إن من ملامح حكايتنا التكاملية كبشر هي الاعتقاد بسنة الابتلاء، ففي رحلتنا هذه لا يُمكن أن نجتاز الحياة الدنيا بفلاح دون أن نمر بسلسلة من الاختبارات الخاصة منها والعامة، والتي لكل امرأة منها نصيب، ولكن عليها أن تعرف ما هو؟ لتنفذ منه بأخذ العبرة؛ فتتجاوزه ليس بالصبر عليه فقط، بل بالارتقاء به، فوجود هذه النظرة مهمة جداً لتحقيق الاستعداد النفسي في ما نمر به من ظرف وفتن.
أصناف النساء وفق استعدادهن النفسي تجاه إدارة الأزمات:
الصنف الأول: تلك التي أوت إلى [كهف التهويل]، وتعظيم هذه الفتن والابتلاءات، فرأت أنها أضعف منها، وهي واقعت عليها ومهلكة لها لا محال!! فأفرطت بالخوف واستسلمت لها، فهي من أهل الاستسلام لا التسليم، ولن تخرج منه إلا بخسارة نفسية ومادية كبيرة.
الصنف الثاني: تلك التي أوت الى [كهف التهوين]، فرأت إن الفتن لا شيء، فلم تتوقى وتحفظ نفسها وفكرها، وهي بذلك تكون عرضة للوقوع بخسائر أكبر، وقد تصاب بغفلة لا تستفيق منها، على أثر عدم اللامبالاة، وعدم تحمل مسؤولية كونها فرد له دوره على مستوى الشخصي والعام.
الصنف الثالث: هي التي هجرت هذين الكهفين، وأفلتت من هاتين الهائين (هاء التهويل والتهوين)، وتمسكت بهاء التهليل (أن لا إله إلا الله)، أوت إلى [كهف المهيمن الرحيم]، وهذا هو الصنف الذي على المرأة المهدوية أن تكون منه.
وهذا الكهف امتداده هو إمام الزمان (عج) كما نقرأ في حديث -معروف ومطول نأخذ منه شاهدنا الذي بُين به ارتباط الإمامة بالتوحيد- عن إمامنا الرضا (عليه السلام) أنه قال: «لا إله إلا الله حصني، فمن دخل حصني أمن (من) عذابي، فلما مرت الراحلة نادانا قائلاً: بشروطها وأنا من شروطها](١).
وكما نقرأ في الزيارة الجامعة الكبيرة: [السَّلامُ عَلَى أَئِمَّةِ الْهُدَى، وَكَهْفِ الْوَرَى](٢)، فالإمام الحجة (عج) هو مشمول بهذه العبارة، وهو كهفنا الذي لابد أن نلجأ إليه ونأوي له من فتن هذه الدنيا، كما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قيل له: «يا أمير المؤمنين نبئنا بمهديكم هذا؟ فمما ذكره في وصفه إنه: «أوسعكم كهفًا، وأكثركم علمًا، وأوصلكم رحمًا،...».(٣)
من سُبل إدارة المرأة للاختبارات/ الفتن الدنيوية
السبيل الأول: الاعتزال الفكري، قال تعالى: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا}(الكهف:١٦).
ونحن نقرأ عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) قال: «من أصغى إلى ناطق فقد عبده فإن كان الناطق عن الله فقد عبد الله، وإن كان الناطق ينطق عن لسان إبليس فقد عبد إبليس» (٤)، المرأة الواعية هي التي تعتزل كل فكرة تسحبها إلى التهويل، وأي فكرة تجرها إلى التهاون؛ فتسبب لنفسها الهلاك ولغيرها، فلا تخرج بذلك عن طاعة ربها، بل تأوي إلى الكهف الذي يجعل فكرها سليماً وتفكيرها واعياً؛ فالمرأة كالمرآة؛ كل ما تعتقد به وتسلكه وتشعر به ينعكس على محيطها، وأفراد أسرتها، وهذه مسؤولية ليست بالقليلة أو الهامشية!
السبيل الثاني: الاعتزال العملي المعتدل، عندما تسعى المرأة المؤمنة من تحقق هذه العقيدة في نفسها التي نتلوها بقوله تعالى: {فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(التوبة:١٣). فالبلاء مهما عظم، هي لا تخشَ سوى الله تعالى، وهذه الخشية عند صاحبة الإيمان يُحقق التوازن السلوكي في نفسها، فتنتفي عندها الخشية أو الخوف المذموم الذي يصل إلى درجة الذهول بوقوع بلاء أو مكائد عدو من الأعداء.
إذ إن خشية المؤمنة موجبة لليقين النفسي بأن الأمر كله لله تعالى، وإن هناك إمام خلفه تعالى ليكون راعيا وحاميا وحافظا لنا؛ وهو (عج) القائل: «إنّا غيرُ مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللاّواء، واصطلمكم الأعداء، فاتقوا الله جلّ جلاله وظاهرونا» (٥)، لتعيش السكينة والاطمئنان في واقعها.
وبذات الوقت هذه الخشية تحفزها للعمل بالأسباب فلا تخالف قوانين الكون، أي لا تعتمد على الحفظ الغيبي فقط، بل تعمل بأسباب لتنجوا وتكون بمأمن؛ فمتى ما كانت من أهل التعلم والوعي والفهم لرسالتها، وغاية وجودها في هذه الحياة؛ عندئذ ستكون مصداق لقوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَىٰ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا(٨٨)ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا}(الكهف:٨٩).
لذا علينا أن ندرك أن الأزمات من ميزاتها أنها تكشف ظهور حقيقة ما ندعيه ونجسده من طاعة وإيمان ومعرفة بالرحمن، وارتباط والتجاء بكهف وصاحب هذا الزمان.
__________
اضافةتعليق
التعليقات