كانت الذكريات ما زالت تؤرق ذهني، وكأنها حدثت البارحة. كنتُ لا أزال طفلة صغيرة في الحادية عشرة من عمري، عندما كانت أمي تئن بألم مبرح، في بطنها المتقلصة . كان قلبي ينزف حزناً وخوفاً عليها، وأنا أراقب أبي وهو يأخذها بسرعة إلى الطبيب. لم أكن أفهم ما الذي يؤلمها، لكن الأطباء قالوا إنها تعاني من متلازمة القولون العصبي.
كانت تمسك بطنها بيديها المرتعشتين وتتقيأ بشراهة، أما أنا فكنت أشعر بالعجز وأنا أراها تتألم. كان الطبيب يعطيها مسكنات الألم والأدوية عبر الوريد . كنت أتمنى لو أستطيع أن أفعل شيئاً لأخفف عنها، لكن كل ما كنت أستطيع فعله هو أن أمسك بيدها وأقبلها بحنان، آملة أن تبتسم لي بتلك الابتسامة المصطنعة التي كنت أعتقد أنها ستشفي أمي.
كنت أرى أصدقائي الصغار في عمري يلعبون ويمرحون، لكن أنا لم أكن أجد نفسي منجذبة إلى تلك الألعاب. كل ما كان يشغل بالي هو خوفي من أن أفقد أمي. كانت السنوات تمر ببطء شديد، وأنا أراقب معاناة أمي وأتمنى لو أستطيع أن أفعل شيئاً لإنقاذها.
وأخيراً، أصبحت أنا نفسي أماً، وأدركت السبب الحقيقي وراء مرض أمي. كانت ضغوط الحياة قد تجاوزت طاقتها، وهي كانت تحاول أن تتحمل كل شيء من أجل أبنائها. كانت تخاف، لكنها تخفي خوفها. كانت تجوع، لكنها تدعي أنها لا تشعر بالجوع. كانت تبكي، لكنها تظهر وكأنها في حالة سعادة. كانت تشعر بالضعف، لكنها تزعم أنها قوية.
كانت تحتاج إلى من يسندها ويستمع إليها، لكن المأساة أنه لم يكن هناك من يفهمها أو يحتويها. حتى أبي، الذي كان يبدو مثالياً للعائلة، لم يكن شريكاً حقيقياً لها. لم يكن هناك من يستمع إليها ويتقاسم معها الأفراح والأحزان.
الآن، وأنا أنظر إلى الوراء، أدرك كم كان وضع أمي صعباً . كانت تتحمل الكثير من أجلنا .
آه، لو كنت أعلم حينها ما أعلمه اليوم، لربما كنت قد استطعت أن أقدم لها بعض الدعم و الراحة.
لقد أدركت أن بناء الأسرة الصحية والسليمة لا يتحقق إلا من خلال التعاون بين الزوجين. فعندما يحتوي كل منهما الآخر ويسانده، ستنمو بينهما علاقة متينة قائمة على الحب والاحترام والتفاهم. وهذا بدوره ينعكس إيجابياً على الأبناء، فينشأون في بيئة آمنة وداعمة، مما يساهم في تكوين شخصياتهم وتنشئتهم التنشئة السليمة .
اضافةتعليق
التعليقات