صار يجوبُ الشوارع، كلما مرَّ في زقاق التفَّ حولهُ الصبية وصاروا يصفقون ويقفزون وينادون بعلي المجنون.. علي المجنون..
يأكلُ كالمجانين من صدقات المارة، ينامُ على الأزقة ولكن أمرهُ كان محيراً، أحد الباعة كان مع كل آذان يدخل المسجد وكانت بيوت الله خالية مع الأذان إلا من المجنون، وبعد وقتٍ قصير يخرج وظلّ هذا ديدنه إلى أن انتبه لأمره أحد الباعة فحزم أمره وقرر أن يراقب المجنون ليعلم مايصنع في المسجد.
فسار خلفهُ خفيةً إلى أن دخل المجنون المسجد ولكنه وبعد أن أتمَّ الآذان بدأ يصلي كالإنسان الطبيعي السليم حتى أنه إذا رآه أحد وقال عنهُ مجنون أجابه من رآه في حال الصلاة أنه لن يُجَن حتى يلج الجمل في سمِّ الخياط..
قرر البائع أن يواجه المجنون أثناء صحوته لأنه ما إن يخرج من المسجد ستفوتهُ الفرصة ويعود مجنوناً ولن يصدقهُ أحد، ذهب وأقسم عليه بأشد الأحلاف والمواثيق وأصاب الوتر الحساس للواله قال له: أقسمُ عليكَ بالذي جُننت من أجله إلا أخبرتني بقصتك.
من أنت؟!
أجابه المجنون: أرأيتَ أُماً في حياتك فُجِعَت بولدها فولهت؟؟
أرأيت صديقاً خانه صديقه وطعنه في ظهره فوله الرفيق؟؟
أنا أُخبِرُك بالعَجَب العجيب.. أنا ولهان.. اشتدَّ حُزني حتى ذهب عقلي وتحيرتُ من شدة حبه..
الوله شعورٌ عظيم طاغٍ بفقد من نُحِب مع تمني رؤيته والإجتماع به، أنا ولهانٌ لا بصاحب ولا بأم، أنا ولهان للأنيس الرفيق والوالد الشفيق والأخ الشقيق والأم البرّة بالولد الصغير ومفزع العباد في الداهية، الإمام المُطَهِرِ من الذنوب والمُبرأِ من العيوب، المخصوص بالعلم المرسومِ بالحلم، نظام الدين وعزُّ المسلمين وغيظُ المنافقين وبوار الكافرين، أنا الولهان للمُحِلِ حلال الله المحرم حرام الله المقيم لحدود الله الذابِ عن دين الله الداعي لهُ بالحكمةِ والموعظةِ الحسنة، أنا المجنونُ الذي يجوب الشوارع متفقداً أثرِ وارث الحسن والحسين، أُصلي في المساجد باحثاً عن تمام الصلاة والزكاة، والحج والجهاد، والصيام، أَأكُلُ في الشوارع من بقايا طعامِ صدقات الأطفال باحثاً عن موفر الفيء والصدقات والماضي للحدودِ والأحكام ومانع الثغورِ والأطراف، أنا الذي كُنتُ أُبصِرُ الشمس التي خلفَ السُحُب ولكنَّ عيني خانت العهد بذنبٍ فَحُرِمَت المحبوب وأُقصيتُ عن اللقاء. فصرتُ الواله المجنون.
اضافةتعليق
التعليقات