كل فجر ونحن نحاور الأثير، أن يبلج بضياءه وبأي كيفية، أن نلتمس من روحانيته نفحات لسلامة ذواتنا وقضاءا لحوائجنا، واستجابة لدعواتنا نحتاج إلى قضية، إلى بيت عبادة لتلهم لنا ألقا بصبغة الترتيل لتجمعنا الهمة عند بيت العظمة .
في عمق شخصية لطالما همست بالغيب، وتكلمت بالصدق ونقلت لنا الكثير من الأفكار النيرة.. هو الرواية المفصلة، من منبع النور، وفيض أخلاقة قصة بدأت بالجهاد وقدرة الحكمة، ومداراة المجتمع، وسيف الكلمة الفاصلة.
في مثل هذا اليوم، تستيقظ الذاكرة من جديد، عهدا سنويا لتلبي البصيرة بعض مناهل من جهد ذلك الكليم الذي غفى على تراب الخلد وقبر الكلمة مازال يفوح منه شلال عطر نافذ التأثير على عقل التأريخ ..
رحمك الله أيها النبع الطيب، واللسان الثيب، والعلم الربيب، وكتاب الحياة الذي منه تروى كل المعاهد السيد المجاهد آية الله الفقيد السعيد محمد رضا الشيرازي ..
سنوات مرت على فقده، ومازالت الذاكرة تنهم الخير الكثير من مجالسه، وكتبه ورسائله وكريم مآثره.. العلم يبكي في مثل هذا اليوم، على فقد سليل الفكر والأدب ..
لتستفيق النفوس ولتعرف أن الدموع على الطيبين غسول سائغ شرابه، فيه العلم الكثير، والشأن الكبير بشرط أن تعرف على من تبكي، وعلى من يكون الهجوع.
وجوم الحزن قناع الوجوه الفاقدة لشخصه النبيل، كيف لا وقد علمنا كيف نكون سيفا بوجه الظالم الذليل.. وكيف يكون لسان حرفنا!! ومن هو الزنيم !!
في بواطن كتبه نستلهم قافية الحق وذكر جمال محمد وآل محمد، وتراثهم العميم ..اتسم أسلوبه بالخطاب العام مراعيا كل طبقات المجتمع، فلم يكن فضا ولا قاسيا مع أي كتاب وفكرة، بل كان يحتضن الثقافة على مدى اتساعها وبلطف التهذيب، عالج التصنيف الثقافي بكل مجالاته، واستخدامه مقال العترة الطاهرة في كل مطب يداهمه، حتى واكب خطابه أسلوبا مفعما بالحكمة يجعل من يسمعه ذائبا في فكره..
وهذا، لم يكن عبثا أبدا، بل كان نتاج أخلاق تجسدت في ذاته، واندمجت في قلبه، إنها عظمة، من نسيج غيبي محمدي، سكنت بيت عقله، فآثرت ألا تلبي مكامن حرفه .
وقد لمس الواقع بما يضمن من أفراد، وآلية متعددة وهيئات ومعاهد، قدرته العجيبة في ترتيب الكتاب وفق فهرسة مدروسة لاتقبل الجدل ..فكانت شخصيته العالمية، مكتبة لايضل فيها المتابع ولاينسى، من رواية ودليل، وفقه وتبجيل، وكل أبواب العقائد ومدخراتها الفاخرة، حتى أحبه كل عدو وصديق .إنه معجزة زمانه، على قدر عمره المختصر، عمل كثير، وعمر قصير، و كلمة دؤوب في خدمة العلم والمعرفة ..
كان حذقا في أولويات التصرف، وشدة بأس في المواقف، وقوة صبر في الشدائد، كرار في الحوار غير فرار، موهوب المحاججة، نافذ البصيرة ..
حاز على خصوصية العناية الإلهية وبمعية أجداده الطيبين الطاهرين .قلمنا مقصر جدا في ذكر مآثره وما تضمن، وموق محابرنا مصبوغ بلونه القاتم حزنا لفقده، فكل ذاكرة منه تعد مسؤولية على كل شاب وشبيب أن يخلد ذكراه وعلمه وقلمه وتحمله المشاق والأذى في خدمة البيت العتيق .
اضافةتعليق
التعليقات