الرؤية الإسلامية المتميزة للمرأة، والتي تقوم المرأة من خلال انسانيتها وقدراتها وإنجازاتها، ولا تعتبر أنوثتها معوقا، ولا نقطة ضعف تقعد بها عن بلوغ أي مستوى من التقدم والكمال..
هذه الرؤية دفعت بعض العلماء للنقاش حول موضوع نبوة المرأة، وأنه لا مانع من أن يمنح الله تعالى رتبة النبوة لبعض النساء، فمن الناحية العقلية حين يبحث علماء الكلام الصفات التي يجب أن تتوفر في النبي، فإنهم لا يعتبرون الذكورة شرطا، حيث لا يمتنع عقلا أن تكون المرأة نبية، وإذا كانت هناك آيات في القرآن تفيد أنه من الناحية الفعلية كان الرسل رجالا كقوله تعالى: "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم".
فإن العديد من العلماء والمفسرين قد أشاروا إلى أن المقصود بالرجولة هنا هو البشرية، في مقابل توقع البعض أن يكون الأنبياء فوق مستوى البشر كأن يكونوا ملائكة، يقول تعالى: "فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة".
قال ابن عاشور في تفسير قوله تعالى: "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم":
(الرجال: اسم جنس جامد لا مفهوم له. وأطلق هنا مرادا به أناسا كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه" أي إنسان أو شخص فليس المراد الاحتراز عن المرأة).
ويؤيد ذلك ما ورد في القرآن الكريم من استخدام كلمة (رجل) بمعنى إنسان كقوله تعالى: "رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله" وغيرها، فإن المقصود هنا بالرجل والرجال ليس الذكور في مقابل الإناث كما هو واضح.
وأيضا فإن هناك من يفرق بين الرسول والنبي، على أساس أن كل رسول مطلوب منه التبليغ والدعوة، بينما لا يلازم النبوة ذلك، وبناء عليه فإن الآيات إنما تنفي عن النساء الرسالة، ولكنها لا تنفي النبوة، كما يذهب إلى ذلك بعض علماء أهل السنة.
يقول ابن حجر العسقلاني في فتح الباري شرح صحيح البخاري، عند شرحه لحديث رقم 3411 عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران..." قال ما يلي:
(استدل بهذا الحصر على أنهما نبيتان لأن أكمل النوع الإنساني الأنبياء ثم الأولياء والصديقون والشهداء، فلو كانتا غير نبيتين للزم ألا يكون في النساء ولية ولا صديقة ولا شهيدة، والواقع أن هذه الصفات في كثير منهن موجودة فكأنه قال ولم ينبأ من النساء إلا فلانة وفلانة... وقد نقل عن الأشعري أن من النساء من نبئ وهن ست: حواء وسارة وأم موسى وهاجر وآسية ومريم، والضابط عنده أن من جاءه الملك عن الله بحكم من أمر أو نهي أو بإعلام مما سيأتي فهو نبي، وقد ثبت مجيء الملك لهؤلاء بأمور شتى من ذلك من عند الله عز وجل، ووقع التصريح بالإيحاء لبعضهن في القرآن.
النصوص الواردة حول مقام فاطمة الزهراء عليها السلام تدل على أنها في موقع الريادة والحجة الشرعية على الناس رجالا ونساء.
فقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله عز وجل ليغضب لغضب فاطمة، ويرضى لرضاها" والذي رواه الطبراني في المعجم الكبير والحاكم في المستدرك والذهبي في الميزان وغيرهم.
وبناء على ذلك فإن ما يصدر عن السيدة الزهراء من قول أو فعل أو موقف فإنه يكون كاشفا عن الأمر والتشريع الإلهي.
فهي حجة شرعية على جميع الناس، وهي عليها الصلاة والسلام حجة على كل أولادها الأئمة الطاهرين عليهم السلام ولذا قال الإمام الحسن العسكري عليه السلام: "وهي حجة علينا" وقال الإمام الحجة عليه السلام: "وفي ابنة رسول الله لي أسوة حسنة".
هكذا يقدم الإسلام المرأة في مقام ريادي، وموقع قيادي، ليؤكد قابليتها واستعدادها للكمال والتفوق، تماما كما هو الحال بالنسبة للرجل.
اضافةتعليق
التعليقات