في صباحِ يومٍ مُشمس مع بداية فصل دراسي جديد، يستعد الأهالي لإيصال أطفالهم إلى مدارسهم، ثم الذهاب لعملهم، من يدرس في مدرسة خاصة ومن يذهب للمدرسة الحكومية التي في منطقته.
ازدحم الطريق فما بين خطوط المدارس وبين من يخرج بسيارته الخاصة، طال وقوفهم عند إشارة المرور والأطفال يلوحون خلف زجاج السيارات.
على قارعة الطريق بين الإشارات المرورية يتنقل صِبية يبتاعون المناديل، جلس أحدهم على حافة الرصيف أخذ يُقلب ناظريه هنا وهناك، ركز بصره نحو الأطفال الذين يجلسون مع أهاليهم في سياراتهم وهم يرتدون الزي المدرسي، أُغرورقت عيناه وكأنه يخاطبهم، ألا أستطيع الذهاب معكم إلى المدرسة.
يقول النبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم):"وَأَحِبَّ لِأَخِيكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ".(1)
عاش النبي مع الناس كأحدهم يُنفق على الفقير ويُجلسه مجلسه، يستفقد من يغيب، يعود المريض، حتى ذلك اليهودي لما مَرِضَ وأقعده المرض بادر سيد الخلق لزيارته، والسؤال عنه، وهكذا سار بهذا النهج أهل بيته الأطهار علي وفاطمة ووُلْدِهم، ذات مرة رأى الإمام علي شيخاً كبيرا فاقد البصر، وهو يستجدي الناس، فهاله المنظر، والتفت قائلاً: «ما هذا؟ » قالوا: يا أمير المؤمنين نصراني، فقال: "استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه؟! أنفقوا عليه من بيت المال".(2)
هذا هو نهج الأطهار أهل الرحمة، وقد جعلهم تعالى القدوة للخلق ليُعلموهم ويُزكوا أنفسهم، فكل حركة وفعل من الرسول وأهل بيته يريدون به لفتنا وتعليمنا العيش الصحيح. وكثيراً ما تحملوا من أجل الناس ليبعدوا عنهم الأذى. وأعطوا أملاكهم ولم يبقوا على ملك لهم كي لا يبقى بوجودهم جائع فقير.
فأوقفت بضعة الرسول فاطمة (عليها السلام) أرض فدك الغنية للفقراء ولم تأخذ من خيراتها أكثر مما يأخذ الآخرين، بل أعطت حتى ما لها لترفع أذى من حولها.
هذا هو نهج الإسلام الصحيح الذي أنقذ به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الأمة ورفعها من براثين الجهل، وآخى بين المهاجرين والأنصار وعاش بأوساطهم، وقد قال (صلى الله عليه وآله وسلم): "من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم".(3)
وفي يومنا هذا وللأسف كلٌ يقول ما شأني، ويكْفَهِر وجهه عندما يطلب العون منه أحد، أو يمُنَ بمساعدته إن قدم المساعدة وكأنه فعلَ فِعلاً كبيرا لا يفعله أحد. ربما لأن النفوس أصبحت تضيق بحوائج غيرها.
ونرى العبارة المرتادة على الألسن عندما يسأل سائل أحدهم فيقول له (الله يعطيك)، ولا أرى بأن هذه العبارة صحيحة، فالله سبحانه هو المعطي للجميع ويُسخر الأرزاق على أيدي البعض، فحتى من يعطي فليس العطاء منه، بل سبحانه الذي أعطى ورزق.
فلا تخف، المُعطي يُضاعف العطاء بالإنفاق. يقول تعالى: "وأما السائل فلا تنهر" .
جُد بالقليل ولا ترد سائلاً، كما تعود لربك بالسؤال وتأمل منه العطية وقد لا تستحقها لتقصيرك، في الآونة الأخيرة كَثُر المتسولون، والمشردون، تُرى هل بحث أحد بالأسباب وما الذي أوصل الحال لما هو عليه، حتى بات لا يُعرف المحتاج فعلاً من عداه، وأصبح المتعارف بين أوساط المجتمع لا تساعدوا، لا تعطوا فلا أحد محتاج من السائلين إنما هي مهنة امتهنوها، وبين هذا وذاك يعاني الكثير ممن لا يستطيع توفير لقمة عيشه..
وإن أردنا ذكر المواقف الإنسانية في الإيثار بالنفس يتجلى لنا موقف سيدة الخلق فاطمة بنت محمد (عليها السلام) عندما تصدقت بإفطارهم لثلاث ليالٍ، ولم تؤثر أولادها على من جاءها سائلاً، ذمياً كان أو مسلماً، بل تحملت هي وعيالها الجوع؛ لتُطعم السائل الجائع؛ ولم يمنوا عطيتهم، بل أعطوا فرحين.
يقول الإمام الحسين (عليه السلام): إن تكـــــن الأمــوال للترك جمعها فــــما بــال متروك به المرء يبخلُ؟ (4)
فمهما جُمِعت الأموال ففي يومٍ ما سترحل وتتركها، فعلامَ يبخل المرء بما هو فان.
..............................
اضافةتعليق
التعليقات