كان ولايزال الدين يتعرض إلى هجمات صاعقة من قبل جهات خارجية وداخلية ساعية إلى الانحراف التام عن المعتقدات السامية التي يحمله هذا الدين المتكامل إلى البشرية.
وقد نبه الله إلى الأخطار التي قد تهدد الإسلام وتحاول تشويه صورته أو تسعى إلى انحرافه أو حتى زواله، وقد حدد وسيلة واضحة لمجابهة هكذا نوع من الخطر وجعله ركنا من أركان الإسلام الثابتة ليبين مدى أهمية الحفاظ على جوهر الدين من الداخل والخارج.
وقد تقسم الأخطار إلى نوعين، خارجية وداخلية، الخارجية غالبا ما يكون العدو واضحا وصريحا ومكشوف الوجه بتوجيه ضرباته العسكرية وأحيانا يلعب بصورة ناعمة ويوجه ضربات فكرية من خلال الجبهة الإعلامية.
أما الخطر الداخلي فتتمثل بتلك الآفات المزروعة داخل المنظومة الاجتماعية وقد تعايشت معه وعرفت جميع نقاط ضعفه وقد تلونت بصبغة المجتمع فصعب التمييز بينها وبين الصديق، وهذا النوع غالبا ما يكون أكثر خطرا من النوع الأول بسبب صعوبة تمييزه بالإضافة إلى الأسلوب الخبيث الناعم الذي يستخدمه في الضربات والتي أشبه بمرض السرطان، بطيء الانتشار ولكنه في نفس الوقت هالك وغالبا ما يستهدف البنية التحتية العقائدية.
وعندما يتعرض النظام إلى هجمات مرتدة من قبل الفاسدين من الممكن صدها أو مقاومتها، ولكن عندما يكون النظام هو الفاسد ويحاول تلويث المفاهيم الإسلامية وبثها إلى الناس بطريقة تضمن لهم الفناء التام لكل شيء له علاقة بالإسلام المحمدي الأصيل، نستطيع من خلاله قراءة مستقبل الدين بالزوال الحتمي بوضوح كبير.
وهذا ما حصل في زمن الإمام الحسين (عليه السلام)، إذ إن النظام لم يتعرض إلى هجمات خارجية أو حتى داخلية، إنما هو نفسه تميز بالفساد الناعم والتدهور الأخلاقي التام، والذي كان يهدف إلى ضرب البناء العام لنظام الإسلام الفكري والذي بالتأكيد سيجعل للدين صلاحية انتهاء، وكان لابد من إزالة شخوصه واستبدال النظام كله بنظام إسلامي معنىً وتضمينا.
وهذا التفشي التام للفساد والنوايا الحارقة لسعفة الإسلام بهذه الطريقة لم يحصل إلاّ في زمن الإمام الحسين (عليه السلام) فثورته كانت من أجل اسقاط مخطط زوال الإسلام، وهذا الأمر لم يتكرر في زمن أي من الأئمة الأحد عشر.
وهذه التضحية الكبيرة قابلها مخطط كبير هدفه كان إنهاء الدين الإسلامي من العالم إلى الأبد.
وتجلى هدف الإمام بالحفاظ على بناء النظام الإسلامي بأية طريقة مثلما فعل باقي الأئمة في أزمانهم كلا بحسب الظرف الذي حكم عليه، إلاّ أن الوضع السياسي الذي كان في زمن الإمام الحسين والهجمة القاسية التي تعرض إليها الإسلام أوجب على الإمام بالقيام، فعمل بتكليفه وقام بالثورة تجاه الظالمين، واحتمل قيامه نتيجتين إما أخذ الحكم أو الشهادة.
ولكن يبقى هذين الخيارين (أخذ الحكم أو الشهادة) هي نتائج للهدف الذي سعى إليه الإمام المعصوم ألا وهو العمل بالتكليف!
إذ إن الهدفية من قيام الإمام تجلى بالواجب الشرعي والتكليف الذي انحصر بحفاظه على الدين الإسلامي إلى الأبد من الزوال فكان نتيجته الشهادة والتضحية العظيمة التي قدمها الإمام هو وعياله في يوم الطف!
فاليوم نحن كمسلمين بإختلاف الزمان والمكان الذي نتواجد فيه يجب أن ندرك جيدا فضل الإمام بالتضحية التي قدمها ليبقى الدين قائما إلى يومنا هذا، وفي المقابل يجب أن نمتثل لخطواته ونعمل بواجبنا الشرعي تجاه الدين الإسلامي ونسعى لمواجهة الضربات الفكرية التي تمس بناءه العام بكل الطرق ليس فقط في الجبهات العسكرية بل وحتى في الجبهات الإعلامية.
لأن الإعلام اليوم يلعب دورا كبيرا وسهلا للغاية في التلاعب بالعقول وتحريك الناس وفق الإتجاهات التي تتناسب مع مصلحتها، إذ إن العدو استفحل ودخل إلى بيوتنا وبات معنا من خلال التلفاز والإنترنت والكتب الملوثة، وعلى أساس ذلك يجب أن نحدد خطوات ثابتة لمقاومة هذه الجهات وصدها بطريقة ذكية ومدروسة واسقاط كل الخطط التي تهدف إلى زعزعة المعتقد الديني في نفوس الأجيال.
إذ إن القوة الناعمة هي المسيطرة الأولى على الساحات الحربية بصورتها غير المباشرة، والمعروف عن هذه القوة بأنها طويلة الأجل وعميقة التأثير إذن من المهم جداً التصدي لها والتماشي مع الأساليب الجديدة التي تطرح اول بأول، والتخطيط لمواجهتها بطرق ذكية وعدم السماح بتحقيق غاياتها الخبيثة في تغيير المفاهيم وتضعيف السلطة الإسلامية في العالم.
وإن بعض المنحرفين من المسلمين من الحكام والساسة التي تقودهم مصالح شخصية وأهداف في غاية الخبث لزرع الطائفية والتفرقة بين المسلمين ضمن الأطياف والمذاهب المختلفة، هم أناس خونة ومجرمين، يعتبرون جزءا من الحرب النفسية والناعمة التي يشنها الغرب ضد الإسلام والمسلمين في العالم، أو بالأحرى ما هم إلاّ أحجار نرد يتحكم بهم الغرب حسب الأهواء الشخصية للنيل من الإٍسلام!.
ويبقى القرآن الكريم كتاب منزل من قبل الله (سبحانه وتعالى)، وصحته أمر لا يمكن الشك فيه وإن محتواه قائم على المعطيات العلمية والأسس الاجتماعية الموجودة الآن في هذا العصر، وتعتبر غاية في الأهمية، لأنها بمثابة تحدي للتفسير الوضعي والتطور الحاصل الآن، وبما أننا نعتبر الآن في أوج التطور العلمي والسياسي والاجتماعي وأن اعتقادات البشر حاليا قائمة على الدلائل العقلية إذن من السهل جداً تقديم عناصر الإقناع وفق المنهج الإسلامي الذي أتى به القرآن الكريم، وكسب جماهيرية كبيرة على نطاق عالمي واسع من خلال الإعلام الذي وفر وسيلة تخاطب مباشرة مع الناس.
فالمهام تتوزع بين القنوات الفضائية والمواقع الاجتماعية إضافة إلى الإذاعات والصحف، وحتى رواد الانترنت في مواقع التواصل الاجتماعي المتمثلين بالجنود الالكترونيين المسلحين بالمعلومات الصحيحة والعقيدة المثلى والأسلوب الحواري السليم والمقنع، لترتكز المهام بين مراقبة أداء الإعلام المسيس والتفاعل مع الأحداث التي تجري في المنطقة، وتقديم الصورة السليمة عن الإسلام وإبداء النصح وإظهار الحقيقة بطريقة شفافة ومسالمة.
وتكمن الضرورة في تثقيف الأمة بإدارة الإعلام وتوسيع قاعدته الجماهيرية لمواجهة الإعلام الزائف والتصدي للهجمات الغربية بقوة أكبر فإن انشغال المؤسسات الإعلامية بإدارة المواضيع الإسلامية وطرحها بالصورة الصحيحة سيكون عاملاً فعالاً في توجيه المجتمع نحو المسار الصحيح وايصاله إلى بر الأمان.
اضافةتعليق
التعليقات