في عالم يمكن أن تبدو فيه إمدادات الطاقة معرضة بشكل متزايد للخطر، أخذ زوجان، يعيشان في جبال مقاطعة كولومبيا البريطانية في كندا، الأمور على عاتقهما.
تقوم كيتي إريكسون وغريغ موني ببناء منزل أحلامهما في مكان لا تصله شبكة الكهرباء.
هدفهما هو تحقيق الاكتفاء الذاتي قدر الإمكان، وبالتالي قاما بتركيب ألواح الطاقة الشمسية وبطاريات ومولد احتياطي.
يقول موني: "لا نرى تراجعا في الكوارث الطبيعية في منطقتنا"، في إشارة إلى العواصف وحرائق الغابات. وتقول إريكسون: "عندما يكون هناك انقطاع للتيار الكهربائي في الجوار نحن لا نتأثر مطلقا".
نظام الطاقة الشمسية الذي يستخدمانه بقوة 2100 واط، وهو قوي بما يكفي لتشغيل ثلاجة صغيرة وغسالة وأجهزة كمبيوتر محمولة، كما يقولان، مضيفين أنهما يأملان في مضاعفة قدرتها على توليد الطاقة الشمسية ثلاث أو أربع مرات في المستقبل.
خلال فصل الشتاء، يعتمد الزوجان على مولد صغير يعمل على الغاز، وقد قاما بتوثيق تجاربهما على قناة عبر موقع يوتيوب تسمى "حياة خارج شبكة الكهرباء"This Off Grid Life.
قد يعتقد البعض أن هذا النهج مناسب فقط لعدد قليل من الخارجين عن السرب الذين يحلمون بالعيش بمفردهم في الغابة، لكن تغير المناخ يجعل الظواهر الجوية شديدة الحدة أكثر شيوعا، ويدفع الكثيرين إلى إعادة النظر في أمن الإمدادات.
مع ارتفاع تكلفة الطاقة في أجزاء كثيرة من العالم، والذي يعزى جزئيا إلى الحرب في أوكرانيا، من الممكن أن يفكر المزيد من الأشخاص في تركيب ألواح الطاقة الشمسية وأنظمة البطاريات لخفض تكاليفهم - أو حتى الاستغناء الكامل عن شبكة الكهرباء الرئيسية.
تقوم المؤسسات والمجتمعات بالفعل بتركيب شبكات طاقة مصغرة يمكنها الاستمرار في العمل حتى مع الطقس القاسي أو الكوارث الأخرى التي تعطل الإمداد الرئيسي.
يطلق على ذلك اسم "نموذج الجزر" وهو نموذج يعتمد على محطات الطاقة التي تعمل بمعزل عن شبكة توزيع الكهرباء الوطنية أو المحلية.
عندما ضربت عاصفة شتوية شديدة ولاية تكساس الأمريكية في فبراير/ شباط 2021، اعتمدت جامعة تكساس في أوستن على مصادر الطاقة الخاصة بها وعلى الشبكة المصغرة لتجنب فقدان الطاقة، على الرغم من انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع في الجوار.
ماذا لو كان بمقدور مدرستك المحلية أو حتى منزلك فعل ذات الشيء؟
تقول كاثرين هاماك، مديرة المشاريع الخاصة في شركة غرين بزنس سيرتيفيكيشن (Green Business Certification Inc.): "أعتقد أننا نسير وإن كان ببطء إلى النقطة التي يمكن أن يكون فيها لكل حي شبكة صغيرة، إذ إن تغير المناخ يدفع الناس إلى البحث عن حلول بديلة".
ويعد هذا الأمر شائعا ويكتسب شعبية متزايدة في الولايات المتحدة. إذا أخذنا مدينة فيرفيلد في ولاية كونيتيكت على سبيل المثال، وبالتحديد بعد إعصار إيرين في عام 2011، بدأ المسؤولون في البحث عن طرق لضمان استمرار عمل بعض الخدمات الأساسية في حال وقوع كارثة مماثلة.
إذا انقطعت الشبكة الرئيسية، فإن البلدة لديها الآن نظام "ميكروغريد" (شبكة صغيرة من مستخدمي الكهرباء ذات مصدر إمداد محلي تكون عادة مرتبطة بشبكة وطنية مركزية ولكنها قادرة على العمل بشكل مستقل)، والذي يتضمن مولد الغاز وألواح الطاقة الشمسية، ويمكن أن يوفر الطاقة لمقر الشرطة ومركز الإطفاء، ومأوى للمشردين، ومركز اتصالات الطوارئ وبرج تقوية الإشارة للهواتف المحمولة.
تقوم بعض الشركات الآن بتصنيع أنظمة الشبكات المصغرة، بحيث تكون جاهزة للاستعمال أثناء الأزمات.
عندما ضرب إعصار "ماريا" بورتوريكو في عام 2017، وتسبب في قطع إمدادات الكهرباء في جميع أنحاء الجزيرة، قدمت شركة "بوكس باور" (BoxPower) الأمريكية لوحة طاقة شمسية ونظام شبكة مصغرة، وقد استخدمت هذه التكنولوجيا الناجعة لإعادة إمدادات الكهرباء في مدرستين ومركز مجتمعي.
نفس المجموعة موجودة حتى يومنا هذا، ويتم تفعيلها تلقائيا عندما تكون هناك مشكلة في شبكة الطاقة الرئيسية. يقول أنجيلو كامبس، الرئيس التنفيذي والمؤسس لشركة بوكس باور: "هذه المدارس الآن لا تنقطع عنها الكهرباء مطلقا".
وقد عملت شركة بوكس باور منذ ذلك الحين مع شركات المرافق في كاليفورنيا لإنشاء أنظمة شبكة مستقلة لبعض المجتمعات النائية. على سبيل المثال، اعتاد مجتمع برايسبرغ (Briceburg) - وهي منطقة في ولاية كاليفورنا غير تابعة لأي بلدية - على تلقي الكهرباء عبر كابلات الطاقة الطويلة الممتدة على أعمدة عالية لتنقل الطاقة من الشبكة الرئيسية عبر الغابات والتلال. لكن هذه الكابلات كانت عرضة للتلف بفعل حرائق الغابات، كما يوضح كامبس.
ويقول: "إنهم يستبدلون الكابلات بنظام طاقة شمسية وبطارية ومولدات خارج الشبكة يوفر 100 في المئة من الطاقة لهم".
بعبارة أخرى، أصبح ذلك المجتمع الآن منفصلا تماما عن الشبكة الرئيسية. ومن الناحية النظرية، يجب أن يصبح مصدر الطاقة الذي يعتمد عليه، كونه مستقلا، أكثر استقرارا من ذي قبل. كما أنه أكثر حفاظا على البيئة، إذ تأتي 80 إلى 90 في المئة من الكهرباء الآن من مصادر الطاقة المتجددة.
تقول سارة ووكر، أستاذة الطاقة بجامعة نيوكاسل، إن هناك بعض الأمثلة على شبكات صغيرة على غرار "نموذج الجزر" في المملكة المتحدة، مثل مركز التكنولوجيا البديلة في مقاطعة ويلز، لكنها نادرة.
وتوضح قائلة: "من الناحية العملية، لا يسمح مشغلو الشبكات باستخدام تلك النماذج في الوقت الحالي، لأن الأمر يعني أن هذا الجزء من الشبكة من المحتمل أن يكون متوفرا في الوقت الذي يقومون فيه بالإصلاحات".
يتطلب تركيب الشبكات المصغرة التي يمكن أن تعمل بشكل مستقل عن الشبكة الرئيسية أجهزة وإجراءات إضافية بشأن وقت وكيفية الانفصال عن الشبكة الرئيسية، كما يضيف البروفيسور، هونغجان صن، من جامعة دورهام بالمملكة المتحدة، وهو مهندس متخصص في شبكات الطاقة وإمدادات الطاقة.
وقد قال متحدث باسم جمعية شبكات الطاقة في المملكة المتحدة إن شبكة الكهرباء هنا أكثر مرونة من تلك الموجودة في الولايات المتحدة، لكن وعلى الرغم من ذلك فإن نموذج "الجزر" يحدث أحيانا.
ويقول أنجيلو كامبس إن الحلول التي تعتمد على الشبكات المصغرة المستقلة تماما عن الشبكة الرئيسة قد تكون الأنسب للأسر النائية أو المجتمعات الصغيرة المعزولة، بينما في المناطق الحضرية قد يكون من الأسهل والأرخص الاعتماد على شبكة من البطاريات الكبيرة التي يمكن أن تزود الشبكة الرئيسية بالطاقة في حال حدوث عجز ما.
ولكن أيا كان الحل، فإنه مع استمرار تغير المناخ و ما تفرضه العوامل الجيوسياسية من تهديد على استقرار إمدادات الطاقة، التي اعتبرناها لفترة طويلة أمرا مفروغا منه، يمكن القول إن الإغراء بامتلاك البنية التحتية الاحتياطية بشكل أو بآخر يزداد يوما بعد يوم.
ويبدو أن أولئك الذين يعتمدون على مصادر بديلة للطاقة مدركون تماما لما يفعلونه.
تقول كيتي إريكسون: "يجب أن يكون لدى كل شخص خطة بديلة كي يشعر بالأمان والاستقرار".
ويضيف زوجها غريغ موني: "العالم يتغير، ونحن بحاجة إلى التغير لمجاراته". حسب بي بي سي
اضافةتعليق
التعليقات