اتصف حكم الإمام علي عليه السلام بالعدل والتسامح وتطبيق حدود الله سبحانه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد كان عليه السلام يتصف بنزعة إنسانية لم يبلغ مداها أحد غيره من البشر. واهتم عليه السلام في جميع فئات المجتمع واعطائهم حقوقهم كاملة.
حرزت المرأة على نصيب كبير من الاهتمام في عهد الإمام علي عليه السلام فقد نالت كامل حقوقها وحريتها الإنسانية المشروعة، وكامل كرامتها ويتجلى تقدير الإمام علي (عليه السلام) للمرأة، واحترامه لشخصيتها، واعترافه بإنسانيتها ودورها، من خلال سيرته العمليّة وحضور المرأة اللافت في حياته الخاصة والعامة.
فقد أعطى عليه السلام دروسا في الحياة الإجتماعية والأسرية من خلال علاقته الجميلة والعظيمة بسيدة نساء العالمين زوجته السيدة فاطمة الزهراء فكانت علاقتهما متسمة بروح التواضع، وروح المحبة، وروح الاحترام المتبادل بين الرجل والمرأة. كان الإمام علي عليه السلام يجلّها ويحترمها ويقدّرها أفضل تقدير ويكرمها أفضل تكريم، ويقاسمها العمل في البيت، ولم تبدر منه تجاهها كلمةٌ واحدةٌ تؤذي مشاعرها، أو تحطّ من كرامتها.
كانت سيدة نساء العالمين (عليها السلام) مصدر الأنس والراحة للإمام علي وقد عبر عليه السلام عن هذا المعنى خير تعبير عندما قال فيما روي عنه: «فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمرٍ حتى قبضها الله عز وجل إليه، ولا أغضبتني ولا عَصَتْ لي أمراً، ولقد كُنْتُ أنظرُ إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان». فلاحظ المقطع الأخير من كلامه (عليه السلام) لتعلم مكانة الزهراء (عليها السلام) عند أمير المؤمنين.
عندما نخوض في سيرة الإمام علي عليه السلام نرى معاملته لبناته عليهن السلام وعلى رأسهن عقيلة بني هاشم السيدة زينب عليها السلام التي ترعرعت على يد أبيها الإمام علي عليه السلام فقد نشأت على يد والدها لتكون رمزا للمرأة المسلمة التي وقفت جنب اخوتها في واقعة الطف لتسجل مواقف مشرفة، وتمكنت من الدفاع عن فلسفة ثورة الحسين بعد استشهاده (ع) ومن ثم القيام بهجوم فكري على قاتليه أدى إلى انضاج روح الثورة في الأمة الإسلامية سواء على الصعيدين النظري أو العملي.
أسهمت مدرسة الإمام الفكرية والعلمية بتوعية المرأة من الناحية السياسية، بل إن بعض النساء قد بلغن درجة عالية من النضج السياسي فقد واجهن معاوية بمظالمه امتزن بالدقة في تشخيص اخطائه وتلمس الاختلاف والتباين بين خط دولة الامام والخط الأموي، وأعتقد أن ايمان الإمام بحق المرأة في المشاركة السياسية اظهر لنا في السيدة زينب عليها السلام.
إن سياسة الإمام علي عليه السلام هي الحفاظ على الحقوق الأجتماعية والقانونية للمرأة وفق المنهج الإسلامي فقد دعا عليه السلام إلى ممارسة المرأة دوراً ايجابياً في بناء وترسيخ العلاقات الإنسانية، لاسيما في مجال الأسرة والعمل والمطالبة بكافة حقوقها.
فقد شمل عليه السلام المرأة بحق الضمان الإجتماعي، حيث كان (ع) يقول للسيدة فاطمة الزهراء: "رزقك مضمون، وكفيلك مأمون" ونرى من هذه العبارة ما هو أوسع من ما أوجبه الشرع على الزوج من نفقة، بل هو لبنة أساسية لنظام الضمان الإجتماعي الذي دعا إليه الإمام كحق من حقوق الإنسان، ومع ذلك فإن الإمام قد أثنى وبارك عمل المرأة فعن: "أم الحسن النخعية قالت: مر بي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) فقال: أي شيء تصنعين ياأم الحسن؟ قالت: اغزل، فقال: أما إنه لأجل الكسب"، وسئل الإمام عن امرأة مسلمة تمشط العرائس ليس لها معيشة غير ذلك، وقد دخلها ضيق؟ قال "لابأس" وذلك مما يوضح شرعية عمل المرأة لدى الإمام علي عليه السلام.
اهتم الإمام علي عليه السلام بحقوق المرأة المسلمة من جميع النواحي وخاصة حقوق الزوجة وحق العشرة الحسنة وفقا لما جاء في القرآن الكريم.
حق العشرة الحسنة: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}[النساء: 19].
لأن تدهور العلاقات بين أفراد الأُسرة يعود بالأساس إلى المرأة الأم، التي هي في واقع الأمر عبارة عن العُنصر الذي يجمع ويربط أفراد الأسرة الواحدة بعضهم ببعض، ومتى ما تعرّض هذا العنصر لما هو سلبي، يبدأ العد العكسي لذهاب اللّحمة الأسرية وبالتبع تدهور في العلاقات الأسرية، التي قد تصل في الأخير إلى درجة الانهيار والتفكك الأسري وبناء الحياة الأسرية.
انطلاقا من العقيدة الإسلامية التي لا تريد أن تسلب أنوثة المرأة، والتي تؤطرها في ضمن دائرة العلاقة الزوجية، فإنه (عليه السلام) تعامل بشفافية وشعور انساني نبيل وواقعي في الوقت نفسه حين يقر بحق المرأة بحياة جنسية طبيعية في اطار علاقتها الزوجية مخالفا بذلك آراء بعض الفقهاء الذين يقصرون هذا الحق للرجال فقط بل إن الامام علي عليه السلام يصر على تنبيه المجتمع لهذه المسألة، وبلغ من تفاعل المجتمع مع دعوة الإمام وتأثره بها إن شعرت المرأة بالثقة والمشروعية للمطالبة بحقوقها في هذا الجانب واستجاب النظام القانوني في دولة الإمام فقضى بتطليق الزوج الذي يثبت عجزه الجنسي وشخص الإمام الآثار السلبية لتجاهل هذا الحق على المجتمع حيث قال لأحدهم بعدما شكت زوجته عجزه: " هلكت واهلكت"، وهذا يدل على تعامل الامام الإيجابي مع حقوق المرأة ورعايته لشؤونها المختلفة.
وفي ضوء ما تم ذكره عن حقوق المرأة المسلمة في عهد الإمام علي عليه السلام، يتبين فكر الامام عليه السلام تجاه نشأة المرأة المسلمة لتكون ذو شخصية مؤثرة في المجتمع ولها كيانها وحقوقها التي يجب أن تطالب بها بكل عزم وثبات وقد أبرز عليه السلام دور المرأة الفاعل في المجتمع ولاسيما أنها اللبنة الأساسية في المجتمع والشريك الأساسي في حق تكوين الأسرة وتربية الأطفال وصيانة حقوقهم، وخير دليل على ذلك وصيته الأخيرة لابنه الحسن عليه السلام التي جاء فيها: الله الله فی النساء وفیما ملكت أیمانکم، فإنّ آخر ما تکلّم به نبیکم علیه السلام قال: أوصیکم بالضعیفین، النساء وما ملکت أیمانکم.
اضافةتعليق
التعليقات