قد يُقدِمُ شخصٌ ما في لحظة وهن وعدم اتزان نفسي للإقدام على إنهاء حياته ووضع نقطة نهاية لأيامه على هذه الأرض، كحلٍ أخير وحاسم من الأثقال التي تراكمت على روحه فما عاد يقدِرُ على جرجرتها أو إزاحتها جانباً، معتقداً أنها الطريقة الوحيدة والأخيرة المتاحة للتحرر ومعانقة الخفة المُطلقة.
لا يُفكرُ بشكل منطقي أو عقلاني أو حتى عاطفي، كلُ ما يُسيطر على ذهنه هو إنه يُريدُ الفناء. على الأرجح، لا يرغب هذا الشخص بالموت؛ قدر رغبته بمداراة ألمه، لذلك فهو يتجه نحو أكثر القرارات صعوبةً، بل الأشدُ ألماً، لأنه فقد أي رؤية لأبواب أخرى قد تُفتح في حياته. إنه يلجأ إلى السبيل الذي لا يترك آثاراً خلفه ويُخلصّه من كل شيء دُفعةً واحدة. وبخلاف ما نستبعد، في مرحلة عصيبة ما، قد تُلح فكرة الانتحار على صديق لنا، أو فرد من العائلة، أشخاصٌ قد تدور في دواخلهم أشدُ الآلام فتكاً دون أن نشعر بهم حتى.
الانتحار ظاهرة متعددة الأسباب، وتحصد سنوياً حياة مئات الآلاف من الأشخاص ويشتمل هذا العدد على أكثر من عشرة آلاف شخص من العالم العربي. بعض الدول سنّت قوانين تُعاقب من يحاول الانتحار، لكن البعض يرى أن معظم هذه القوانين غير مجدية، وأنها تُصعّب على المُعرّضين للانتحار وذويهم طلب المساعدة.
عُلماء النفس يتحدثون عن عدّة أسباب للانتحار، منها الاكتئاب الشديد الذي قد يُفقد الإنسان الرغبة في الحياة، ومنها الإصابة بمرض الذُهان، الذي قد يُعرّض الإنسان لهلوسات وتخيّلات قد تتضمن سماع أصوات تحثه على قتل نفسه. وأحياناً يكون الانتحار محاولة من الشخص للفت أنظار من حوله بسبب مشكلة أو أذىً ما يعانيه، كما ترتبط حالات أخرى من الانتحار بالآثار السلبية لتعاطي الكحول والمخدرات.
علم الاجتماع له رؤية مختلفة حول هذا الأمر، عبر رصد دراسات متعددة توصلوا إلى وجود أنماط اجتماعية شائعة للانتحار، فمثلاً تشير الدراسات إلى أن نسب الانتحار بين الرجال أعلى منها عند النساء، ففي عام 2016، كان معدل الانتحار بين الرجال 13.5 لكل 100 ألف، مقارنة بـ 7.7 لكل 100 ألف بين النساء. وعلى الرغم من ذلك، يمكن أن تتفاوت نسبة الذكور إلى الإناث بشكل كبير داخل البلدان.
شهدت روسيا أعلى معدل انتحار للذكور في العالم، وهو 48 لكل 100 ألف، في عام 2016. وهو أكثر من ستة أضعاف المعدل بين النساء. وكذلك فإن النسبة تكون أكبر لدى العزاب مما هي عليه لدى المتزوجين. كذلك يتقاطع الانتحار مع أحداث سياسية أو اجتماعية، فقد أقدمت شخصيات سياسية شهيرة على الانتحار مثل (هتلر) في ألمانيا و (جيانغ شينغ) في الصين.
لا يُصرّح بعض الذين يفكرون بالانتحار غالباً عن أفكارهم، ولا يلجأون للبوح والتخفيف من عبء الحديث الذي يدور في أذهانهم، بل يتقوقعون في بيئةٍ يجدُون فيها دائرة الراحة التي تُبعدهم عن أي مظهر من مظاهر الحياة والاختلاط مع الآخرين. وخلال هذه الفترات تظهر على الشخص علامات تحذيرية تدل على أن الشخص الذي أمامك يفكر، أو يخطط، أو على وشك القيام بالانتحار:
العلامات التحذيرية العاطفية:
1- الشعور بالاكتئاب.
2- قلة الاهتمام بالأنشطة التي كان يستمتع بها في السابق.
3- التهيج.
4- الغضب.
5- القلق.
6- الشعور بالعار أو الإذلال.
7- تقلب المزاج.
العلامات التحذيرية العاطفية اللفظية، وهي تكون عبر حديث الشخص عن:
1- قتل نفسه "سأقتل نفسي".
2- حياته ليس لها أي هدف أو معنى.
3- الحياة ستكون أفضل بالنسبة لعائلتي لو لم أكن موجودا.
4- أنا عبء عليكم.
5- أشعر بعدم الرغبة في الوجود.
6- قد يكون التعبير غير مباشر، مثل "أتمنى أن أذهب للنوم ولا أستيقظ".
العلامات التحذيرية السلوكية:
1- العزلة عن الآخرين.
2- عدم التواصل مع الأصدقاء أو العائلة.
3- التخلي عن الممتلكات.
4- كتابة وصية.
5- القيادة بتهور.
6- زيادة السلوك العدواني.
7- زيادة تعاطي المخدرات والكحول.
8- البحث عن معلومات عن الانتحار على شبكة الإنترنت.
9- تحضير مستلزمات الانتحار، مثل سلاح ناري، أو أدوية.
10- التوقف عن الاهتمام بالنظافة الشخصية.
وفي أحيان أخرى قد يتحدث البعض عن الرغبة أو التخطيط لقتل أنفسهم أو يلقون بتلميحات أخرى دون أن يجدوا آذاناً صاغية، أو قد يُعد حديثهم صادراً عن لحظات غضب وكره للواقع، لذا فإنهم يتخذون سبلاً أخرى للانعزال عن العالم الخارجي الذي لم يجدوا فيه فهماً وتقديراً لما هم فيه. كما إنه قد يتخذ إنسان هذا القرار قبل دقائق أو ساعات فقط، وقد يحدث الأمر بشكل مفاجئ عند الوقوع في أزمة تؤدي إلى انهياره. لكن الشائع، أن الغالبية من الحالات أو المحاولات يُرسلون تلميحات بوعي أو بغير وعي منهم بين الحين والآخر.
ولذا فإن الاهتمام بالأشخاص الذين قد تظهر عليهم أي من علامات التراجع النفسي يقع على عاتق الأشخاص من حولهم من الأهل والأصدقاء والمحيط في أماكن العمل أو الدراسة، لكي تكون هنالك قدرة على إنقاذهم ومساندتهم لرؤية النور الذي في نهاية النفق بعد أن ظنوا أنهم في ظلامٍ أبديّ.
اضافةتعليق
التعليقات