يولد الطاغوت، كما يولد غيره، على الفطرة، ولكنه يتمرد عليها فيما بعد حينما يسلك الطريق الحرام، ولا يجد من يقف في وجهه، ويثنيه عن طغيانه.
وإذا كانت "كل نفس أضمرت ما أضمر فرعون"، كما يقول الحديث الشريف فإن إمكانية أن يتحول أي شخص إلى طاغوت، أمر وارد وطبيعي، إذا توفرت له الظروف الموضوعية.. إنما ضمانة منع الطغيان هي في مواجهة المجتمع والمسؤولين فيه من أهل الحل والعقد، لكل من تسول له نفسه ذلك، قبل أن يستفحل أمره، ويحصل على اﻷزلام والجلاوزة.
وبداية الطغيان هو الكبر.. والاعتزاز بالنفس.. وتحقير اﻵخرين، ف"الكبر أن تغمض الناس، وتسفه الحق" وهو يظهر في البوادر اﻷولى على الشخص كطريقة مشيه، أو كلامه مع الناس، وتعامله مع العامة. فقد مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على جماعة فقال: "على ما اجتمعتم؟" فقالوا: يا رسول الله هذا مجنون يصرع، فاجتمعنا عليه.
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "ليس هذا بمجنون ولكنه المبتلى" وأضاف: "ألا أخبركم بالمجنون حق الجنون؟" قالوا: بلى يا رسول الله! فقال: "المتبختر في مشيه، الناظر في عطفيه، المحرك بمنكبيه، يتمنى على الله جنته وهو يعصيه، الذي لا يؤمن شره، ولا يرجى خيره، فذلك المجنون، وهذا المبتلى".
فمن تبختر في مشيه ونظر في عطفيه، وحرك منكبيه، فهو متكبر لا بد من الحذر منه.. والاجتماع ضده والابتعاد عنه..
لقد كان اﻹمام يرفض مهادنة الطغاة، والتغاضي عن المتكبرين، مهما كلفه من أمر، فكم كان في غنى عن المشاكل، والحروب التي خاضها لو قبل السكوت عن المتكبرين، والتغاضي عنهم..
"ولقد دخل عليه المغيرة، بعد مبايعته بالخلافة. فقال له: "يا أمير المؤمنين إن لك عندي نصيحة. قال: "وما هي"؟ فقال: "إن أردت أن يستقيم لك اﻷمر فاستعمل طلحة على الكوفة، والزبير على البصرة، وابعث لمعاوية بعهده على الشام حتى تلزمه طاعتك، فإذا استقرت لك الخلافة فادرأهم كيف شئت برأيك".
فقال علي: "أما طلحة والزبير فسأرى رأيي فيهما، وأما معاوية فلا يراني الله مستعملا له ولا مستعينا به ما دام على حاله، ولكني أدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه المسلمون، فإن أبى حاكمته إلى الله تعالى".
فانصرف المغيرة عن اﻹمام مغضبا لما لم يقبل منه النصيحة. ثم أصبح فجاءه قائلا: "يا أمير المؤمنين، نظرت فيما قلت باﻷمس وما جاوبتني به، فوجدت أنك قد وفقت للخير وطلبت الحق".
إن مواجهة المتكبرين، واجب شرعي مهما كلف اﻷمر، ﻷن المواجهة وحدها هي التي تنفع معهم، وهي وحدها تمنع المجتمع من نمو الطغيان فيه.
اضافةتعليق
التعليقات