لا تزال الوحدة تنتشر بقوة بين الناس، فالتغيرات الحديثة والتطور السريع "فشلت في شرح انهيارنا الإجتماعي". وهذا التغير الهيكلي الذي رافقته أيديولوجية "تجاهل الحياة"، الذي فُرض علينا؛ بل ويحتفل بعزلتنا الاجتماعية، وهو يصور للإنسان حالة هروب من الواقع الاجتماعي، فهو ليس في حالة خضوع للواقع ولا مواجهة، يهرب من واقعه إلى عالم خاص من صنع المُخيَّلة، بل انجرف الكثير في دخول العالم الإفتراضي وسجل في صفحته مئات الشخصيات والعلاقات التي يظن أنها حقيقية، دون أن يجد ملجأً حقيقيًّا في العلاقات ولم يستطع الفرار من المشكلات التي تلاحقه على أرض الواقع.
وهي محاولة يائسة لا تزيده سوى حسرة وغربة، فهذا الوهم الذي صنعه لا يقل تعاسة عما كان عليه قبله، فالوهم نفسه أصبح سجنًا آخر.
إن مقياس النجاح الحقيقي للمرء، ليس فيما يبلغه دخله من عمله أو مقدار رصيده في المعارف، وما يملك من أطيان وعمارات لأن عنصر الحظ يلعب دوراً هاما في كسب المال، كما أنه قد يكون على حساب الشرف والكرامة والأخلاق، ولكن مقياس النجاح يستلزم كثيرا من الصفات الإنسانية التي تعزز النجاح في جميع ميادين الحياة، فالشخص الذي ينجح في تنمية شخصيته وعرف كيف يتحكم فيها، وكيف يتعامل ضمن سلوكيات ايجابية مع من حوله في المجتمع، ينجح كإنسان، ولكي نعيش كما ينبغي، لا يكفي أن نعيش لأنفسنا، وإنما يجب أن نعيش في إنسجام مع البشرية التي نحن منها. وايثار النفس في مداراة الناس ومد يد العون في مساعدة المحتاج، ولامجال للعزلة وإلابتعاد عمن حولنا وتجميد علاقات الأهل والمعارف.
فإن قضاء حوائج الناس له فضل عظيم، وهو من الأعمال الصالحة التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى؛ ليرفع رصيده من الحسنات، وينال مرضاة الله تعالى في الدنيا والآخرة، وينشر المحبة بين أفراد المجتمع، ويؤلف بين قلوب الناس، وثمة ترابط بين الأمور في هذا الكون فبعضها مترابط بالبعض الآخر، ولا يُمكن أن ننظر إلى شيء مابمفرده من دون النظر إلى ماسبقه وما سيلحق به.
كما إن المسلمين بصورة عامة وحدة متكاملة فإذا اشتكى عضو من أعضاء هذه الوحدة ينبغي أن تتفاعل معه جميع الأعضاء، يقول رسول الله صلى الله عليه وآله: "من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم"، فإذا رأينا مسلماً قد وقع في مصيبة أو أنه يعاني من مشكلة ولم نهتم به، أو نشعر أن لاعلاقة لنا بالأمر، فنحن لسنا مسلمين متكاملي الإيمان، لذا نرى أن المسلمين عندما أصيبو بهذه الحالة فإن أوضاعهم قد تغيرت، فوصلوا إلى ماوصلوا إليه. ويرى السيد" جعفر الحسيني الشيرازي" ثم عدّة أمور مطلوب العمل بها من أجل تعزيز وحدة وترابط المسلمين منها:
أولا: الإصلاح يقول الله سبحانه وتعالى (إنما المُؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم). فإذا حدثت مشكلة مابين المؤمنين أو بين المسلمين، فهؤلاء إخوة، فيجب أن نصلح بينهم ماتمكنا من ذلك فإذا حدثت مشكلة معينة بين أخ وأخيه، وبقيت من دون معالجة فسوف تتفاقم؛ لأن الأمراض دائماً تبدأ صغيرة، ثم تنتشر وتتفاقم إذا لم تعالج في بدايتها.
فإذا عرفنا أن هناك مشكلة بين مسلمَين جارين أو صديقين أو بين بلدين من البلدان الإسلامية فينبغي علينا الإصلاح بقدر الاستطاعة أي بما نتمكن عليه.
ثانياً: نصر المسلمين
إذا استنصرنا المسلمون المستضعفون فيجب علينا أن ننصرهم بالمقدار الذي نتمكن عليه، [وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصرُ]. فإن أمكننا مساعدتهم مالياً فلنساعدهم، وإن أمكننا مساعدتهم عسكرياً إذا هجم عليهم الأعداء فلنفعل ذلك، ويمكن أن نساعدهم بتوضيح حالة الظلم التي تقع عليهم في العالم، والدفاع عنهم، فكيف نكون مسلمين ونحن لا ننصر مسلماً؟! يقول رسول الله صلى الله عليه وآله: "من سمع رجلاً ينادي ياللمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم".
ووضح السيد جعفر إن كلمة (الاهتمام) مشتقة من الهمّ، والذي يعني الحزن، ف(أهمّني الأمر) بمعنى اقلقني وأحزنني، فإذا كنت لا أقدر أن أساعد المسلمين فليس هناك أقل من الحزن عليهم، أو الإهتمام بهم والدعاء لهم، فهذا الأمر ممكن. لذا علينا أن نهتم بأمور المسلمين، وهو سبيل إلى التوفيق الإلهي وإلا فإن أقل مانقوم به هو إظهار الحزن وبيان مظلومية المسلمين كما هو حال المسلمين المستضعفين في شتى بقاع الأرض كمسلمي بورما ومسلمي الهند والصين وشعب اليمن المظلوم والأمثلة كثيرة.
وينبغي على الإنسان أن يؤدي واجبه بقدر مايستطيع، وهذا هو المهم ومن لا يتمكن المساعدة بنفسه أو أمواله أو بلسانه ولكنه يتمكن من نصر المسلمين بمقدار قليل فيجب عليه أن يفعل ذلك، بل ليس الواجب نصر المسلمين فحسب، بل أيّ إنسان مضطهد يجب علينل أن ننصره! وفي الحديث الشريف: "الناس صنفان: إما أخ لك في الدين، وإما نظير لك في الخلق".
روى شعيب بن عبد الرحمن الخزاعي فقال: "وجد على الحسين بن علي"عليه السلام" يوم الطف أثر، فسألو زين العابدين عن ذلك فقال: هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين" وأما زين العابدين ف" فلما وضع على المغتسل نظروا إلى ظهره وعليه مثل ركب الإبل، مما كان يحمل على ظهره إلى منازل الفقراء والمساكين".
وكان أهل المدينة يقولون "مافقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين عليه السلام".
حثَّنا الله تعالى على السعي في قضاء حوائج الناس؛ لأن ذلك من وسائل التقرب إلى الله تعالى والحصول على الحسنات، وإن قضاء حوائج الناس المشروعة من أفضل وسائل فعل الخير، لا تحتقر عمل المعروف وإن كان بكلمة حق أو مقابلة أخيك بوجه طليق والتخفيف عنه بمشاركته أحزانه، ولا يعرف قدر ذلك الأجر إلا مليكٌ مقتدر.
اضافةتعليق
التعليقات