من المتوجب للمرء أن يعرف مكامن نفسه ويتعرف عليها فإن الحذاقة جزء لا يتجزأ من حياتنا
التي ينبغي للمرء أن يتعرف على مكنوناتها في النفس خاصة إن الإبداع يتمثل بأنه فاعلية إنسانية بحتة وخلق غاية تجاوز المعتاد وتخطي ما هو مألوف وسائد، بهدف إنتاج صور ورموز وأفكار مغايرة، واستشراف آفاق جديدة تبرهن على الملكة الخلاقة لدى الإنسان ككائن عملي يسعى دوماً إلى تغيير واقعه، وصوغ علاقات أكثر ملاءمة لطموحاته في الحرية والعدالة والتقدم.
ولعل هذه الرغبة العارمة في الإبداع التي تتملك الإنسان منذ بداياته هي التي كانت الحافز القوي وراء صنع أشكال الحضارة والتقدم التي عرفتها كل المجتمعات الإنسانية، وهي التي تحفز على مختلف أشكال التعبير لإنتاج ثقافة تعطي لعلاقات الناس فيما بينهم وبين واقعهم المادي والاجتماعي تلك الأبعاد السامية والمثالية التي تجعل الحياة قابلة لأن تعاش.
الإبداع ينطوي على مضمون اجتماعي ويتعايش بين الناس الذين يعرفون كيف يكتشفون ما بهم من صلاحيات للتفوق قدما فاختلفت الآراء في عد الابداع تربية ومنهم من قال إنها فكرة وآخرين ذكروا أنها فطرة.
بحثا بين ذاتية الفرد والاتجاه الجماعي أو الاجتماعي تتخلخل بين طياتها الكثير، بعض الآراء اخذت في الاتجاه الجماعي وبكون الانسان كائن اجتماعي، لا يمكن أن يبدع إلا داخل سياق اجتماعي يسمح له بتفجير قدراته الإبداعية، بل إن الإبداع ليس اجتماعياً فقط من حيث دوافعه وشروط إمكانه، بل هو اجتماعي في مضمونه وأدواته كذلك، فالإبداع من هذا المنظور عملية ذات أبعاد اجتماعية تستمد مقوماتها من ثقافة الجماعة، وتسهم في الوقت نفسه في تغيير الحساسية الجمالية والفنية للأفراد، ومهما يكن من شأن هذا التضارب في النظر إلى العملية الإبداعية فإن ما هو موضع اتفاق هو أن الإبداع رهين بمجموعة من الشروط الذاتية والمجتمعية التي توفر إمكانات الظهور والتحقق.
في العملية الإبداعية إذن يتجلى تركيب خلاق بين الذاتي والموضوعي، بين ما هو موجود وما هو ممكن، بين الحاضر والمستقبل، والإبداع بالتالي جدل متوتر لا يتحقق إلا ضمن سياق صراعي بين قوى المحافظة والاجترار أو قوى التجاوز والتقدم فيكون الابداع نتاج ما نصبو إليه بأي صفة كانت مجتمعية فكرية مكتسبة أو فطرية.
يذكر لجلفورد بأن شخصية المرء هي النمط الفرد لملامحه، ويتجلى الإبداع من خلال السلوك، ويشمل السلوك الإبداعي فيما يشمل الاختراع والتصميم والاستنباط والتأليف والتخطيط. الأشخاص الذين يظهرون مثل هذه الأنواع من السلوك وإلى درجة واضحة هم الذين يوصفون بالمبدعين. وافترض جلفورد عدداً من الفرضيات عن طبيعة التفكير الإبداعي، وكانت في ذهنه نماذج من المبدعين من مثل العالم والتكنولوجي «بما في ذلك المخترع»، وهو يعتقد أن ثمة فروقاً في أنواع الإبداع في مختلف الميادين، وذلك على رغم اعتقاده بأن ثمة عوامل مشتركة بين كل المبدعين وأنماط قدراتهم ومن جملة ما توصلت إليها الأحصائيات بأن من أهم القدرات والمواهب الأولية التي ينبغي توافرها في المرء هي التوسع والمرونة والقدرة على تحليل المشكلات والاحساس بها إضافة إلى التجديد والطلاقة.
ومن المبدعين الذين قدموا إسهامات خالدة للثقافة الإنسانية والعمل على اجتهادهم ومعرفة المرء لنفسه، وأيضا المبدعين من يقومون بصوغ ملامح الحضارة الإنسانية ويعملون على تقدمها ورقيها، وقد تركوا تأثيراً دائماً على أفكار عدد لا حصر له من الرجال والنساء وأحاسيسهم. حيث إن هؤلاء الأفراد البارزين من المبدعين يشتركون في امتلاكهم لخاصية العبقرية.
عد بعضهم أن عامل العبقرية قد يكون وراثيا وكتبوا عن ذلك وبعضهم أضافوا ذلك في محافلهم وأعرافهم المجتمعية لكن ما نعاصره في هذه الأزمان أن الإبداع مفهوم واسع وشامل وبالتأكيد لا يكون وراثيا فقط ولا من حيث النشأة أو الاكتساب فقط وهذا ينهي استفهامات عن هذا الأمر تتردد عند عدد كبير من الآراء.
والابداع يتوجب أن يكون مشروطا بسعي المرء أولا كما قال تعالى: (أن ليس للإنسان إلا ما سعى) فالفرد الذي يكون سعيه الابداع يصر عليه حتى يصل إليه بتكالب هممه وسعيه واجتهاده.
اضافةتعليق
التعليقات