بعد يوم مرهق وشاق من دوامة العمل وعند عودتي من دائرتي، ارتميت على الأريكة لالتقط نفسا عميقا قبل الشروع بدوامة عمل المنزل.. والذي اعتبره دواما غير منقطع، وفيما أنا أدير بنظري وأتفحّص غرفة المعيشة والمطبخ حيث تتناثر لوازم الأولاد وكتبهم قبل ذهابهم للمدرسة في كل مكان، صرخت بصوت مرتفع: عمل عمل عمل لايوجد يوم بلا عمل، يجب أن أرتب الغرف ثم أعد طعام العشاء وأجهّز غداء الغد.. ياالهي.
هذا العنف الأسري المهمل.. يجب أن تقومي بإرضاء الجميع إلا نفسك، ماذا لو كل من الأب والأبناء شعر كل منهم بمعاناتي؟ كل منهم جالس في غرفته، ويجب على الأم أن تقدم لهم مالذ وطاب وكأنني خلقت بأربعة أيادي.. ولكن هذا غير مهم إن غريزة الأمومة حتمت علي القبول والرضا بما قسم الله لي فسعادتي من سعادتهم، وكما تقول والدتي سابقاً، (خليهم مدللين)، الا إنها اليوم اصبحت طريحة الفراش، وفيما أنا في صراعات الافكار تلك.. وصلتني اشعارات على الموبايل، وأخذت اتصفح فيه من دردشات ورسائل، فوجدت منشورا عن مؤتمر اليوم العالمي للعنف ضد المرأة، والذي يصادف يوم 25 نوفمبر، ثم قلت لنفسي الحمد لله التفاته كريمة من البعض أن يقدر المرأة ويحافظ على حقوقها، ولازلت اتابع (الفيس بوك) وانظر الى منشورات بالية وتافهة لطالما لم تستهويني، حتى وقع بصري على مقطع فديو لإحدى النساء المعنفات وتدعى (صابرين) ابنة ثلاثين عاما، زوجة معنفة من قبل الزوج عن طريق أبشع انواع العنف حيث أقدم الزوج على سجنها في الدار لمدة سنة كاملة وابعادها عن زيارة اهلها.
وكان العذر أقبح من الفعل.. بحجة تحريض الأهل على الزوج، متناسياً أن الله سبحانه وتعالى أوصى بالوالدين احساناً، وهل كانت تقبل صابرين بهذا الأمر وتقبل عدم رؤية والديها، لولا تهديده لها بحرمانها من فلذة كبدها اولادها؟!
وبعد عجزه عن الاهتمام بها حيث اصبحت مقعدة وغير ذات فائدة له رماها في باب دار اهلها، هذا ماقالته الأم وتغص بمرارة الألم، فهي زوّجته فتاةً كالزهرة نابضة بكل أنواع الحياة واستلمتها حية.. ميتة.
هل زوج صابرين هو فقط المسؤول عن الاضرار التي لحقت بصابرين!! ألم يكن دور الأهل مغيب في هذه القضية؟
كيف تقبّل الأهل عدم رؤية ابنتهم سنة كاملة، ألم تساورهم الشكوك! بل هذا تخلف من نوع آخر، في المجتمع أغلبية الآباء يقدم على زواج ابنته بحجة (الستر) بغض النظر عن سلوكيات الزوج، ولهذا السبب نجد تزايد حالات الطلاق في المجتمع، وهذا حال الكثيرات من النساء والأغلبية معنفة، إما من الأهل او الزوج بل كثير منهن أصبحن بعاهات جسدية وصدمات نفسية بسبب تحملها فوق طاقتها، اين نحن من كلام الله ورسوله وهل أصبحنا أمة مسلمة ولكن لانعمل بكتاب الله!! ألم يقول الرسول (ص): رفقا بالقوارير.
إن العنف ضد النساء والفتيات هو أحد أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارا واستمرارا وتدميرا في عالمنا اليوم، ولكن لا يزال معظمه غير مبلّغ عنه بسبب انعدام العقاب والصمت والإحساس بالفضيحة ووصمة العار المحيطة به.
لقد أصبحت المرأة العربية معنفة شاءت أم أبت من نفس المجتمع الذي يطالب لها عبر وسائل الاعلام والقنوات الفضائية بالتحرر ومناهضة العنف ضد المرأة، وهو نفسه الذي ينادي بحقوق المرأة، واصبحت المرأة كقصة (حمار جحا وابنه) إذا اكملت دراستها يقول عنها مجتمعها فاتها القطار (عانس) واذا تركت الدراسة وتزوجت نعتها بالمتخلفة ولم تلتحق بركب المتعلمين، وإذا خرجت للعمل اصبحت تخالط الرجال، واذا لم تنجب حاربها لأنها عقيم.
العنف ضد المرأة والفتيات ليس بالأمر الذى لا يمكن اجتنابه، بل مكافحته أمر ممكن ويجب أن يحدث فمن المفترض أن يكون الهدف من اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، رفع الوعي حول مدى حجم المشكلات التي تتعرض لها المرأة حول العالم مثل الإغتصاب والعنف المنزلي وغيره من أشكال العنف المُتعددة، وحشد الناس في الأماكن العامة وتوعيتهم فيما يخص هذا الأمر كذلك، وتفعيل دور وسائل التواصل الأجتماعي.
كيف نريد من المرأة النهوض والمشاركة في المجتمع مالم نحميها ونضمن لها حقوقها، وكيف نهدم ركيزة عظيمة تسهم في تنشأة الجيل فيما كانت هي معنفة وغير قادرة على نصرة نفسها، لذلك بداية حرب (لا للعنف) تنطلق من المنزل:
يجب أن نحارب العنف من داخل المنزل، الأحترام والتقدير للأنثى سواء كانت زوجة أو اخت أو أم والحرص على العدالة بالحقوق والواجبات بين الأناث والذكور، لأن من ينشأ على شيء شب عليه والمنزل هو البيئة التي تنطلق منها كل العادات وسلوكيات المجتمع الصحيحة.
فكثير من النساء والفتيات تعاني من ضغوطات نفسية وحتى اضرار جسدية بسبب العنف الأسري.. ولكن لاتبوح بذلك وتفضل التكتم مثل الضحية (صابرين) خوفاً على أسرتها من التفكك.
وبعد أن أغلقت الهاتف وأمعنت النظر في حجم الأعباء المنزلية التي تنتظرني قررت أن أساهم في نصرة المرأة وابدأ من نفسي اولاً، وقلت: سوف أنتظر عودة الأولاد من مدارسهم لكي يعينوني في ترتيب المنزل، هذا مافعلت لأن لنفسي علي حق.
عزيزتي المرأة إبدأي من نفسك في مناهضة العنف، ولاتكوني شريكة مرغمة عليه.
اضافةتعليق
التعليقات