هل ضاقت بك الدنيا، تشعر بالحيرة في امرك، طرقت كل الابواب لا احد يسمعك لا احد يساعدك، ماذا تفعل بعد، حائر انت، الطبيب لا ينفعك، المال لا يغنيك، هموم تملأ صدرك، دخان حسرتك يرتفع مع كل شهيق، تذرف دمعك بالخفي، وانين قلبك المكسور، لا يعرف به غير الله، من سيجبر هذا الكسر من يدخل الفرحة في داخلك بعدما رحلت منك، تعال معي سنطرق الليلة باب لم يطرقه احد من قبل الا ونال منها مراده، بدمعة وندبة فقط ستزول عنك الهموم والاحزان وكأنك لم تحزن ولم ترَ الشر يوما، فكثيرين الذين لجأوا من قبلك وكانت حوائجهم في كفهم..
تعال واطرق باب ام البنين سيدة المراد، سيدة جعلها الله باب من ابواب رحمته وعطاءه، فكان جزاء لما قدمته في سبيل نصرة ابن بنت رسول الله والذي هو نصرة للدين فقدمت اربعة قرابين مرة واحدة، فتقبل الله قربانها بأحسن القبول، فعرفت بكراماتها ومنزلتها عند الله وعند اهل البيت عليهم السلام، ولمحبتها لأولاد سيدتها الزهراء سلام الله عليها، وبلغ بها الوفاء مرحلة انها تشارك اولاد الامام علي في المرض ففي رواية لما أدخلت على الامام علي عليه السلام، كان ولداه الحسن والحسين مريضين، فأخذت تشاطرهما الألم وتصبرهما.
ليس هذا فقط وانما طلبت من الإمام ان لا يناديها باسم فاطمة كي لا يتذكر الحسنان وزينب وأم كلثوم أمهم فاطمة فيعيدوا عليهم مصائب امهم وحتى لا يتألمان، فاقترح عليها الإمام اختيار كنية (ام البنين). فأصبحت نبراسا ومنارا في مدرسة الوفاء والتضحية.
عرفت هذه السيدة بالفصاحة والبلاغة، والورع والتقوى، صالحة، خير زوجة وخير مربية، كانت تعامل اولاد الزهراء عليها السلام معاملة خاصة تفضلهم على اولادها وتطلب منهم ان ينادوهم سيدي وتعلمهم ان امهم سيدة نساء العالمين وان امكم اقل منها منزلة ومكانة فلا تنادوهم بأسمائهم.
نسب السيدة الجليلة
هي فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن عامر بن صعصعة الكلابية. لم يذكر في التاريخ في أي عام ولدت فاطمة الكلابية. ولكن يرجح أن ولادتها كانت بين عامي (5 - 9 هـ). أمها تمامة بنت سهل بن عامر.
وُلدت أم البنين من بيت عريق في العروبة والشجاعة، وليس في العرب أشجع من أبائها وأصل كريم.
تعتبر قبيلتها من أشرف القبائل العربية شرفاً، وأجمعهم للمآثر الكريمة التي تفتخر بها سادات العرب، ويعترف لها بالسيادة، لكثرة النوابغ من الرجال المبرزين والزعماء الممتازين بأكمل الصفات الكريمة وأتم الخصال الممدوحة، كالكرم والشجاعة والفصاحة وغير ذلك.
مراسيم الزواج
تزوجها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وذلك بعد وفاة فاطمة الزهراء عليها السلام حيث قال لأخيه عقيل وكان نسّابة عارفاً بأخبار العرب ذات يوم: "انظر لي امرأة قد ولدَّتها الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاماً فارساً"، فقال له: "تزوّج بنت حزام الكلابية فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها" وفي رواية أخرى "أخي، أين أنت عن فاطمة بنت حزام الكلابيّة، فإنّه ليس في العرب أشجع من آبائها" وكان مهرٍها خمس مئة درهم.
تسميتها بأم البنين..
الأول: أن الذي كناها بأم البنين هو أبوها حزام، تيمُّنًا بجدتها ليلى بنت عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، حيث كان لها خمسة أبناء أكبرهم أبو براء ملاعب الأسنة، وقد ذُكر لذلك حدث، فإن حزامًا كان في سفر مع أصحابه، وقد نام فرأى في عالم الرؤيا أنه قد انعزل عن أصحابه ناحية في أرض خصبة وبيده درة يقلبها وهو متعجب من حسنها، وإذا به يرى رجلًا أقبل إليه من صدر البرية على فرس وسلَّم عليه، وسأله بكم تبيع هذه الدرة عندما رآها في يده، فقال له حزام بأنني لا أعرف قيمتها حتى أُقدِّر لك ثمنها، لكن أنت بكم تشتريها، فقال له الرجل، أنا أيضًا لا أعرف لها قيمة، لكن أهدها إلى أحد الأمراء، وأنا الضامن لك بشيء هو أغلى من الدراهم والدنانير، فقال له ما هو، قال أضمن لك به عنده الحظوة والشرف والزلفى والسؤؤد أبد الآبدين، فقال له حزام: وتكون أنت الواسطة في ذلك. قال: وأكون أنا الواسطة أعطني إياها فأعطاه إياها.
فلما انتبه حزام وقص رؤياه على أصحابه وطلب تأويلها، فقال له احدهم: إن صدقت رؤياك فإنك ترزق بنتًا ويخطبها منك أحد العظماء وتنال عنده بسببها القربى والشرف والسؤدد.
وعند عودته من سفره بشروه بولادة زوجته ثمامة الحبلى، وأنها قد أنجبت له أنثى، فتهلل وجهه لذلك، وقال في نفسه قد صدقت رؤياي، وقال لهم أسموها فاطمة، وكنوها بأم البنين.
الثاني: كان ذلك بطلب منها لزوجها بأن لا يناديها بفاطمة حتى لا يشعر اولاد الامام بالحزن عند سماع اسم امهم في كل مرة وطلبت منه مناداتها بأم البنين تفاؤلا بالبنين بعد ولادتها.
بين الشهادة والكرامة
بعدما انتهت واقعة الطف وصل خبر استشهاد اولادها وذرية رسول الله إلى - أم البنين - في المدينة المنورة بكتهم بكاءً مرّاً، لكن كان بكاؤها لهم أقل من بكائها على الحسين كما معروف في قصة بشر، أن بشراً قال: رأيت امرأة كبيرة تحمل على عاتقها طفلا وهي تشق الصفوف نحوي، فلما وصلت قالت: يا هذا أخبرني عن سيدي الحسين، فعلمت أنها ذاهلة، لأني أنادي: قتل الحسين، وهي تسألني عنه، فسألت عنها، فقيل لي: هذه أم البنين، فأشفقت عليها وخفت أن أخبرها بأولادها مرة واحدة. فقلت لها: عظم الله لك الأجر بولدك عبد الله. فقالت: ما سألتك عن عبد الله، أخبرني عن الحسين، قال، فقلت لها: عظم الله لك الأجر بولدك عثمان. فقالت: ما سألتك عن عثمان، أخبرني عن الحسين. قلت لها: عظم الله لك الأجر بولدك جعفر. قالت: ما سألتك عن جعفر، فإن ولدي وما أظلته السماء فداء للحسين، أخبرني عن الحسين. قلت لها: عظم الله لك الأجر بولدك أبي الفضل العباس. قال: بشر، لقد رأيتها وقد وضعت يديها على خاصرتها وسقط الطفل من على عاتقها، وقالت: لقد والله قطعت نياط قلبي، أخبرني عن الحسين. قال، فقلت لها: عظم الله لك الأجر بمصاب مولانا أبي عبد الله الحسين.
اي أم هذه واي سيدة فاق حب الحسين على حب ابنائها.
شاركت في العزاء والمواساة مع السيدة زينب عليها السلام حتى قامت بنصب التعزية مع النساء الهاشميات في المدينة المنورة.
وبعد عمرٍ قضته أم البنين في خدمة اولاد علي عليه السلام ومشاركتهم في احزانهم وشهادة اولادها في كربلاء، وكذلك من قبل شهادة زوجها أمير المؤمنين في محرابه.
اجهدت وتغير حالها وقد جاء اليوم الذي ترحل فيه مطمئنة راضية مرضية، فكانتْ وفاتُها المؤلمة في الثالث عشر مِن جمادى الآخرة سنة ( 64 هـ )، بعد مقتل الحسين (عليه السلام) ودفنت بالبقيع الفرقد.
ففي رواية عن الأعمش قال: دخلت على الامام زين العابدين عليه السلام في الثالث عشر من جمادى الثاني، وكان يوم جمعة، فدخل الفضل بن العباس عليه السلام، وهو باك حزين، وهو يقول: لقد ماتت جدتي أم البنين، فانظر بالله عليك إلى هذا الدهر الخؤون كيف فجع أهل الكساء مرتين في شهر واحد فلا حول ولا قوة إلّا بالله...».
اضافةتعليق
التعليقات