من مواعظ إمامنا المجتبى (عليه السلام) أنه قال: [الناس في دار سهو وغفلة، يعملون ولا يعلمون، فإذا صاروا إلى دار الآخرة صاروا إلى دار يقين يعلمون ولا يعملون](١).
الامام(عليه السلام) هنا يصف جانب من طبيعة دار الدنيا، إذ السهو هو من النسيان وعدم الإلتفات لما هو قادم، والغفلة هي عدم اليقظة وخلاف التذكر، وهي الوجه الآخر للموت المعنوي في الإنسان؛ ثم يُبين الإمام (عليه السلام) أثر أن يعيش الإنسان ساهيا غافلا بهذه الدار وهو الخسران المبين، وخفة الموازين، عند إنتقاله لدار اليقين.
من علل غفلة الإنسان في القرآن الكريم
العلة الأولى: الفهم الخاطئ للحياة الدنيا والرضا والإطمئنان الموهوم بها، قال تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}(الروم:7)، عندما يُحَجَم علم الإنسان بفهم معنى الحياة بعالم الدنيا فقط، فهو بلا شك سيغفل عن حقيقة وجود حياة أخرى، وهذا الفهم الخاطئ لمعنى الموت على أنه فناء، يؤدي إلى نكران وجود جزاء، فيُقنِع الإنسان نفسه ويُسكت صوت فطرته ويَحجبها عن حقيقة أن الدنيا ممر لا مقر إلى أن توصله لمرحلة الاطمئنان بأن لا حياة بعد هذه الحياة، كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ}(يونس:7).
العلة الثانية: إستحباب الدنيا، قال تعالى: {ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ(107)أُولَٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}(النحل:108).
تعالى يُصنف هؤلاء الغافلون على أثر هذه العلة بالكفر يعني الجحود/عدم الشكر، كما في قوله: {قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ...} (النمل:٤٠)، والجحود هنا على مستوى الفكر أي جحدوا بنعمة هذه الجوارح، هذا البدن الذي به يستدلون على عظمة خالقهم، ومن ثم إنتقلوا للجحود على المستوى العملي فلم يُسخروا وجودهم لطاعة الخالق فغفلوا عن تجهيز زادهم الأخروي، فهم كما وصفهم الامام يعملون به(البدن)، ولكن لا يعملون لما فيه نجاته من عذاب سقر.
مصير بقاء الإنسان غافلا
إن الله سبحانه وتعالى يحذر الانسان الغافل بأن مصيره سيكون جهنم -والعياذ بالله- كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}(الاعراف:179).
فوصف الغافل بأنه "كالأنعام" بل "وأضل"، لأن ميزة الإنسان عن سائر المخلوقات أنه عاقل مختار، فالوعي والإدراك لكل ما حوله من سماته، والغفلة خلاف ذلك.
من موجبات إنتفاء الغفلة عند الإنسان هي:
أولاً: ذكر الله تعالى دائماً، قال تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ}(الاعراف:205).
ثانياً: نفي صفة التكبر في النفس التي تجعل رؤية الإنسان للآيات والبراهين معكوسة، قال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} (الاعراف:146).
مشهد قرآني وتنبه
إن اليقين بالعالم الأخر يعني التنبه الدائم ليكون الإنسان يقظا، ليبقى مبصرا عاملا لينال حُسن الجزاء، وكتاب الله لم يخلو من هذه التنبيهات كقوله تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (العنكبوت:64)، ثم يصور لنا حال من عاش الغفلة عن هذه الحقيقة في ذلك العالم بقوله تعالى: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} (الفجر:24)؛ فيأتيه الرد: {لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} حديد} (ق:22)، حيث لا تنفع اليقظة هناك.
لهذا سبحانه وتعالى يُنبهنا في آيات كتابه الكريم ويرسل إلينا حججه من الأنبياء والأوصياء لنخرج من غفلتنا قبل أن ننتقل لذلك العالم بلا زاد، ولكي لا نعيش الحسرة في ذلك اليوم كما في قوله تعالى: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (مريم:39).
-------
اضافةتعليق
التعليقات