يروى ان هناك قافلة كبيرة للمسلمين بقيادة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله
في السنة العاشرة من الهجرة، الموافق 632 ميلادي، قررت أداء فريضة الحج، والتي سُميت بحجة الوداع، وحجة الكمال، وحجة التمام، فاجتمع المسلمون من كل حدبٍ وصوب ليشهدوا مع نبيهم آخر أركان الدين، وبعد فراغها من مناسك الحج.
نزل جبريل عليه السلام بالآية الشريفة على قلب النبي: "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ"، وفيها أمرٌ إلهيٌ واضحٌ وحازم بتبليغ أمرٍ خطير طالما تردد النبي عن الإفصاح به خشية التكذيب واتهامه بمحاباة الإمام علي، لكن التوجيه واضح وصارم، وعدم تبليغه يعني أن كل ما قام به في الـ 23 سنة من عمر الدعوةإالى الإسلام لا قيمة له.
اكملت تلك القافلة الكبيرة مناسك الحج وعادت إلى ديارها، ولكن قبل أن تتفرق تلك القافلة وكل جماعة ترجع لبلدها المنشود أمر زعيمها أن يُقام له منبرا في وسط الصحراء تحديدا في منطقة الجحفة وهي المكان الذي تتشعب فيها طرق المدنيين عن غيرهم، ولعل اختيار المكان كان لعلة وهي أن التبليغ لابد أن يكون على مسمع جميع المسلمين، لا فقط على مسلمي المدينة.
كما أمرهم بالتجمع والإنصات لما سيتم قوله. هنا توقف المسلمون أجمع وكلٌ تبادر لذهنه سؤال، تُرى ما هذا الأمر الذي استوقف رسول الله في هكذا مكان؟ يتساءلون ووجوههم تملئها الحيرة وفي نواظرهم ألف تفسير وتفسير.
وبعد انصات عم جميع الموجودين وأعينهم تنظر للنبي ماذا يفعل وأسماعهم ترتقب لما سيقولهُ، أخذ النبي صلى الله عليه وآله يرتقي المنبر فوصل لآخره ونظر فيهم ثم خطب قائلاً: (أيها الناس، إني أوشك أن اُدعى فأجيب. وإني مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت ونصحت وجهدت فجزاك الله خيراً…، (فارتفعت أصوات المسلمين بالبكاء والنحيب لأنهم سوف يفقدون رسول الله صلى الله عليه وآله.
ثم واصل النبي خطبته قائلاً: (يا أيها الناس أ لم تشهدوا أن لا إله إلا الله- و أن محمدا عبده و رسوله وأن الجنة حق وأن النار حق و أن البعث حق من بعد الموت- قالوا: [اللهم] نعم، قال: اللهم اشهد، ثم قال: يا أيها الناس إن الله مولاي- وأنا أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، ألا من كنت مولاه فعلي مولاه - اللهم وال من والاه، و عاد من عاداه) ..
ومن الواضح أن النبي صلوات الله عليه وآله فقد أراد التأكيد لأمته عبر التاريخ بأن الولاية أخت النبوة، ولا عجب أن تكون الإمامة أصلٌ من أصول الدين، التي لا يجوز التهاون فيها، لأنها امتدادٌ للنبوة، وسياجها المنيع ضد الأعاصير الأهوائية.
وأراد كذلك من تتويج الإمام علي في غدير خم التوضيح لأمته أن الولاية مرتبطةٌ بالقيم الإسلامية الأصيلة، والتمسك بها يعني التمسك الصادق بالقيم الإسلامية الأصيلة التي دعا إليها، والتنكر للولاية يعني التنكر لما دعا إليه طيلة 23 عاماً.
وأراد من واقعة الغدير حفظ رسالة السماء وديمومتها واستمراريتها، والنأي بالأمة عن مزلات القدم، ومنع الاختلاف بعد رحيله.
إذن فنحن أمام أهم حدث في تاريخ الإسلام، به تم الدين واكتمل من الناحية النظرية والعملية، وبه صار الإسلام مِنهاجاً كاملاً، مَرضياً عند الله.
جعلنا الله واياكم من الثابتين على نهج محمد وآله ومن المتمسكين بولاية أمير المؤمنين عليه السلام.
اضافةتعليق
التعليقات