"مع انطلاق مسابقات أولمبياد "ريو دى جانيرو" كان الإسلام يمثل تهديدا للمسابقات، وبات اسمه مربوطا بتهديدات التفجيرات الانتحارية والعمليات الإرهابية، وهي الرؤية التي تغيرت مع نهاية المسابقات بفضل رياضيين مسلمين حققوا إنجازات جعلت الجماهير تعيد النظر في الإسلاموفوبيا والعنصرية".
هذا ماذكرته مجلة التايم الامريكية في مقال سلط الضوء على مشاركة مسلمين في مسابقات هذا العام، وذكر بدايةً الرباعة المصرية "سارة سمير" بعد فوزها بالميدالية البرونزية في مسابقات رفع الأثقال، لتصبح أول سيدة عربية تحقق مثل هذا الإنجاز فى مسابقات رفع الأثقال وأول مصرية تحصد ميدالية فى تاريخ مصر لرفع الأثقال.
قدمت هذه البطلة الأولمبية صورة معاكسة تماما للصورة النمطية عن المرأة المسلمة المحجبة في الغرب، وفوزها يمثل تحدي لمحاولات منع الحجاب داخل الجامعات في فرنسا، ونظريات مغلوطة أخرى تتهمه بتهميش المرأة في الولايات المتحدة.
فيما اعتبرت "دعاء الغباشي" نموذج مشرف لرياضية مصرية بالوصول للأوليمبياد متحدية جميع العوائق التي واجهتها.
حيث أصرت على المضي قدما في تحقيق أحلامها مع التمسك بالحجاب، حيث قالت في حوار أدلت به لصحيفة "التليجراف" البريطانية "أنها ارتدت الحجاب منذ عشر سنوات، وأنه لم يمنعها عن فعل ما تحب، مثل ممارسة رياضة الكرة الطائرة الشاطئية، وأنها فخورة بحملها علم مصر".
وتعد المصرية دعاء الغباشي أول لاعبة في الأولمبياد ترتدي الحجاب، بعد تخفيف الاتحاد الدولي للكرة الطائرة للقواعد المنظمة لارتداء الزي في الأولمبياد قبل دورة الألعاب الأولمبية في ريو دي جانيرو.
وقالت الغباشي: "أرتدي الحجاب منذ عشرة أعوام. ولم يعيقني عن القيام بالأشياء التي أحبها، ومن بينها كرة القدم الشاطئية."
وفي السياق نفسه لفت اعتلاء كل من لاعبة التايكواندو الإيرانية كيميا علي زادة والمصرية هداية وهبة اللتان حازتا على برونزية بطولة التايكواندو في أولمبياد ريو 2016، لفت اعتلاؤهما منصة التتويج بالحجاب الإسلامي اهتماماً كثيراً في مواقع الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث أكد الحدث مرة أخرى عدم وقوف الحجاب الإسلامي عائقاً أمام المرأة المسلمة لكي ترتقي سلالم التوفيق على الصعد الدولية.
وقد أهدت الإيرانية كيميا علي زاده (18 عاما)، بلادها أول ميدالية نسائية في تاريخ الألعاب الأولمبية، إثر فوزها بالميدالية البرونزية تحت 57 كلغ في رياضة التايكواندو في أولمبياد ريو 2016.
وتغلبت الإيرانية المحجبة البالغة من العمر 18 عاما على السويدية نيكيتا غلاسنوفيتش 5-1 لكي تهدي بلادها أول ميدالية نسائية في الألعاب الأولمبية، وقد تحدثت عن المسألة قائلة: "أنا سعيدة جدا للفتيات الإيرانيات لأنها الميدالية الأولى وآمل أن نتمكن في الألعاب الأولمبية المقبلة أن نحصل على الذهبية".
وواصلت علي زاده: "أنا متحمسة جدا وأريد أن أشكر عائلتي ومدربي. لقد ساندوني حقا وأنا سعيدة جدا".
وكان آخر فصول ظهور المحجبات من نصيب السعودية العداءة كريمان أبو الجدايل (22 عاماً)، وهي ثاني عداءة تشارك في دورة الألعاب الأولمبية بالحجاب، بعد مواطنتها العداءة سارة العطار التي كانت أول محجبة سعودية شاركت في سباق 800 متر في أولمبياد لندن 2012، حيث ارتدت العداءة السعودية ثياباً غطت جسمها بالكامل، وحجاباً غطى رأسها.
الحجاب والصورة النمطية السائدة في الغرب
سأل رجل من المارة الرياضية الأمريكية "ابتهاج محمد " إذا ما كانت تنوي تفجير نفسها، وذلك بسبب ارتدائها للحجاب!!
والآن تعيش ابتهاج لحظة حاسمة في حياتها، حيث أنها أول أمريكية محجبة تشارك في الأولمبياد.
وقالت ابتهاج في مقابلة مع بي بي سي سبورت: "في هذا المناخ السياسي الفريد في تاريخ هذا البلد فإنه أمر غير مسبوق أن تشارك امرأة مسلمة في الأولمبياد ضمن الفريق الأمريكي".
وأضافت: "أنا سعيدة لأني سأتحدى الأفكار النمطية والفهم الخاطئ لدي الناس عن المرأة المسلمة. أرغب في أن أعرِّف الناس أننا قادرات ليس فقط على المشاركة في أي فريق أوليمبي، ولكن في الفريق الأمريكي، الذي يعد أقوى فريق في العالم".
ويعتقد كثيرون أن السياسة والرياضة مزيج معقد يجب ألا يختلطا أبدا، لكن ابتهاج سعيدة للغاية لأنها تعلن وجهة نظرها في الأمرين.
وتقول ابتهاج: "باعتبارنا في مجتمع عالمي واحد علينا أن نعمل بمزيد من الجد لتغيير وضعنا الحالي، الذي يعد غير صحي".
لكن ما الذي يسبب "الوضع غير الصحي" للمسلمين الذي تشير إليه ابتهاج؟
ترى لاعبة المبارزة الأمريكية أن "أهم أسبابه هو الفهم الخاطئ".
وتقول ابتهاج، التي ولدت ونشأت في نيوجيرسي: "الفهم الخاطئ للدين، ولما تحتاجه المجتمعات المختلفة لكي تزدهر".
وأضافت: "المشكلة مستمرة منذ أمد طويل، لكن يبدو أنها قد وصلت لذروتها. وفي الوقت الراهن علينا أن نكون ممتنيين لأن أصوات الرصاص والتفجيرات ليس جزءا عاديا من حياتنا".
وأردفت: "يمكنني أن أكون مصدرا إلهام ليس للشباب المسلم فحسب، ولكن للأطفال الآخرين الذين يقال لهم إنهم غرباء لأنهم مختلفون. إذا استطعت تشجيع النساء على أن يصبحن فاعلات سيكون ذلك شيئا إيجابيا".
وخلال الإعداد للأولمبياد، ركزت وسائل الإعلام على ابتهاج محمد بسبب إنجازها التاريخي.
وبلغ أثر ذلك إلى أن ضمتها مجلة تايم في قائمة المئة الأكثر تأثيرا في العالم لعام 2016، بينما وضعت شركة فيزا للبطاقات الائتمانية صورتها في صدارة إعلاناتها.
ويمتد تفرد ابتهاج كلاعبة رياضية إلى ارتدائها الحجاب، وفي الحقيقة فقد مارست ابتهاج رياضة المبارزة في سن الثانية عشرة، لأنها كانت أسهل رياضة تسمح لها بالمنافسة وهي تلبس ما يغطي كامل جسدها، دون الاضطرار للبس زي رياضي بعينه.
وفي بلد يبلغ عدد سكانه نحو 324 مليون نسمة، ولا يمثل المسلمون سوى نحو واحد في المئة فقط من السكان، تشعر ابتهاج بارتياح إزاء الانفتاح مع معتقداتها وما يعنيه الحجاب بالنسبة لها.
وتقول ابتهاج: "الحجاب جزء من هويتي، ويساعدني بلا شك في علاقتي بربي، وهو اختيار شخصي وعلاقة شخصية بين الشخص وربه".
صِدام أم انقسام؟!
إن الملابس المحتشمة التي ظهرت بهما لاعبتا مصر للكرة الطائرة الشاطئية ندى معوض ودعاء الغباشي خلال لقاء ألمانيا تناقضت بشكل صارخ مع المايوه البكيني الذي ارتدته اللاعبتان المنافستان.
وقالت الوكالة الأمريكية: “دخلت اللاعبتان المصريتان الملعب مرتديتين ملابس بأكمام طويلة وسراويل طويلة، ووضعت الغباشي حجابا على رأسها".
وبالرغم من أن الاتحاد الدولي للكرة الطائرة كان قد اعتاد على توحيد الزي، لكنه خفف من قيوده وسمح بأكمام كاملة وسراويل طويلة".
من جانبه، قل ريتشارد بيكر، المتحدث باسم الاتحاد الدولي للكرة الطائرة إن القرار اتخذ في محاولة لإحداث انفتاح ثقافي على الكرة الشاطئية.
وأردف: “لقد أجدى ذلك نفعا، فقد ارتفع عدد الدولة المشاركة إلى 169 في ريودي جانيرو مقارنة بـ 143 فقط في لندن".
وقد اجتاحت صور ملابس منتخبي مصر وألمانيا للكرة الشاطئية للسيدات مواقع الإنترنت، بعدما ظهرت لاعبة مصرية وهي ترتدي الحجاب أمام الألمانيات اللاتي كن يرتدين البكيني.
وفي الوقت الذي وصفت فيه صحيفة "لندن تايمز" ما حدث بأنه "صدام ثقافي"، قالت صحيفة "ديلي ميل" إن هذا يعد "انقساما ثقافيا". وقالت صحيفة "صن" إن الانقسام الثقافي لم يكن "هائلا" بل "جسيما".
وركز البعض على ما يفرق اللاعبات، في حين ركز أخرون على ما يوحدهن.
وقال الكاتب الصحفي بن ماتشيل على صفحته على تويتر": "الحجاب في مقابل البكيني، ما هو الحجم الحقيقي للصدام الثقافي إذا كان الفريقان يلعبان الكرة الطائرة الشاطئية للسيدات في الأولمبياد؟"
وكتب بيل وير، مراسل سي إن إن، تغريدة على صفحته قال فيها إن ما حدث يعد بمثابة "اختبار رورشاخ الأوليمبي"، في إشارة إلى أحد الاختبارات النفسية التي طورها العالم السويسري هرمان رورشاخ.
وتساءل وير "هل ترون صداما ثقافيا؟ أم قوة موحدة للرياضة؟".
ويعتمد اختبار رورشاخ على تحليل شخصية الإنسان من خلال مشاهدته لسلسلة من بقع الحبر التي تمثل أنماطاً تجريدية نموذجية، وعليه أن يقوم بتفسيرها وشرح كيف يراها.
ويعرف "الصدام الثقافي" في قواميس أكسفورد بأنه "صراع أو خلاف ناتج عن تفاعل بين الثقافات المختلفة".
لكن لم يظهر أي من هذا على الشاشة على شاطيء كوباكابانا، وعلى الرغم من أن رد الفعل على وسائل الإعلام الاجتماعي يمكن وصفه بـ "الصدمة الثقافية" - "شعور الارتباك لدى شخص ما عندما يتعرض فجأة لثقافة أو طريقة حياة أو مجموعة مواقف غير مألوفة."
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي انقساما في الآراء بين من يرى أنه لا يوجد أي مشكلة في ارتداء الحجاب والزي الكامل وبين من يرى أن عدم الالتزام بزي موحد يؤدي إلى انقسام ثقافي بين المتنافسين.
بلا شك إن مشاركة اللاعبات المسلمات المحجبات في أولمبياد "ريو 2016"، تعتبر حضوراً خاصاً جذب اهتمام كثير من وسائل الإعلام والشخصيات الرياضية. واعتبر مراقبون أن مشاركة المحجبات تؤكد أن "الحجاب ليس عائقاً أمام ممارسة الرياضة بكل حرية"، كما حظيت المحجبات باحترام الأوساط الرياضية لإيمانهن بالحجاب، وإصرارهن على تحقيق أهدافهن.(وكالات)
اضافةتعليق
التعليقات