تُجبل الأنثى في المجتمعات الشرقية والعربية على وجه الخصوص من خلال تربية الأسرة الصغيرة والكبيرة والأقارب والأباعد والمجتمع بشكل عام على تأطير أنوثتها وفق معايير مُقررة من قِبل المجتمع. وخلال مسيرة حياتها الكاملة يجب أن تكون في سعي دائم لوضع إشارة (تم) أمام كل نقطة من هذه المقاييس لكي تحصل على الرِضا لمباركة تمام أنوثتها ليس بنظرها بل بنظر هذا المجتمع ومن فيه من كبيرهم حتى صغيرهم.
البشرة البيضاء الناصعة، الشعر الكثيف بالطول الفلاني، الوزن الذي لا تكون فيه نحيفة جداً ولا بدينة جداً، بل القوام الذي يجعلها محل إعجاب وإبهار للجنس الآخر مما يحقق لها الفرص الأكبر والأفضل للاقتران. إضافةً لشكل العين وكثافة الحواجب والرموش واكتناز الشفتين والوجه المشدود والشباب الدائم والبشرة الصحية اليانعة والنظافة الدائمة والمزاج البنفسجي المستمر واليد الحريرية والأظافر اللامعة والقدمين الناعمتين مثل أقدام الأطفال. ناهيك عن مثالية السلوك والحفاظ على مستوى واحد للصوت واعتماد ابتسامة خفيفة لا هي بالضحك الذي يُفقدها وقارها ولا هي معدومة تجعل من ملامحها تميل للكآبة، والخجل والحياء الذي لا يرافقه ضعف شخصية، بل خجلٌ مع مستوى من الثقافة والجرأة (المهذبة) وقول كلمة الحق والدفاع عن النفس وأن تكون واعية قارئة تفقه في السياسة والاقتصاد وآخر أخبار الكوكب شريطة أن لا تخوض نقاشات تُدخلها في أمور (تخص الرجال)، عليها الحفاظ على محدودية في الفهم بحيث يمكنها دائماً أن تعود للحديث عن طريقة سلق البقوليات وكيف ينتفخ الكيك بطريقة مثالية.
ورغم كل ما هي عليه من شخصية واثقة، يجب أن تكون شديدة الحذر كيلا يُقال أنها سليطة لسان ووقحة (وفي كل الأحوال سيُقال عنها ذلك، وسنجد جماعة تصفق لها وجماعة تذمها). ومع توفر كل هذه المواصفات الذهبية يجب أن تتعلم متى توقف هذه المزايا وتفعّل ميزة الرضوخ والاستسلام والطاعة، وأن تعرف مع من تكون لبوة صُلبة ومع من تعودُ قِطة صغيرة وديعة ترعبها إشارة صغيرة باليد!.
وعلى الجانب الآخر، الجانب الرجوليّ الشهم، نجدُ الرجل يتربى منذُ سنته الأولى على أنه لا (يُعيبه شيء) وهذه القاعدة سوف تستمر معه طوال عمره اللاحق، وهي القاعدة التي سيؤسس عليها حياته كلها، ليصل لمرحلة أن يعتبر حتى الدمع الذي هو ماءٌ يخرج بشكل فطري من العين وقتما يحزن أو يفرح أو لأي سبب آخر، نقيصة وتقليل من رجولته.
يتعلم الرجل القوة والبأس، وأنه مهما توافرت فيه أمور مُعيبة أو نقائص فهو كاملٌ بذكوريته، لا شيء يمكن أن ينتقصُ منه أو يُغير حقيقة كونه ذكر له الأولوية في العيش بالطريقة التي يُحبها. لا يُعاب الرجل على شكل جسده أو وجهه، لا يُطالب بمعايير دقيقة من النظافة والعناية بالذات، مهما كان جسده غير صحي ويجر معه أرطالاً من الشحوم فلا يضيره ذلك، فهو لديه القدرة على اختيار الفتاة التي تعجبه والتي بدورها سترضى به كما هو، لأن أمها علمتها أن الرجل يمكن أن تربيه الأنثى من جديد! يمكن أن تعلمه كيف يعتني بنفسه وتهيأ له البيئة والأجواء ليعود طفلاً من جديد ويتربى من قِبل امرأة جديدة على قواعد النظافة والترتيب!
(ابنك كما تربيه وزوجك كما تعوديه) المثل الشعبي الذي يؤسس عوائل ومجتمعات وتقوم عليه أمم كاملة، حيث تستمر عملية عطاء المرأة منذ سنين وعيها في منزل العائلة وحتى الزواج ثم الإنجاب، عملية تربية مستمرة، عطاءٌ مغري يجعل الرجل يتوقف عن تنشئة نفسه كإنسان سوي بدعوى أنه سيتزوج ويجدُ من تعتني بأدق تفاصيله.
لا تتوقف هذه العملية المجتمعية التي لا تمت للعدالة بصلة بمجرد انتقادها أو الكتابة عنها، بل ينبغي إحداث تغييرات جذرية تستمر للأجيال والقرون القادمة، فمن يدري كم جيل سيأتي بعدنا وكم عادة مجتمعية ظالمة ستوّرث! أمهات ونساء اليوم هم الأشد تأثيراً في الجيل الحالي ممن يربون ويُدرسون، ويا لها من مفارقة، مرةٌ أخرى حين نتحدث عن أحداث التغيير نعود للقول إن القادر على التغيير هو المرأة، حيث عُرف عنها على مر الأزمان أنها (مدرسة).
والتساؤل الجوهريّ هنا، متى سيكون للرجل دورٌ فعّال في تربية نفسه؟ بل متى سيتبرع الرجل لأخذ بعض الصفوف من هذه المدرسة ليُعِد فيها شعباً طيب الأعراقِ؟!
اضافةتعليق
التعليقات