كل دول العالم، حتى تلك التي لم تحتسب على العالم المتمدن، لديها برامج وخطط واهتمامات استثنائية لتنشئة الطفولة وتوفير ييئة مناسبة لرعايتها والنهوض بواقعها الى الحالة الأفضل الا في العراق، الذي لن تجد فيه دولة تهتم بها، ولا مؤسسات يعتد بها لرعاية الطفولة.
والطفولة في العراق تعيش حالة سبات حياتي، فهي تعيش بـ (سجن) إسمه العراق، لا تتوفر فيه أبسط معالم الاهتمام بورود العراق وزهوره واغصانه اليانعة، حتى نجد ان تلك الحدائق الغناء وهي تواجه قدرها التعيس، وتواجه تحديات خطيرة أبرزها هذا النزوح والتهجير والحرمان والفقر بصوره المختلفة، وقد اختفت احلامها وتلاشت طموحاتها بعد سنوات من ظهور تلك البراعم اليانعة، واذا بها وقد تم حشرها بين أقدار تعيسة، ربما لاتليق حتى بالحيوانات فكيف بالبشر.
ولو تابعنا المدارس والمعاهد والجامعات التي يدرسون فيها لوجدنا انها في غاية السوء، وتنحدر فيها مستويات التحضر والعيش الآدمي، وتجد كل تلك المعالم وهي خربة حزينة تبكي أقدارهم التعيسة، وهم بين كماشة الارهاب والموت الذي يحصد عوائلهم وينالهم من أذاها الكثير.
ربما لاتجد سوى مناطق محدودة في العراق لها اهتمام بسيط بشأن الطفولة، ولكن حتى تلك المناطق التي تعد أكثر تطورا، واذا بها تتدهور فيها أحوال الطفولة، وما يعانيه اطفال العراق من حرمان من أبسط مستلزمات الحياة يكاد يبكي الحجر قبل البشر.
حتى على صعيد البيت لايجد اطفال العراق من يوفر لهم بيئة تخفف عنهم اعباء الحياة وتراهم وكأنهم يعيشون في سجن كبير، وهم محرومون من حق التمتع بالحياة ومباهجها مثل أي اطفال العالم، الذين توفر لهم دولهم كل ما يعلي من شأنهم واماكن ترويحية يمارسون فيها هواياتهم والترفيه عنهم بمختلف وسائل اللهو والترفيه والتنمية الثقافية التي اختفت معالمها في العراق مع عصر الديمقراطية الذي اكاد ان اسميه بعهد (وأد الطفولة) إن صح التعبير.
أرقاما صادمة بشأن الطفولة في العراق
أفاد تقرير صادر عن الأمم المتحدة، بأن 80 في المائة من أطفال العراق تعرضوا الى العنف، وأن مستوى التعليم الذي يتلقونه هو الادنى في مدن جنوب العراق وفي نينوى والانبار، فيما أشار الى انه لا يتخرج سوى أقل من ربع الأطفال الفقراء، مقارنة بثلاثة أرباع الأطفال من الأسر الغنية.
وأوضح التقرير، أن "نتائج المسح الشامل لوضع الأطفال في العراق التي تم اطلاقها اظهرت أن الصراع واللا مساواة لا يزالان يحددان ملامح الطفولة في البلاد"، مردفا ان "غالبية الأطفال الفقراء لا يتلقون أي شكل من أشكال المساعدة الحكومية، حتى عند تراجع أعمال الاقتتال، تعرض 80 في المائة من جميع الأطفال الى العنف إما في المنزل أو في المدرسة، وفي حين أن جميع الأطفال في سن الدراسة الابتدائية تقريباً (في المائة92) ملتحقين بالتعليم الابتدائي، لا يتمكن سوى نصف الأطفال من الأسر الفقيرة، أو أكثر بقليل، من اكمال المرحلة الابتدائية من التعليم وتتسع الفجوة في التعليم الثانوي، حيث لا يتخرج سوى أقل من ربع الأطفال الفقراء، مقارنة بثلاثة أرباع الأطفال من الأسر الغنية".
واشار التقرير الى أن "احتياجات تعليم الأطفال في العراق كبيرة، حيث يحتاج نصف مجموع المدارس الحكومية إلى أعمال تأهيل، وتعمل نحو ثلث المدارس في العراق بأكثر من دوام مدرسي واحد، مما يقلل فترة تعلم الأطفال، وتصل معدلات الالتحاق بالتعليم وارتياد المدارس الى أدنى مستوى في خمس محافظات تشمل المحافظات الجنوبية، وهي الأكثر فقراً، والأنبار ونينوى"، موضحة انهما المحافظتان اللتان تحملتا وطأة أعمال العنف في السنوات القليلة الماضية، ويُعد ارتياد المدرسة بانتظام عاملاً أساسياً في تعافي نحو أكثر من مليون طفل بحاجة إلى رعاية نفسية واجتماعية جراء تأثرهم بالحروب.
من جهته، قال ممثل اليونيسف في العراق، بيتر هوكينز، بأن "البيانات، وهي أحدث وأوضح مؤشر، تلفت الى أن فئات الأطفال الأشد ضعفاً في العراق هم الأكثر عرضة للحرمان من حقوقهم، فمن الممكن ضياع كافة المكاسب التي تحققت بشق الأنفس في إنهاء النزاع في العراق والانتقال إلى مستقبل مستقر دون الاستثمار الإضافي في جميع الأطفال لتمكينهم من تحقيق أقصى إمكاناتهم".
وتابع ان "العراق حقق تقدماً ملحوظاً في صحة الطفل وصحة حديثي الولادة، بما في ذلك الحفاظ على مستويات عالية من الولادات التي تتم بإشراف طبي وانخفاض عدد وفيات حديثي الولادة خلال الشهر الأول من الحياة من 20 حالة وفاة لكل 1000 ولادة حية إلى 14 حالة وفاة منذ إجراء المسح الأخير في عام 2011، لكن التحديات تظهر بعد الولادة مباشرة، حيث لا يتلقى سوى 4 من بين كل 10 أطفال تلقيحاتهم الكاملة، مع الحرمان الأكبر بين الأطفال الأكثر فقراً".
واضاف ان "نصف مجموع الأسر العراقية معرضة لخطر شرب المياه الملوثة ولا يحصل سوى أقل من 40 في المائة من السكان فقط على مياه الشرب في المساكن، مما يعرض الأطفال الى خطر الإصابة بالأمراض المنقولة عبر الماء"، داعياً الحكومة الى "اعطاء الأولوية لرفاه جميع الأطفال، والاستثمار في الخدمات التي تعود بالفائدة المباشرة على الأطفال المتأثرين بالصراع وبالفقر، والعمل من أجل وضع حد لجميع أشكال العنف ضدهم".
أطفال العراق بين الإهمال والآمال
في بداية العام 2018، أشارت منظمة (التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، مقرها في باريس) إلى عشر دول تتنافس في مجال العناية بالأطفال، وكشفت أن اليابان كانت صاحبة المركز الأول في العالم في العناية بالأطفال، وهي التي تمتلك نظاماً مدرسياً ممتازاً، يتمتع الأطفال فيه بفرص ممتازة لتحقيق الذات والتعليم العالي، ولديها واحدة من أدنى معدلات الجريمة في العالم، وتولى اهتماما خاصا بصحة الأطفال.
هذا التنافس في مضمار الاهتمام بعالم الطفولة يؤكد أن دول العالم المتقدمة والمتحضرة متفهمة جدا لأهمية تربية الأطفال، وتنشئتهم تنشئة صحيحة للظفر بمواطن منتج ومبدع وايجابي، وبخلاف ذلك ستكون – في الغالب- أمام مواطن مستهلك وكسول وعاجز وسلبي.
مقابل هذا الاعتناء بالطفولة في دول العالم المعتبرة نجد ملايين الأطفال المُهملين في العراق وفلسطين وسوريا وغيرها، من الذين وقفوا على جثث آبائهم وأمهاتهم، وشاهدوا لحظات القتل الرهيبة -ربما لجميع أفراد عوائلهم- وعاشوا أيام رعب تحت نيران طائرات ومدافع لا تفرق بين مدني ومسلح.
أطفال العراق منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى وقتنا الحاضر وقعوا ضحية الاقتتال الخارجي والداخلي، ومآسي الإرهاب المتنوع، وفي هذا الملف يقول (كيفن واتكينز)، رئيس منظمة "أنقذوا الأطفال" البريطانية في مقالة نشرتها صحيفة "الغارديان" "إن الأطفال العراقيين الذين عاشوا الحرب يحتاجون إلى مساعدة متخصصة لعلاج الصدمة التي يعانون منها، وإنه بعد عام واحد من استعادة الموصل من داعش، بدأ العمل في إعادة الإعمار، ومع ذلك فبالنسبة للأطفال الذين يحاولون إعادة بناء حياتهم، والتعامل مع الخسارة، والحفاظ على الأمل الذي يعتمد عليه مستقبل مدينتهم، كانت الاستجابة حتى الآن غير واضحة هنالك (300) ألف طالب من غرب الموصل لا يزالون يعيشون في مخيمات النازحين".
هذا الخراب المادي والنفسي والمعنوي يقابله مواد دستورية مشلولة، ومنها المادة (30) من الدستور العراقي، أولا، التي تؤكد على:- "تكفل الدولة للفرد وللأسرة. وبخاصة الطفل والمرأة. الضمان الاجتماعي والصحي، والمقومات الأساسية للعيش في حياةٍ حرةٍ كريمة، تؤمن لهم الدخل المناسب، والسكن الملائم" فأين هذه الكفالة التي يتحدثون عنها؟
منظمة (هيومن رايتس مونيتور) سبق لها أن حددت ما مقداره (2,7) مليون طفل عراقي تأثَّروا بالصراع؛ حيث تعرض أكثر من (700) طفل للإصابة والقتل، وحتى الإعدام، فيما أكدت منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسيف) قبل عام ونصف أن أكثر من (360) ألف طفل عراقي يعانون من أمراض نفسية، وأن 50% من طلبة المدارس الابتدائية لا يرتادون مدارسهم، و40% منهم فقط يحصلون على مياه شرب نظيفة التجارب الإنسانية أثبتت أن سحق الطفولة تدمير لمستقبل الوطن، وهدر لطاقات هي أغلى من النفط، ومن كل مليارات الكون.
التخطيط تطلق نتائج المسح العنقودي لسنة 2018 في العراق
عينة المسح شملت (20520) اسرة والتي وفرت قاعدة معلومات متكاملة لتقييم وضع الطفل والمراة في العراق بتفاصيل واقع هذه الاوضاع بشكل موضوعي على مستوى العراق ككل، موضحا ان مؤشرات هذا المسح ستكون اداة رصينة واساسية في تقصي الانجازات الوطنية على طريق تحقيق اهداف التنمية المستدامة 2015-2030 .
اظهرت نتائج المسح ان عدد الاسر المشمولة بالعينة في العراق بلغ (20521 ) أسرة منها (17281) أسرة في وسط وجنوب العراق و( 3240) أسرة في اقليم كردستان وكانت نسبة الاستجابة عالية في وسط وجنوب العراق وهي متقاربة بين الحضر والريف وبين المحافظات اذ شملت العينة جميع النساء بعمر ( 15 - 49) سنة والاطفال بعمر اقل من خمس سنوات وبعمر (5-17) سنة كما اظهرت النتائج ان قاعدة الهرم السكاني لعينة المسح قد تقلصت ليشكل الاطفال بعمر اقل من خمس سنوات نسبة ( 12.91 %) وهي اقل من نسبة الاطفال في الفئة العمرية اللاحقة (5- 9) سنة والتي بلغت ( 14.65 %) وتكاد تكون متقاربة مع نسبة الاطفال بعمر ( 10 - 14 ) سنة ( 12.83 %)..
حيث ان (%8.9 ) من النساء يرأسن اسرهن في العراق أما متوسط حجم الاسرة فقد بلغ (6.3 ) فرد ويعيش ( 71.7 %) من الاسر في المناطق الحضرية في حين يقيم (28.3 %) من الاسر في المناطق الريفية ويعيش ( 16.6 %) من الاسرفي محافظة بغداد وتعد محافظتي القادسية
(2.6 %) والمثنى ( 2.9 %) اقل المحافظات من حيث الكثافة السكانية.
وتشير النتائج، الى ان معدل الالتحاق الصافي في التعليم الابتدائي ( 91.6% ) من الاطفال في الفئة العمرية ( 6- 11) سنة ويقل معدل الالتحاق الصافي كلما تقدمنا في مراحل التعليم وان اكثر من نصف الاطفال في الفئة العمرية (12 - 14) سنة هم ملتحقين في المرحلة المتوسطة ( 57.5 %) في حين لايتجاوز الالتحاق في المرحلة الاعدادية ( 33 %).
اما بالنسبة لالتحاق الاطفال في برامج الطفولة المبكرة فقد بلغت ( 2.4 %) وتجدر الاشارة، الى ان الاطفال خارج المدرسة حسب الابعاد الخمسة الخاصة بترك المدرسة اذ اظهرت النتائج الى ان ( %68 ) من الاناث و (67.9 %) من الذكور لا يلتحقون ببرامج الطفولة المبكرة او التعليم الابتدائي وبنسب اقل بالنسبة للمراحل الاخرى حسب الاعمار الموازية لمراحل التعليم.
هذا الى جانب ان ( 3%) من الاطفال الاناث و( 5%) من الاطفال الذكور في المرحلة الابتدائية معرضين لترك المدرسة لان اعمارهم اعلى بسنتين فأكثر من العمر الموازي لهذه المرحلة.
اضافةتعليق
التعليقات