قلوب ملتاعة متصدعة ، وأجساد نحيفة قد نخرها الجهد والإعياء ، وآلام موجعة وأحزان كسحب سوداء ، تسير مع ظعن الهاشميات المسبيّات في العراء .. عجبا هل كان السبي لهن عادة؟!
زينب؟! وما أدراك مَن زينب؟! حفيدة سيد الأنبياء وٱبنة سيد الأوصياء ، تسير في رحلة السبي الأولى بمعية زين العابدين و بنات الرسالة ، ها هي الصحراء المترامية بين كربلاء والكوفة ترقب أولى خطوات السبي الزينبي.. سبي اتضحت معالمه حين تعاضد أهل النفاق على قتل ذراري رسول الله ، لقد كان القتل لهم عادة ولكن السبي قبل اليوم لم يكونوا يعرفوه ولم يخبروه...
تسير جبل الصبر زينب الكبرى ، في تلكم القافلة وقد هد ركنها قتل إخوتها وأبنائها.. البكاء لا يفارق مدمعها، والآلام لا تغادر ساحتها.. كيف خبّأ لها القدر هذا المصير وهي المعزّزة المكرّمة في ظل عشيرتها وقومها؟!
تسمع بكاء النسوة وعويل الأطفال فلا تستطيع له دفعا ، وترى بأمِّ عينيها انهيال سياط الظالمين على أجساد ثقل الرسالة ، فلا تقدر له رفعا.. فأيّ مصيبة تلك التي حلّت بساحتك يازينب؟ وأيّ مأساة نزلت بعرينكِ يا لبوة الهاشميين؟
سارت وفي قلبها لوعة وألم وانكسار ، تركت خلفها أجساد قتلاها ، تصهرها حرارة الشمس اللاهبة ، لكنها لم تتركها طواعية بل تركتها قهرا وقسرا.. فكان السبي محطتها الأولى.
إلّا أنّ الآلام قد استوطنت قلوب آل البيت عليهم السلام ، لم تبرح مكانها ولم يخّف ضجيجها ، رغم مرور الزمن فها هو زين العابدين ، لا يُرى إلا كئيبا وحزينا ، الهموم تعلو صفحة وجهه ، والدموع تجري على وجنتيه ، فيسأله أبو حمزة الثمالي عن حزنه المستديم : أما آن لحزنك أن ينقضي ولبكائك أن يقل؟! سيدي إنّ القتل لكم عادة وكرامتكم من الله الشهادة ، ألم يُقتل جدك علي ابن ابي طالب بسيف ابن ملجم؟ ألم يُقتل عمك الحسن؟ فما هذا البكاء؟!
فيلتفت الإمام زين العابدين له قائلا : شكر الله سعيك يا أبا حمزة ، هل رأت عيناك أو سمعت أذناك أنّ علوية سُبيت لنا قبل يوم عاشوراء؟!
قتل الرجال لنا عادة ، ولكن هل سبي النساء لنا عادة؟!
والله يا أبا حمزة ما نظرت إلى عمّاتي وأخواتي إلا ذكرت فرارهن يوم عاشوراء من خيمة إلى خيمة ومن خباء إلى خباء ، ومنادي القوم ينادي : أحرقوا بيوت الظالمين، وهنّ يلذن ببعضهن البعض وينادين : "واجدّاه وامحمدّاه.".
لقد غابت الأقمار من سماء زينب.. لكنّ صبرها لم يغب..
وقد ذُبحت شموسها في طف نينوى.. لكنّ شمس ثباتها ازدادت توّهجاً ولم تنخسف.
فطوبى لزينب صبرها وثباتها.
اضافةتعليق
التعليقات