن يُصب كل التركيز على عدم حملك، وبعدها يتغير التركيز ليصبح على عدم حملك بسن متقدم، ولا يمكن للمرأة أن تنجح في أي حال". حسب اندبندت عربية
اضافةتعليق
التعليقات