في هذه الأيام تصدف الذكرى السنوية الـ 25 لمذبحة سربرنيتسا التي قتل فيها أكثر من 8 آلاف مسلم، في مختلف الأعمار، الشيوخ والنساء والأطفال- من قبل جيش صرب البوسنة.
طريق الموت
"مسيرة السلام" مسيرة تقام سنويا في البلاد لإحياء ذكرى ضحايا مذبحة "سربرنيتسا" وانطلقت المسيرة هذا العام، في منطقة "كرني فره" القريبة من مدينة زفورنيك البوسنية، بمشاركة محدودة، في إطار تدابير الوقاية من كورونا.
وكان من المقرر أن تنطلق المسيرة من منطقة "نزوك" إلا أن تسجيل إصابة أدى إلى تغيير المسار، ويعرف هذا الدرب بين البوسنيين حيث استخدمه أهالي سربرنيتسا عام 1995 للهرب من المذبحة، عبر الغابات، تجتاح حياة الناس أثناء الحرب والحصار، وفي ظل فقدان الأمان، إذ يصبح الموت عادة، تجعل الحياة اليومية صلبة كالحجر، في أي لحظة يكون المرء مرشحا ليكون القتيل التالي، ودفن الصربُ البوسنيين في مقابر جماعية، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها أطلقت البوسنة أعمال البحث عن المفقودين وانتشال جثث القتلى من المقابر وتحديد هوياتهم.
في الحادي عشر من يوليو/ تموز عام 1995، استولت وحدات من صرب البوسنة على منطقة سربرنيتسا في البوسنة والهرسك.
وفي أقل من أسبوعين، قامت هذه الوحدات بتصفية ممنهجة لأكثر من ثمانية آلاف شخص من مسلمي البوسنة (البوشناق)، في أبشع جرائم قتل جماعية على التراب الأوروبي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
قبل المذبحة، أخبر قائد الوحدات الصربية راتكو ملاديتش المدنيين المذعورين بعدم الخوف ثم شرعت قواته في مذبحة لم تتوقف لعشرة أيام.
وهناك على مقربة من المشهد، كانت تقف قواتٌ لحفظ السلام خفيفة التسليح تابعة للأمم المتحدة، ولم تحرّك ساكنا.
وفي وقت لاحق، قال الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان إن "مأساة سربرنيتسا ستظل إلى الأبد وصمة في تاريخ الأمم المتحدة"، وكانت مذبحة سربرنيتسا جزءا من عملية تطهير عرقي استهدفت المسلمين على أيدي قوات صربية أثناء الحرب البوسنية، وهي إحدى الحروب العديدة التي اندلعت في حقبة التسعينيات مع تفتت يوغوسلافيا.
جمهورية البوسنة والهرسك الاشتراكية -كما كانت تُعرف ضمن الاتحاد اليوغوسلافي - كانت تضم خليطا من الأعراق بينهم مسلمو البوشناق، وأرثوذكس صِرب، وكاثوليك كُروات.
وأعلنت البوسنة والهرسك استقلالها في عام 1992 عقب إجراء استفتاء، قبل أن تحظى باعتراف الولايات المتحدة وعدد من الحكومات الأوروبية، لكن صرب البوسنة قاطعوا الاستفتاء، ولم يمض وقت طويل حتى نفذت قوات تابعة لصرب البوسنة - مدعومة من الحكومة الصربية - هجوما على الدولة الوليدة.
وشرع المهاجمون في إزالة مسلمي البوشناق من المنطقة في محاولة لإقامة "صربيا الكبرى" - في سياسةٍ عُرفت بالتطهير العِرقي.
وفي أبريل/ نيسان من عام 1993، أعلنت الأمم المتحدة سربرنيتسا "منطقة آمنة... خالية من أي هجمات مسلحة أو أي أعمال عدائية".
لكن الحصار ظل قائما، وتضاءلت المؤن التي تصل إلى المدنيين وأيضا إلى عناصر قوة حفظِ سلامٍ هولندية محدودة تابعة للأمم المتحدة. وكان مسلمو البوشناق في المنطقة المحاصَرة قد بدأوا يموتون جوعا.
وفي السادس من يوليو/ تموز من عام 1995، نفذت قوات تابعة لصرب البوسنة هجوما عنيفا على سربرنيتسا. واستسلمت القوات التابعة للأمم المتحدة أو تقهقرت، ولم يُجدِ الاستنجاد بطائرات حلف شمال الأطلسي (الناتو) نفعًا في وقف زحف القوات المعتدية.
وسقطت سربرنيتسا في غضون خمسة أيام، ليخطو الجنرال ملاديتش في شوارع المدينة مزهوا بانتصاره رِفْقة جنرالات آخرين.
عندها لجأ نحو 20 ألف شخص إلى قاعدة الأمم المتحدة حيث يوجد الجنود الهولنديون.
وبدأت أعمال التصفية في اليوم التالي. ومع صعود اللاجئين المسلمين إلى حافلات الإجلاء، قامت قوات تابعة لصرب البوسنة بعزل الرجال والصبية عن غيرهم ثم ساقوهم بعيدا، حيث أُطلق عليهم الرصاص.
وأُعدم الآلاف ودُفعت جثثهم إلى قبور جماعية باستخدام جرافات. وترجح تقارير أن البعض دُفن حيًا، بينما أُجبر آباء على مشاهدة أبنائهم وهم يُقتلون.
أما النساء والفتيات فقد أُخرجن من الصفوف ليُغتصبن، ويقول شهود إن الجثث كانت متناثرة في الشوارع.
ولم يحرك الجنود الهولنديون ساكنا إزاء ما يشهدون من عدوان صربي، بل لقد سلّموا نحو خمسة آلاف مسلم التجأوا إلى قاعدتهم للاحتماء. وكشف تحقيق في محكمة تابعة للأمم المتحدة في لاهاي أن تخطيطا مكثفا جرى استعدادا للمذبحة.
وجاء في منطوقِ حكمٍ صدر بحقِّ أحد قادة صرب البوسنة: "جرتْ جهود منسقة لتصفية كل المسلمين القادرين على القتال". وكان يتم البحث بشكل ممنهج عن الذكور في الحافلات التي كانت تقل النساء والأطفال. وحتى بعض الأطفال وكبار السن من غير القادرين على حمل السلاح تمت تصفيتهم.
ولا تزال أصداء هذه المذبحة تتردد حتى يومنا هذا. ولا يزال يُكشف عن جثث الضحايا بعد 25 عاما من الجريمة.
وفي عام 2002، نُشر تقرير يُنحي باللائمة على الحكومة الهولندية ومسؤولين من الجيش في الفشل في منع المذبحة، وبناء عليه استقالت الحكومة بالكامل.
وفي عام في 22 نوفمبر 2017، حكمت المحكمة الجنائية الدولية على الجنرال الصربي راتكو ملاديتش بالسجن المُؤبد، وأدانته بارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية خلال حرب البوسنة.
وظل ملاديتش مختبئا بعد نهاية الحرب في عام 1995 ولم يُعثر عليه إلا في عام 2011 في منزل أحد أقاربه شمالي صربيا.
وفي عام 2019، أصدرت المحكمة العليا في هولندا حكما قالت فيه إن هولندا مسؤولة بشكل جزئي عن مقتل 350 شخصا في مذبحة سربرنيتسا.
وقدمت صربيا اعتذارا عن الجريمة لكنها لا تزال ترفض تسميتها عملية إبادة جماعية.
واعتذر الرئيس الصربي توميسلاف نيكوليتش رسميًا عن المذبحة، لكنه تفادى وصف الواقعة بالإبادة الجماعية.
اضافةتعليق
التعليقات