قد نفترض أحياناً أن الأطفال الذين يمارسون سلوك التنمر على أقرانهم هم في العادة "أطفال سيئون". لكن العديد من الأطفال حسني السلوك يتورطون في التنمر، بسبب مشاكل أعمق بكثير يعانون منها.
في بعض الأحيان قد يكون ذلك لأنهم يريدون الانسجام مع مجموعة من الأطفال الذين يقومون بالتنمر على غيرهم. كما أن الأطفال الذين يرغبون في الاهتمام أو الحازمين بشكل طبيعي، قد يصبحون أيضاً متنمرين.
وعادة لا يفهمون كيف تؤثر أفعالهم أو كلماتهم على الأطفال الآخرين.
الأطفال الذين يتعرضون للتنمر هم أنفسهم، سواء في المنزل أو في المدرسة، غالباً ما يصبحون متنمرين بدورهم.
فيما يلي نستوضح كيف من الممكن أن يصبح صغيرك طفلاً متنمراً، وما الأسباب وراء حدوث مثل هذا السلوك، وكيف تتعاملين مع المشكلة بصورة واعية وصحية؛ لكي لا تزيدي الأمر سوءاً بالتعامل الخاطئ.
لماذا يقوم الأطفال بالتنمُّر على أقرانهم؟
الجواب بسيط: التنمر بالنسبة لهم يحل مشاكلهم الاجتماعية.
يوضح موقع Stomp Out Bullying للتربية ومكافحة التنمر بين الأطفال، أنه من الأسهل التنمر على شخص ما، بدلاً من حل المشكلات وإدارة العواطف وتعلم حل المشكلات، فيكون بذلك التنمر هو الطريق السهل للتعامل، وللأسف، يقع بعض الأطفال في هذا الخطأ السلوكي.
في واقع الأمر، التنمر لم يقتصر على الأطفال وحدهم، على سبيل المثال الرجال الذين يضربون زوجاتهم أو يرهبونهم ويصرخون على أطفالهم. هم بدورهم لم يتعلموا أبداً أن يكونوا أزواجاً أو آباءً فعالين.
بدلاً من ذلك، هم مجرد متنمرين يقومون بفرض رغباتهم على الآخرين بالقوة، لأنهم لا يعرفون كيف يقومون بالتعبير بشكل واعٍ عن رغباتهم ومشاعرهم، أو التعامل مع الآخرين بصورة أخرى.
هل طفلك متنمر؟
إذا سمعت أن طفلك يتنمر على أقرانه، سواء من أحد والدي الأطفال الآخرين، أو من الأطفال، أو من المعلمين والمسؤولين في مدرسته، يجب البدء قبل كل شيء بالتحدث إلى طفلك.
يجب أن يكون الوالدان منفتحين ومباشرين عند مواجهة مثل تلك المشكلة، وقولا مثلاً: "أخبرني معلمك أنك متورط في بعض التنمر في المدرسة. هل يمكنك إخباري بما حدث؟".
بعد ذلك يجب منح طفلك مساحة لشرح ما يحدث، وما يشعر به حيال ذلك.
إذا ظل من غير الواضح من أين يأتي السلوك، يمكن أن يساعدك اختصاصي الصحة العقلية في اكتشاف ذلك. قد يكون لدى الأطفال الذين يمارسون التنمر تحديات واضطرابات نفسية وعاطفية هي التي تسبب المشكلة من الأساس.
لماذا قد يصبح طفلك متنمراً؟
في بعض الأحيان، قد تكون التغييرات أو الصعوبات في حياة الطفل وراء تصرفه بطريقة سلبية. يجب السؤال مثلاً: هل حدثت تغيرات في الأسرة مؤخراً، فجيعة أو فَقد أو صراع وخلافات بين الوالدين؟
ربما تعرضوا للتنمر، أو احتاجوا إلى الانتماء إلى مجموعة معينة من الأصدقاء؛ لأنهم كانوا يشعرون بالعزلة والوحدة بين أقرانهم.
وبحسب موقع Family Lives، قد يكون لديهم مشاعر شديدة وقوية لم يتم حلها بسبب اضطراب أو مشكلة عاطفية تحتاج إلى معالجة بشكل صحي.
مهما كان السبب، من المهم محاولة التعمق في السلوك لمعرفة السبب الجذري ومساعدتهم في إيجاد طريقة أخرى للتعامل مع هذا، سواء كان ذلك من خلال الاستشارة أو الدعم أو النشاط الذي قد يساعدون فيه الآخرين.
افتقار المهارات الاجتماعية
يتنمر الأطفال لأنهم يفتقرون إلى المهارات الاجتماعية المناسبة. ويمكن أن يأتي التنمر نفسه من مجموعة متنوعة من المصادر.
أحد المصادر قد يكون ممارسة التنمر بين أفراد الأسرة في المنزل. ربما يكون هناك أشقاء أكبر سناً، أو أفراد عائلة ممتدة أو آباء يستخدمون العدوان أو الترهيب للحصول على ما يريدون، بحسب موقع Empowering Parents التربوي.
كذلك فإن جزءاً من أسباب التنمر يمكن أن ينبع من نوع من معاناة الطفل من أحد إعاقات التعلُّم غير المشخصة والتي تمنع الطفل من تعلُّم المهارات الاجتماعية ومهارات حل المشكلات.
لكن مع ذلك، عندما يمر الأطفال بمراحل نضج تدريجي، يجب أن يجدوا طرقاً لحل المشكلات والتوافق مع الآخرين. يتضمن ذلك تعلم كيفية قراءة المواقف الاجتماعية، وتكوين صداقات، وفهم بيئتهم الاجتماعية.
طالب طفلك بتغيير سلوكه بشكل واعٍ
بعد ذلك، كن محدداً حول ما تريد رؤيته بدلاً من السلوكيات السلبية.
على سبيل المثال، إذا دفع طفلك الأطفال الآخرين ومنعهم من اللعب، أخبرهم أنك تتوقع منهم لاحقاً أن يقولوا نعم عندما يطلب الآخرون اللعب معهم.
من المفيد أيضاً الاطلاع على ما يحدث في المنزل. معاملة بعضنا البعض باحترام ولطف هي مثال جيد للأطفال؛ لكي نكون قدوة لهم في كيفية التعامل مع الآخرين بشكل صحي ولطيف.
تشجيعه على التعامل بلُطف
كذلك من المهم تشجيع طفلك على إجراء تغييرات إيجابية على نفسه.
اطلبي منه مثلاً النظر إلى الخارج، والتفكير في مشاعر الآخرين وردود أفعالهم، وكيف من الممكن أن يشعروا به عند التعرُّض للأذية.
قد يساعدهم أن يتعلموا من الوالدين التعاطف واللطف. حتى إذا لم يكونوا مهتمين بسماع الأمر منكم في بداية الأمر، فقد يتأثرون بعبارة أو مفهوم معين تشاركونهم به فيما بعد.
واحرصي على أن تطلبي منهم أن يعاملوا الآخرين بالطريقة التي يرغبون في أن يُعاملوهم بها، والأهم من ذلك، تأكدي من أن الأسرة ككل تتبع هذا النهج.
العقاب المناسب إذا تطلَّب الأمر
بحسب موقع Child Mind لصحة الطفل، هناك خيار آخر للتعامل مع المشكلة، وهو تحديد عواقب واضحة لسلوك طفلك.
على سبيل المثال، يمكنك سحب لعبة طفلك المفضلة، أو هاتفه الخاص إذا كان أكبر نسبياً في العُمر، وقم بذلك لبضعة أيام.
يمكن أن يكون التصالح مع الأطفال الآخرين أيضاً نتيجة مفيدة وخطوة صحية فعالة لكي يبدأ في إدراك حقيقة سلوكه السلبي، مثل تقديم اعتذار مكتوب أو القيام بشيء لطيف مع الشخص الذي أساء إليه.
أخيراً، يجب على الوالدين دوماً التأكُّد من الحفاظ على خط اتصال مفتوح عماده الحب مع طفلهم. اطرحي أسئلة مفتوحة حول حياتهم وتفاصيل روتينهم اليومي في المدرسة والنادي وأي مكان يرتادونه، وخذي وقتاً كافياً للاستماع.
إذ إن معرفة أنكِ تهتمين بما يحدث معهم، يجعلهم أكثر عرضة لبناء علاقات إيجابية مع الآخرين في نهاية المطاف. حسب عربي بوست
التنمر.. آثار وعواقب قد تمتد من الطفولة إلى ما بعدها
وفي دراسة نشرها "المركز الوطني للوقاية من التنمر" (National Bullying Prevention Center) في الولايات المتحدة، تبين أن واحدا من كل 5 طلاب في أميركا يتعرضون للتنمر أثناء الدراسة بما نسبته 20.2%.
وتقود هذه النتائج عددا متزايدا من التربويين إلى تغيير وجهات نظرهم حول التنمر، من شيء لا مفر منه في مرحلة النمو إلى اعتباره نوعا من أنواع انتهاك حقوق الإنسان للأطفال.
وتوضح لويز أرسينولت أستاذة علم النفس التنموي في "كينغز كوليج" بلندن في المملكة المتحدة: "اعتاد الناس على الاعتقاد بأن التنمر سلوك طبيعي، وكانوا يعتقدون أنه في بعض الحالات يمكن أن يكون شيئا جيدا لأنه يبني الشخصية.. لقد استغرق الأمر وقتا طويلا حتى بدأ الباحثون في اعتبار التنمر أمرا ضارا حقا"، وذلك في تصريحاتها لمنصة "بي بي سي" (BBC) مؤخرا، وردت ضمن تقرير أعده الكاتب والباحث البريطاني ديفيد روبسون عن الموضوع.
ووفقا لورقة بحثية نُشرت مؤخرا في مجلة "هارفارد للطب النفسي" (Harvard Review of Psychiatry)، فإن المرأة التي تعرضت للتنمر عندما كانت طفلة تزيد احتمالية إصابتها باضطراب الهلع في سن الشباب بمقدار 27 مرة، أما عند الرجال فقد أدى التنمر في مرحلة الطفولة إلى زيادة قدرها 18 ضعفا في التفكير بالانتحار. وتقول أرسينولت: "وجدنا كل هذه الارتباطات القوية والمتكررة عبر عينات مختلفة". حسب الجزيرة
اضافةتعليق
التعليقات