بين موعزي شخصية الفرد إلى الوراثة وبين القائلين بالتربية، يقف حديث الامام علي ليكون موضحا، قال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): (وإنّما قلب الحدث كالأرض الخالية، ما ألقي فيها من شيء قبلته).
فتستطيع التربية أن تقلب المعادلة وتعطف كفة الوراثة لتُخرجَ حبا ونباتا سويا، هذه المعادلة تحققتْ في محمد ابن أبي بكر ابن أبي قحافة، وابن السيدة أسماء بنت عميس، هذا الفتى الذي بايع الامام علي عليه السلام ورفض بيعه أبيه.
نشأ محمد في بيت الإمام علي وعندما شبَّ بدأت رحلته معه، وكانت رحلة طويلة وشاقة، رحلة جهاد وكفاح وقف فيها محمد مع أمير المؤمنين في صراعه ضد الباطل وشهدت له سُوح الوغى بمواقف بطولية رائعة فكان كالجبل الأشم لا تهزّه الأعاصير عند اشتباك الحرب وتلاحم السيوف والرماح متسلحاً بعقيدته في الدفاع عن الحق بيده ولسانه، فكان أحد المحامدة الذين قال فيهم أمير المؤمنين: (إن المحامدة تأبى أن يُعصى الله) وهم: محمد بن جعفر، ومحمد بن أبي بكر، ومحمد بن أبي حذيفة، ومحمد بن الحنفية.
لم يفارق محمد الحق منذ اتبعه وظلَّ ملازماً للإمام حتى استشهاده في مصر، وكان أمير المؤمنين يعرف منه هذا الإخلاص والطاعة فولّاه مصر، ولا يُخفى ما لمصر من الأهمية في تلك الفترة وما يجب على من يتولّاها من مسؤولية، فكان محمد كفؤاً لهذه المسؤولية، ويتّضح ذلك من كتاب أمير المؤمنين له حين ولاه مصر حيث قال له: (واعلم يا محمد بن أبي بكر إني قد وليتك أعظم أجنادي إلى نفسي، أهل مصر).
هذه المكانة التي امتلكها محمد ابن أبي بكر هي ثمرة تربية أمير المؤمنين والتهيئة الحاصلة من الأم أسماء بنت عميس المرأة الموالية، هذان الأمران ساعدا محمد ابن ابي بكر أن يكون مغايرا لمنهج أبيه وأخته حتى في واقعة الجمل فقد وقف مع أمير المؤمنين ضد جيش تترأسه أخته!.
فإن التربية الصالحة قادرة على التأثير مهما كانت الوراثة، فالبذرة الصالحة تستطيع أن تأتي بمفعولها ولو بعد حين فالتعويل ما توارثه المرء وعدم المحاولة معه تفكيرا خاطئا، فهذا محمد ابن أبي بكر خير دليل على تأثير التنشئة الصالحة للفرد.
اضافةتعليق
التعليقات