يقول تعالى: {وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ}(المدثر :6).
إن قيمة وجود الإنسان -كما نعلم- بما يُعطيه ويقدمه من نفع لنفسه وللأقربين وللمجتمع، والقرآن الكريم الذي هو دستور ومنهج حياة لنا، وضع لنا عِبر هذه الآية قانون لنراعي فيه أدب العطاء.
إذ إننا عندما نتأمل في بعض عبائر من هم ترجمان القرآن كما في أدعية الإمام السجاد (عليه السلام) بقوله: [وإن ألجأتني إلى قرابتي حرموني، وإن أعطوا أعطوا قليلا نكدًا، ومنوا عليَّ طويلًا، وذموا كثيرًا، فبفضلك اللهم فأغنني](١)، نجد إن فعل المِنْية بالعطاء لا يقتصر وجوده في العلاقات العامة، وفي حالات طارئة أو خاصة بل هو موجود في العلاقات القريبة والأسرية، أي أنه من الأمور الابتلائية اليومية.
وهذا فيه مؤشر لخطورة أثر أن نكون من أهل المن في العطاء دون أن نشعر، وفيه تنبيه أن نراقب سلوكنا ونهذب أنفسنا كي لا نكون هكذا، فهذه الآية فيها شفاء لما في الصدور؛ إذ يُمكن لنا أن نستلهم منها ما ينفعنا في الوقاية من هذا السلوك المذموم.
لا تنتظر من المقابل أكثر فتقع بالمن!
الآية تنبه إلى أن لا نكون من أهل المُطالبة بعطاءٍ أكثر تعويضًا عما صدر منا من عطاء! وأن لا ننتظر أكثر بل ألا نتوقع شيء بالمقابل بعد أن نعطي، فإن كنا كذلك لمن نُشعِر المقابل بالمِنية بما جادت به أنفسنا، وكنا من أهل العطاء صدقًا.
انتفاء المِنة باستصغار العطاء
الآية أيضا تنبهنا إلى إن تعظيم العطية من قِبل المُعطي، والنظر إليها بعين الاستكثار والإكبار مؤشر لاتصافنا بالمِنية، والمطلوب هو استصغار كل فعل وعطاء حتى وإن كان كبيرا، فالإنسان بالأصل هو وسيلة والمعطي الحقيقي هو الله تعالى.
انتفاء المِنة يُوجب ارتقاء النفس الإنسانية
إن ثمرة عدم وجود المِنة في النفس [عند] و[بعد] العطاء إنما هو مقدمة لترقي النفس وتكاملها، فنفي المنة يُوجب في النفس السعة وحب البذل والعطاء، فيكون الإستكثار -كما يبدوا- ليس بمعنى أنه سَيُعطى من المقابل عطاءا ماديا أو معنويا أكثر، بل يُصبح ذو ذات معطاءة أكثر، وتنفتح أمامه أبواب الخير ونفع الغير أكثر.
و-بتعبير آخر- يعطيه تعالى رشحة من رشحات اسمه "المُعطي"، فيصبح العطاء عنده [مَلكة] و[سجية] أي ليس بدافع الحصول على المقابل سواء كان الجزاء الدنيوي كالشكر والذكر والإنتفاع أو حتى طلب الجزاء الأخروي كالأجر والثواب، وإنما يُعطي لأن الله تعالى وهب هذه النفس صفة العطاء، فهنيئاً لمن أصبح ذو نفس إلهية معطاءة.
_________
اضافةتعليق
التعليقات