﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
إن الكلام عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ليس بالأمر السهل على الاطلاق، لأننا لسنا أمام شخصية تاريخية احتلت مكانة مرموقة في المجتمع الإسلامي فحسب، حتى نقدم في هذا الملف ضبطاً لمفردات هذه الشخصية وحركتها الاصلاحية من خلال التراث التاريخي المكتوب، كما نتعاطى مع أي مصلح وإمام في العالم.
بل نحن أمام شخصية قدمها اللَّه تعالى كإنسان كامل. وفق خطوط رسمها القرآن الكريم وحددت معالمها مفاهيم الإسلام العظيم، ولذلك كانت حياة الإمام عليه السلام تجسيداً للإسلام، ولذا نحن حينما نقدم الإمام عليه السلام فنحن نقدم الإسلام بأبهى صورة وأدق تطبيق، فعلينا أن لا ننظر للإمام عليه السلام كشخص عاش في التاريخ، بل الإمام عليه السلام تجاوز زمانه ومكانه ليكون المحور الذي يصاغ على أساسه الحضارة الإسلامية.
"إن شخصية الإمام علي عليه السلام مؤهلة لأن تكون القدوة لصنع واحياء الفرد المسلم وكذلك لنعلم كيف يحيا المسلم، بناء على هذا إذا أردنا أن نتحدث عن أمير المؤمنين عليه السلام لا ينبغي أن يكون للتيمن والتبرك بذكره فقط، بل للتعلم منه والاستفادة من مشعل نوره لحل المشكلات ولإزالة العوائق".
عاش أمير المؤمنين الامام علي سلام الله عليه طيلة تاريخ الاسلام ومنذ أن اعتنقه تواقاً إلى أن يفوز بهذا المقام الباذخ، مقام الشهداء بل كان سلام الله عليه يظهر الأسى والأسف حين تمر مواطن كان يتمنى فيها أن تعانقه الشهادة، ولذلك شكا هذه اللوعة إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبشره بأن الشهادة ستأتيه وتحل بساحته، فقال له صلى الله عليه وآله وسلم “كيف بك إذا خضبت هذه من هذا” وأشار صلى الله عليه واله وسلم إلى جبينه ولحيته فأجابه بطل الإسلام علي بن أبي طالب عليه السلام قائلاً: “يا رسول الله ليس هذا من مواطن الصبر بل هو من مواطن الشكر” لأن علياً عليه السلام يحتسب الشهادة فوزاً بمقام عظيم ووسام فخيم عند ملك الأوسمة والنياشين الحقيقية هذا الشهيد العظيم والامام الرباني والإنسان الكامل لم يكن كأي شهيد، أو أي عالم رباني زاهد عابد أو أي إنسان حر يأبى الضيم ويثور في وجه الطاغوت بل كان سلام الله عليه القدوة في كل ما يتصوره الإنسان من معاني الكمال وخصال الفضل حتى أن معاوية الخصم والعدو اللدود للأمام سلام الله عليه أحب من أحد أصحاب الامام الشهيد أن يصفه له بما فيه من خصال العظمة والكمال.
ولقد كانت شهادة الامام علي “عليه السلام” وفوزه بما كان ينتظره بفارغ الصبر في معارك الإسلام وشاء الله أن تأتيه الشهادة وهو في مكان من أطهر الأماكن وهو مسجده عليه السلام في الكوفة، وفي أفضل وقت عند الفجر، وفي أفضل الشهور شهر رمضان، وفي أفضل ليالي شهر رمضان في ليلة من ليالي القدر، ليلة الواحد والعشرين من شهر رمضان، فهو سلام الله عليه الرجل الذي امتلأ قلبه إيماناً، أراد الله أن يتم له نوره بأن تكون شهادته على أبلغ وأفضل حال, يرفعه الله بها ويُعلي مقامه حتى يستحق أعظم مقام للشهداء؛ ولأنه سلام الله عليه قدوة فقد استحق من الله كرامة ما بلغها شهيد, فقد توج الله جهاده في سبيل دين الله وإقامة شرع الله بشهادة على أبلغ مقام وأفضل حال على صيام ووضوء وخشوع وتذلل لله في صلاته في بيت من بيوت الله.
فشهادة الإمام علي سلام الله عليه كانت وستظل نورا يهتدي به عشاق الشهادة إلى يوم القيامة, وهنا لا بد أن نلفت عناية من اختطوا نهج المجاهدين في سبيل الله ورضوا بأن يكون الإمام علي بن أبي طالب قدوتهم وأسوتهم بأن عليهم وهم يخوضون غمار الحياة الجهادية بأن يكون نصب أعينهم هذا الإمام العظيم بما حمله من دين صادق وعلم نافع, وزهد وورع لا يشوبه شائبة رياء, وقوة وصلابة وشجاعة لا يعتريها بطش أو ظلم أو عدوان, ورحمة وشفقة بالرعية لا يطمع بسببها أهل النفاق في نفوذ نفاقهم ورواجه.
فهكذا يجب أن يكون من يطلب الشهادة في ميدان الجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمة الله ورفع راية الحق وتنكيس أعلام الباطل, هكذا يجب أن يكون من عشق الحرية الإيمانية ورفض الخضوع للاستكبار والطاغوت.
شهيد المحراب علي بن أبي طالب سلام الله عليه كان قدوة بحق للشهداء العظماء, فقد جمع من خصال الإيمان والإباء والشجاعة والسماحة والصفح والعفو ما لم يتصف به غيره من الشجعان, فقد أوصى أمير المؤمنين عليه السلام بعدة وصايا ربانية عظيمة، بقي شعاعها وتوجيهاتها تنير دروب المؤمنين في حياتهم.. وأبرز تلك الوصايا.
الوصية العامة للإمام علي عليه السلام:
يقول عليه السلام في وصيّته:
"بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب، أوصى أنّه يشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون، صلّى الله عليه واله وسلم، ثمّ إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين.
ثمّ إنّي أوصيك يا حسن وجميع أهل بيتي وولدي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ربّكم ولا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه واله وسلم يقول: "صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصيام"، وأن المبيرة الحالقة للدّين فساد ذات البين"، ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.
- انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهوّن الله عليكم الحساب.
- الله الله في الأيتام، فلا تغبّوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم، فقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: "من عال يتيماً حتى يستغني أوجب الله عزّ وجل له بذلك الجنّة كما أوجب لآكل مال اليتيم النار".
- الله الله في القرآن، فلا يسبقكم إلى العمل به أحدٌ غيركم.
- الله الله في جيرانكم فإنّ النبي صلّى الله عليه واله وسلم أوصى بهم، وما زال رسول الله صلّى الله عليه واله يوصي بهم حتى ظننّا أنّه سيورّثهم.
- الله الله في بيت ربّكم، فلا يخلو منكم ما بقيتم، فإنّه إن ترك لم تناظروا، وأدنى ما يرجع به من أَمَّهُ أن يغفر له ما سلف.
- الله الله في الصلاة، فإنّها خير العمل، إنّها عمود دينكم.
- الله الله في الزكاة، فإنّها تطفئ غضب ربّكم.
- الله الله في شهر رمضان، فإنّ صيامه جنّة من النار.
- الله الله في الفقراء والمساكين، فشاركوهم في معايشكم.
- الله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم، فإنّما يجاهد رجلان: إمام هدى، أو مطيع له مقتدٍ بهداه.
- الله الله في ذرية نبيّكم، فلا يُظلمنّ بحضرتكم وبين ظهرانيكم، وأنتم تقدرون على الدفع عنهم.
- الله الله في أصحاب نبيّكم الذين لم يُحدِثوا حَدثاً ولم يُؤووا مُحدِث، فإنّ رسول الله صلّى الله عليه واله وسلم أوصى بهم، ولعن المُحدِثَ منهم ومن غيرهم والمؤوي للمحدِث.
- الله الله في النساء وفيما ملكت أيمانكم، فإنّ آخر ما تكلّم به نبيكم عليه السلام أن قال: أوصيكم بالضعيفين: النساء وما ملكت أيمانكم.
-الصلاة الصلاة الصلاة، لا تخافوا في الله لومة لائم، يكفكم الله مَن آذاكم وبغى عليكم، قولوا للناس حُسناً كما أمركم الله عزّ وجل، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولّي الله أمركم شراركم ثمّ تدعون فلا يستجاب لكم عليهم، وعليكم يا بنيّ بالتواصل والتباذل والتبار، وإيّاكم والتقاطع والتدابر والتفرّق، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثمّ والعدوان، واتّقوا الله إنّ الله شديد العقاب، حفظكم الله من أهل بيت وحفظ فيكم نبيّكم، أستودعكم الله، وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
وأخيراً، إن وصيّة الإمام عليّ (عليه السلام) تجعلنا نتحمّل المسؤولية في الحياة بالنسبة إلى الإسلام وإصلاح الإسلام والمسلمين، والعمل لنكون القوّة للخير كلّه، وأن نكون أُمّة واحدة تنطلق لتتواصى بالحقّ في جميع المجالات.
اضافةتعليق
التعليقات