الديمقراطية تعد عملية من العمليات بقدر ما هي هدف من الأهداف، ولا يمكن لمثال الديمقراطية أن يتحول إلى حقيقة واقعة يحظي بها الجميع في كل مكان. الديمقراطية هي إحدى المثل العليا المعترف بها عالميا، كما أنها إحدى القيم الأساسية للأمم المتحدة.
وتهيء الديمقراطية بيئة مناسبة لحماية حقوق الإنسان وإعمالها على نحو فعال. وتبذل الأمم المتحدة جهودا كبيرة لدعم الديمقراطية وتعزيزها في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك: تعزيز الحكم الرشيد، ومراقبة الانتخابات، ودعم المجتمع المدني، وتعزيز المؤسسات الديمقراطية والمساءلة، وضمان حق تقرير المصير في البلدان المستعمرة، وتقديم المساعدة على صياغة دساتير جديدة في دول مراحل ما بعد النزاع.
وهكذا فإن تعريف الديمقراطية على إنها ”حكم الشعب نفسه بنفسه” هو تعريف لا يمكن أن يوجد له مجال للتطبيق إلا في تلك (المدن الفاضلة) التي وجد فيها متخيلوها نوعاً من الملجأ هربو إليه في متاهات “عالم الفكر” عندما لم يجدوا في عالم الواقع أية إمكانية لتطبيق آرائهم ومثلهم.
أما في العصر الحديث فإن مفهوم ”الديمقراطية” قد أرتبط بفكرة (الانتخاب) فإعطاء ”حق الانتخاب” لجميع أفراد الأمة رجالاً ونساءً كان يجسد المعنى الواقعي للكلمة. وما هو الانتخاب الذي يشكل جوهر الديمقراطية السياسية؟
إن الانتخاب معناه الاختيار. أن ينتخب الإنسان, معناه أن إمكانات عدة توضع أمامه ليختار ما يشاء. ولكن هل في إمكان كل فرد من أفراد الشعب أن يختار؟ الجواب كلا. بالتأكيد.
ليختار المرء يجب ان يكون حراً: أن يريد, ويعرف ماذا يريد, ولماذا يريد, ويملك القدرة على تحقيق هذا الذي يريد. وهنا توضع علاقة الحرية بالإرادة ”إن الحرية تصبح استعباداً واستغلالاً إذا كان هناك تفاوت في القدرة على التمتع بها. إن حرية الشعب لا تعني غير الاستبداد والاستغلال إذا كان أفراده يعيشون في أوضاع تتحكم فيها اللامساواة.
إن الديمقراطية هي شكل من أشكال الحكم السياسي قائم بالإجمال على (الانتخاب – التداول السلمي للسلطة – وحكم الأكثرية أو الأغلبية وحماية حقوق الأقليات والأفراد) فهي فلسفة وأسلوب حياة وشكل للحكم.
إن الديمقراطية تسعى إلى إدخال الحرية في العلاقات السياسية وعلى هذا الأساس فإن الديمقراطية هي نظام الحرية السياسية. إن جوهر الديمقراطية أن يختار الناس من يحكمهم وأن يكون لهم الحق في محاسبة الحاكم إذا أخطأ وحق عزله إذا انحرف وهذا هو جوهر الديمقراطية الحقيقية التي وجدت البشرية صيغ وأساليب عملية منه: الانتخاب – الاستفتاء العام – وترجيح حكم الأكثرية – وتعدد الأحزاب السياسية – وحق الأقلية في المعارضة – وحرية الصحافة – واستقلال القضاء).
إن الفكر الديمقراطي هو الدفاع عن حرية اختيار الحاكمين من المحكومين. إن للحكم الديمقراطي فوائد عدة تعود على المجتمع بشكل عام فهي تعمل على معاملة جميع الأفراد في المجتمع بشكل متساوٍ وتطبق مبدأ المساواة, وفي الوقت نفسه تعمل على سد حاجات الناس ومطالبهم, وتسمح الديمقراطية بإعطاء قوة للمجتمع من خلال التجديد وذلك بالتغيير السلمي للسلطة من باب الانتخابات.
فالديمقراطية تعد منهجاً في الحكم يهدف إلى وضع حد الثنائية الحاكم والمحكوم ووضع الدولة الحديثة التي يحكمها القانون وهي تعبر عن إرادة الشعب.
الديمقراطية وحقوق الإنسان وجهان لعملة واحدة؟
للوهلة الأولى تبدو حقوق الإنسان والديمقراطية في علاقة مواجهة وتناقض متوترة لا يمكن حلها: بينما تدافع حقوق الإنسان عن حقوق مجموعات وأقليات، يمكنها استخدام هذه الحقوق بالذات في مواجهة الغالبية، فإن الديمقراطية تُقِر وتَفهَم ضِمنا حُكمَ الأغلبية.
هل يمكن إذاً باسم الديمقراطية وتحت شعار سيادة الشعب الضغط على بعض الحقوق والحريات الفردية؟ هل يمكن اعتبار بعض المحاكم "غير ديمقراطية"، لأنها تشكك، وتطرح تساؤلات حول قرارات الأغلبية البرلمانية فيما يتعلق بحقوق الإنسان وحماية الأقليات؟ مثل هذه اللعبة بين الديمقراطية وحقوق الإنسان، بين الأكثرية والأقلية، تروج لها الأنظمة الاستبدادية وتروج لها أحيانا تحت شعار الديمقراطية الليبرالية، ويفوتها أن حماية حقوق الإنسان ليست عقبة، وإنما تمثل حالة الاستخدام الوظيفي للديمقراطية المستدامة.
حقوق الإنسان تضمن الانتخابات الحرة العادلة في ظل شروط المساواة السياسية. حقوق الإنسان تشكل ضمانة للعلاقات المنفتحة وحرية التعبير والرأي. حقوق الإنسان تؤمن التطبيق العملي للقرارات التي تمت على أساس ديمقراطي وتساعد القيادة الديمقراطية على تحقيق المزيد من الفعالية في الأداء. ومن خلال قيام حقوق الإنسان بضبط قوة الأغلبية، فإنها تتيح في الختام قبول الأفراد والأقليات للقرارات المتخذة على أسس ديمقراطية والتعايش معها: الديمقراطية تقدم للأقلية احتمال أن تصبح هي الأكثرية.
حقوق الإنسان تضمن للفرد حماية واحترام مصالحه، حتى في حال عدم انتمائه للأغلبية. وكما أن حقوق الإنسان يمكنها الانطلاق والترسخ في ظل المناخ الديمقراطي، فإنه لا يمكن تصور السلطة الديمقراطية المستدامة بدون احترام وحماية وتحقيق حقوق الإنسان. حقوق الإنسان والديمقراطية ليستا في أي تناقض أو تعارض، وإنما تشكل كل منهما شرطا لقيام ونجاح الآخر ضمن المجتمع السياسي. ومن خلال تأثيرها المشترك تتيح للفرد حياة تقوم على أساس حرية تقرير المصير الذاتي والجماعي. لهذا فإن حماية وتحقيق حقوق الإنسان تشكل حقا أساس المشروع الديمقراطي.
حقوق الإنسان
منذ أن ولد الإنسان ولدت معه حقوقه. لكن الوعي بهذه الحقوق والاعتراف بها ومن ثم التمتع بها اتخذ مسيرة طويلة في التاريخ البشري. وستبقى مسيرة حقوق الإنسان مستمرة طالما وجد الإنسان على هذه الأرض. وسيزداد الوعي بحقوق الإنسان وسيتنامى الاهتمام بهذه الحقوق ونوعية هذه الحقوق مما يعني ولادة حقوق جديدة. كما ينبغي أن ندرك أن حرمان الإنسان من حقوقه أمر لا يمكن استبعاده طالما ظل الظلم من شيم بعض النفوس البشرية, لكن مسيرة الإنسان في تاريخ البشرية حققت مكاسب كبيرة ويعود الفضل في ذلك إلى نضال الأفراد والشعوب عبر التاريخ ضد الظلم والطغيان, ولقد ساهمت الشرائع السماوية والحضارات القديمة في وضع بذور مسيرة حقوق الإنسان منذ زمن بعيد.
فحقوق الإنسان هي المعايير الأساسية التي لا يمكن للناس من دونها أن يعيشوا بكرامة كبشر, إن حقوق الإنسان هي أساس الحرية والعدالة والمساواة وإن من شأن احترام هذه الحقوق أن تتيح إمكانية تنمية الفرد والمجتمع تنمية كاملة, وتمتد جذور تنمية حقوق الإنسان في الصراع من أجل الحرية والمساواة في كل مكان في العالم, ويوجد الأساس الذي تقوم عليه حقوق الإنسان مثل احترام حياة الإنسان وكرامته في أغلب الديانات والفلسفات.
خصائص حقوق الإنسان
1- حقوق الإنسان لا تشترى ولا تكتسب ولا تورث , فهي ببساطة ملك الناس لأنهم بشر, فحقوق الإنسان (متأصلة) في كل فرد.
2- حقوق الإنسان واحدة لجميع البشر بغض النظر عن العنصر أو الجنس أو الدين أو الرأي السياسي أو الأصل الوطني أو الاجتماعي.
3- حقوق الإنسان لا يمكن انتزاعها, فليس من حق أحد أن يحرم شخصاً آخر من حقه حتى لو لم تعترف بها قوانين بلده, أو عندما تنتهكها تلك القوانين فحقوق الإنسان ثابتة و(غير قابلة للتصرف).
حقوق الإنسان الأساسية هي:
1- حق الحياة والحرية فمن دون الحياة لا يتمكن الإنسان من ممارسة حقوقه الأخرى.
2- حق الرأي وحرية الكلام ينشأ هذا الحق من طبيعة الإنسان إذ إن القدرة على الكلام ضرورة لتكوين المجتمع.
3- حق العقيدة, يقصد بالعقيدة أي الدين والتدين فلا يزال حق العبادة مقيداً في بعض الدول مثلا (بورما تمنع حرية العقيدة وتحارب الإسلام). لكن حرية العقيدة لها قواعد وقيود منها ألا تكون العقيدة منافية للأخلاق.
4- حرية العمل السياسي والانتماء للأحزاب وتكوين الجمعيات والاشتراك فيها.
5- حق تكوين الأسرة, إن العائلة هي الأساس لوجود الجنس البشري لذلك وجب على الدولة أن تحافظ على الحقوق العائلية.
6- حق الخصوصية وهو حق الإنسان في أن تحترم الحياة الخاصة به.
7- حق التنقل بمعنى إمكانية الإنسان تغيير مكانه تبعاً لمشيئته.
ارتباط الديمقراطية وحقوق الإنسان
تعتبر الديمقراطية أسلوب في الحكم وهي جزء من حقوق الإنسان فالديمقراطية ليست غاية في حد ذاتها بل هي وسيلة لتسير دفة الحكم والعيش بسلام والحفاظ على كرامة الإنسان وحريته وعلى الديمقراطية أن تتيح للحريات أجواء واسعة للتعايش مع حرية الآخرين.
إن هدف الديمقراطية تحقيق الحرية السياسية والتي بدورها تحقق العدالة الاجتماعية والاعتراف بالآخر من خلال حل جميع مشاكل الإنسان وإرجاع حقوقه إليه, وذلك لأن أغلب الصعوبات التي تعرض لها الإنسان هي مشكلة الحكم وتسلط الأفراد على الشعوب التي عانت من تلك السياسات مما أدت إلى انهيار في كثير من المجتمعات الإنسانية على مدى التاريخ بشكل عام.
وتسعى الديمقراطية إلى حماية حقوق الإنسان الأساسية, وفي طبيعة الديمقراطية تدعوا إلى الحوار الصريح والإقناع والوصول إلى الحلول بدلاً من الكراهية أو التهديد من السلطة. ففي الأجواء الديمقراطية تظهر اختلاف الآراء ومن ثم الاتفاق على الرأي الصحيح ومعالجة الخلل إن وجد وتساعد الديمقراطية السائدة في المجتمع على الحفاظ على حقوق الإنسان كافة ومن ثم وتساعد على بناء حالة من الاستقرار السياسي وانخفاض مستويات الفقر وبناء فرص جديدة لكل المجتمع.
اضافةتعليق
التعليقات