وكأنّ قيمة الإنسان تُحدَّد بـ"الماركة" التي يعتمدها، فترى الشباب يتهافتون يخضون سباقات وتحدّد فيها الأولوية وفق الأسبقية للماركة الأغلى ثمناً، ليصبح شغفهم بعالم الموضة هوساً يحول دون تمييزهم ما بين الأناقة والبذخ المبالغ فيه وهكذا يحرص كثيرون من الشباب على الظّهور مرتدين أحدث الماركات العالميّة، حتّى لو فاقت قدرتهم الشرائية، باعتبارها عنواناً للشخصية أمام الآخرين.
لا شك في أن للمجتمع تأثيره كبير في تكوين هذا الاهتمام لدى الشباب بالماركات العالمية، من دون أن ننسى قبول الشباب أنفسهم ومدى تأثرهم بهذا الواقع لذا يلفت الاختصاصية في علم النفس غادة صفا هاجس هذا الجيل بالماركات العالمية، التي يتهافت عليها الشبان والشابات والشبان في شكل لافت، سواء في ملابسهم أو هواتفهم أو حقائبهم "فنراهم في صراع مع مجتمعهم، وحتى بين أنفسهم، يحاولون تقليد العارضات والفنانين والفنانات، ما أدّى إلى المنافسة والمفاخرة في ما بينهم".
ان الهوس بالماركات يسبّب الكثير من المشكلات الأسرية، وخصوصاً المادية، سواء من الزوجة أو الفتاة الشابة لارتدائهما الملابس ذات الماركات المعروفة والأسعار الخيالية التي لا يتحمّلها الأب أو الزوج، وبالتالي يعتبرها اهداراً للأموال وتضيف انه "من العيب أن نسعى وراء المظهر متناسين المضمون والأخلاق، فليس من العدل أن نصرف مالنا من أجل المظهر والملبس من دون أدنى سبب ملحّ، ونغفل بقيّة الحاجات الأُخرى من مأكل ومشرب وتوضح أن هناك مجموعة من الشباب، وحتى كبار السن، لا تستطيع شراء الماركات العالمية بسبب ارتفاع ثمنها فتلجأ الى شراء الماركات المقلّدة وتتباهى بها لتشعر أنها من طبقات المجتمع الراقي".
"الموضة" تخلق مجتمعاً استهلاكياً
يقول بعض الباحثين "الموضة" غزو ثقافي يحاول الغرب من خلاله خلق نموذج استهلاكي لشعوب العالم، بل إن هذه الشعوب نفسها وأمام إحساسها بالنقص والعجز تجاه التطور الاقتصادي الغربي، تعمد إلى اتباع هذه "الموضة" رغبة منها في التعويض والإشباع وتلعب التنشئة الاجتماعية دوراً أساسياً في هذا الأمر إذ نجد أن بعض الأسر تتسابق إلى اقتناء كل ما هو جديد في السوق، ليس من الألبسة فقط، وإنما من الفرش والأواني أيضاً، ويكتسب الأبناء هذه السلوكيات، فيتنافسون مع أقرانهم في الحصول على الإعجاب، وفي شراء منتجات تحمل رموز دور وشركات غربية، وانتقل داء الموضة حتى إلى حجاب المرأة، فأصبحنا نجد المحلات التجارية غارقة بألبسة للمحجبات لا تتوفر فيها في كثير من الأحيان شروط الزي الإسلامي.
إن اتباع الموضة يخلق مجتمعاً استهلاكياً تستنزف أمواله، وتحطم معنوياته، لأن الزينة والجديد تصبح همه الأساسي والوحيد، فيستغرق فيها وينسى بذلك الغاية الأولى التي خلق الإنسان من أجلها وهي العبادة والاستخلاف.
هوس الموضة ما ورائه
هذا الهوس أصبح داء عالميا، فإن بعض التقارير تتحدث عن نهايات مأساوية لبعض الشباب والشابات نتيجة الديون التي تراكمت عليهم بسبب عادات الشراء المرضية، وبسبب تأثرهم بحياة وسلوكيات النجوم والمشاهير وما تبثه وسائل الإعلام وبغض النظر عن المبررات التي تساق عن جودة تلك المنتجات وروعة تصاميمها وهي لا شك مبررات منطقية إلا أنها لا يمكن أن تفسر وحدها هذا الهوس.
لقد تبين من خلال بعض استطلاعات الرأي حول الدوافع الكامنة وراء الولع بشراء القطع المرتفعة الثمن ذات التصاميم العالمية أن المسألة أحيانا ترتبط بالكيفية التي ينظر فيها الأفراد في المجتمع إلى أنفسهم وإلى الآخرين، وإلى ما يمكن أن يمنحه المظهر من قيمة ورضا لهم، وكأن ارتداءهم الملابس والكماليات الباهظة يجعل الآخرين ينظرون إليهم بمنظار مختلف بمعنى أنها مسألة تتعلق بتقدير الذات، وأحيانا أخرى لها علاقة بوفرة المال والرغبة في إبراز القدرات المادية، أو تعويض نقص ما، أو بسبب الاضطرار إلى مجاراة الأقران والخضوع لضغوط المجتمع.
هل لدى الأغنياء من الناس هذا الولع؟ من التصورات الخاطئة عند الناس أن الأغنياء يميلون دائما إلى ارتداء الملابس الغالية، وقيادة السيارات الفارهة وغيرها من مظاهر الغنى، ولكن الحقيقة ليست كذلك، فكثير منهم لايحبون إثارة الانتباه، ولا إظهار الثراء، بل لايهمهم ما يقال عنهم، وحتى عندما يلبسون الغالي من الثياب فإنهم لا يتعمدون الظهور والبهرجة.
الشباب وجنون الموضة
باتت ثقافة الملابس وأناقة المظهر علما يدرس في دورات خاصة، كجزء من مهارات الاتصال والتواصل مع المحيط، كما هو الحال في نبرة الصوت، وطريقة الكلام، وغيرها من المهارات الأساسية واللازمة في خطة نجاح أي إنسان حيث تبين خبيرة مهارات الاتصال والقيادة الشخصية أن الانطباع الأول الذي يأخذه الشخص عن الطرف المقابل، يعتمد على ما يراه، والانطباع الأول يتم أخذه عن طريق اللباس والشكل العام، ثم بعد ذلك تأتي السلوكيات والأفعال لتعزز الانطباع الأول.
ظاهرة ارتداء الملابس المهترئة والمرقعة تحت الركبة أو فوقها أحيانا أمر ملفت في أوساط الشباب، وربما تصبح أحيانا من قبيل المساواة بين الغني والفقير عن غير قصد، كم أشعر أيضا بالخجل عندما أرى من يرتدي بنطلونا مرقعا سواء كان ذكرا أم أثني، ويكثر الخجل حينما ترتدي الأنثى ذلك النوع من البنطلون وتظهر جسدها الفاتن.
أصبحت رقع الملابس من الموضة الحديثة التي انتشرت كثيرا في الآونة الأخيرة حيث أصدرت بيوت الأزياء قطع ملابس مرقعة عند الجيوب أو الأكمام بموديلات مختلفة ومتنوعة، وأصبح سائدا مفهوم أن أكثر الملابس جودة وأكثرها تماشيا مع الموضة الحديثة أن ترتدي ملابس بالية مهترئة.
يرى المراقبون والخبراء أن الأمر يتجاوز رغبات الشباب، بل يعتبرون تلك الرغبات نتيجة وليست سببًا في مسألة ولع الشباب بالموضة، ففي عصر ثقافة الصورة التي تسود العالم، وفي عصر الفضائيات والإنترنت، أصبحت شركات الأزياء أكثر قدرة على الترويج لمنتجاتها وصراعاتها، واتخذت من الشباب فئة مستهدفة، فما أكثر المجلات والبرامج ومواقع الإنترنت؛ التي تعرض الجديد من كل موضة للشباب، وترغّبهم فيه، حتى أصبحت أخبار الموضة تنافس أكثر الأخبار الساخنة في مناطق الصراع.
لا يمكن لأحد أن ينكر أهمية الاعتناء بالمظهر الخارجي في التواصل الاجتماعي، ولا يمكن أيضاً الجزم بأن اللباس مجرد شكل لا يعكس باطن الإنسان، من المؤكد أن تشريع الإسلام وأمره بحسن المظهر والاهتمام بالهندام يتوافق كل التوافق مع الفطرة الإنسانية والطبيعة السوية التي يحرص عليها كل فرد ذو طبع سليم، رغم تباين الآراء حول موضع الموضة والهوس بها إلا أن المتأمل إلى واقع الشباب اليوم أن المظهر الخارجي أصبح من الأولويات التي يوليها الجميع من مختلف الأعمار والمستويات الثقافية الكبيرة من الاهتمام والوقت والمال.
اضافةتعليق
التعليقات