وفقا لإحصائيات عالمية يولد تقريبا ٢٦٦ طفل في الدقيقة الواحدة، ومع ولادة أرواح جديدة إلى هذا العالم فإن هنالك الكثير من المواقف الصعبة التي تمر بها الأمهات اللاتي أوضعهن أطفالهن في المشافي وبالأخص الحكومية منها وخفى الإعلام ذكرها.
فالكثير من النساء ومع بالغ الأسف قد مررن بحالات من العنف النفسي والجسدي في قاعات الولادة، ومع بحثي المستمر وجدتُ بأن حالات العنف لا تشمل الدول النامية وذات المستوى العلمي والثقافي القليل، إنما توسعت دائرتها لتشمل كافة دول العالم وحتى قارة أوربا وامريكا التي لطالما نادت بالحقوق والحريات واحترام الآخر، إلا أنها من الواضح فشلت في محاولاتها لتقليل حالات العنف الحاصلة في قاعات الولادة.
"فوفقا لمجلة تايم الأميركية فإن إساءة معاملة النساء أثناء الولادة ظاهرة عالمية، بما في ذلك البلدان المتقدمة، لكن نادرا ما يتم توثيق هذه الممارسات، وغالبا ما تخشى النساء من الإبلاغ عن هذه الانتهاكات.
فقد وثقت تقارير سابقة حالات عدة للإيذاء الجسدي للنساء في أوروبا الشرقية، خاصة النساء المنحدرات من أصول رومانية اللواتي أبلغن عن فصلهن قسرا عن أطفالهن حديثي الولادة أياما عدة، كما تم الإبلاغ عن ممارسات مسيئة للنساء خلال الولادة في جميع أنحاء أميركا اللاتينية." (موقع الجزيرة)
وكانت فنزويلا أول دولة تسن قانونا ضد الممارسات غير الإنسانية وحظر ما أطلق عليه "عنف التوليد" في عام 2007.
ففكرة انتشار هذا الأمر في العالم كله هو نبأ غير سار بحق المرأة، ومع خطورة ما تمر به النساء اليوم إلاّ إننا نجد بأن الإعلام أو المسؤولين في هذا المجال لا يأخذون الأمر على محمل الجد ولا ينظرون إلى القضية بأنها انتهاك لحقوق المرأة وشكل من أشكال العنف التي عرّفتها الأمم المتحدة بأنه السلوك الممارس ضد المرأة والمدفوع بالعصبية الجنسية، ما يؤدي إلى معاناة وأذى يلحق المرأة في الجوانب الجسدية والنفسية والجنسية، ما يشمل أنماطًا شائعة من العنف مثل القتل والضرب والإساءة اللفظية والتحرش الجنسي واللفظي والاغتصاب والزواج القسري والابتزاز الإلكتروني.
وتحدثت السيدة (ش، ب) لبشرى حياة عن تجربتها الأولى في المستشفيات الحكومية قائلة:
"لقد عشت تجربة سيئة للغاية في ولادتي الأولى، فقد تعرضت للشتم والكلام البذيء من قبل الممرضات فقط لأني كنت أصرخ من الألم الذي كان ينتابني حينها، ولكني لم أتجرأ نقله لأحد لشدة بذائته وقبحه، وقالت لي إحداهن وهي تكشف علي بطريقة غير لائقة (لا ترفعي صوتك لقد أزعجتنا.... ألم ترض بالزواج هيا إذن تحملي الألم)، وعندما طلبت منهن اعطائي مسكن للآلام، لم يعيروا لي أي اهتمام".
أما السيدة (ف، ع) قالت:
"لقد أنجبت ثلاث مرات وكان بكري في مستشفى حكومي وبسبب ما شاهدته هنالك حرمت على نفسي ارتياد المستشفيات الحكومية بعد تلك اللحظة، فقد تمت معاملتي بصورة سيئة ولم يقبلوا بأن يرافقني أحد من عائلتي إلى صالة الولادة وتركوني وحيدة أصارع الألم بمفردي في حين كنت بعز حاجتي لأحد من افراد عائلتي سواء أمي أو أختي أو زوجي..
كما أن المساعدات أو عاملات الخدمة اللاتي يتكفلن بتحريك الكرسي أو السرير لا يقبلنّ أن يتحركنّ أو يقدمنّ أي خدمة بدون مقابل، وأحيانا حتى يرفضنّ تسليم الطفل لأهله قبل أن ينلن إكرامية من قبل عائلة الطفل المولود!، والكارثة الأكبر التي عشتها في لحظات الولادة والتي من المستحيل أن أنساها هي أن الطبيبة حقنتني بحقنة تسريع الطلق دون أن تبلغني أو تبلغ أحد من عائلتي بذلك!".
وقالت (ش، ج): "لقد شاهدت تهاون كبير في تقديم الخدمة وعدم الإهتمام بالأم والطفل، وكذلك عدم مراعاة الخصوصية التي سببت لي قلقا لكوني ولدت في غرفة تحوي أكثر من ثمانية نساء يلدن معي في نفس المكان، وقد كتبت مطلبي بتوفير خصوصية أكبر للنساء على ورقة ووضعته في صندوق الشكاوي عسى أن يستمع أحدا لرأيي".
ولمعرفة تفاصيل أكثر عما يحدث في المستشفيات الحكومية كان لنا في هذا الباب حديثا مع الطبيبة مريم التمار اختصاصية أمراض النساء والتوليد والعقم التي قالت:
"نعم مع بالغ الأسف تعيش بعض المستشفيات الحكومية أزمة أخلاقية كبيرة وضعف في تقديم الخدمة، وبالأخص في جناح الولادة، سواء من قبل الممرضات أو الفريق المساعد وحتى الأطباء.
ويعود ذلك لأسباب كثيرة، منها اغفال المسؤولين عن محاسبة الكوادر التي تُقصر في عملها المهني والإنساني، إضافة إلى ضعف الوازع الأخلاقي عند الكوادر الطبية التي تؤدي بهم إلى عدم تحمل المسؤولية الانسانية."
ولو قارنا الوضع في المستشفيات الحكومية مع المستشفيات الأهلية لوجدنا فارقا كبيرا من ناحية الخدمة والتعامل، ولو تعمقنا أكثر في الكوادر لوجدنا بأن نفس الطبيب يتعامل مع المرضى بأسلوب معين في المشفى الحكومي وفي المشفى الأهلي يتعامل بأسلوب آخر!.
وتكلمت الطبيبة مريم التمار حول هذا الفارق الكبير في طريقة التعامل قائلة:
"إن الضمير الإنساني هو الذي يتكفل غالبا بتعامل الطبيب أو الكادر الطبي بمختلف أصنافه مع المرضى بمهنية عالية، ولكن عندما يغيب الضمير يخضع الجميع لسطوة القوانين التي تسنها رئاسة المستشفى المتغيبة حاليا في الحكومية.
وهذا ما يحصل في المشفى الأهلي إذ إن القانون هو الحاكم، والجميع يخضع لبروتوكولات معينة في الأسلوب والتعامل والخدمة سواء كان طبيبا أو ممرضا أو مساعدا بل وحتى عمال الخدمة.
إذ إن المستشفيات الأهلية تقدم الخدمة الطبية مقابل مبالغ مادية ضخمة مقارنة بالمستشفيات الحكومية، فتجد الكثير من الناس تلجأ إلى الأهلية بسبب حسن المعاملة وجودة الخدمة والنظافة، فإذا تعامل الأطباء أو الكوادر مع المرضى بصورة سيئة بالتأكيد لن يتردد أحد إلى هذه المستشفيات ولن يدفع لهم قرشا واحدا، وستفقد سمعتها تدريجيا وتتعرض إلى الإغلاق.
ولو جئنا على الطبقة الفقيرة التي لا حول لها ولا قوة فلا حيلة بيدها إلّا اللجوء إلى المستشفيات الحكومية برغم ظروفها السيئة وامكانيتها الفقيرة وذلك لأن تكلفتها أقل من الأهلية".
وبذلك لا يسعنا إلاّ أن ندعو من الكوادر الطبية أن تعمل وتتعامل مع المرضى بضمير حي، فحتى لو تغيبت السلطات عن الحساب فإن سلطة الله لا تغيب، وإن القسم الذي أقسموه هو لحفظ أرواح الناس لا لجرحهم واذلالهم، فأي مهنة أكثر قداسة من مساعدة الناس وإنقاذ أرواحهم.
ومن المهم جدا أن تخرج المرأة من دائرة الصمت، لأن ذلك سيؤدي إلى استفحال الحالة أكثر فأكثر، وعلى المسؤولين تفعيل القوانين والعقوبات بحق كل المتجاوزين للحدود المهنية مع المرضى، وهذه النقاط توضح الحقوق المنصوصة وفقا لمعايير دولية والتي تتمتع بها كل سيدة حين الولادة والتي يجب أن تطالب بها في حال حاول أحدا التجاوز عليها وهي:
1- "لا يحق لمقدم الخدمة الطبية (مستشفى أو مركز ولادة أو طبيب أو ممرض) إجبار السيدة على الخضوع لإجراء طبي دون موافقتها، حتى لو كان ذلك سيؤثر على حياة الجنين، ومن جانبها يمكن للمستشفى رفض تقديم الخدمة في هذه الحالة.
2- يجب أن يُعلِم الطبيب السيدة بالإجراء الطبي الذي يتم اتخاذه، وأن يتأكد أنها قد فهمت تماما أبعاده.
3- للمرأة الحق في رفض التعامل مع طبيب أو ممرض محدد، وطلب استبداله بآخر.
4- لا يحق لمقدم الخدمة الطبية تقديم حليب صناعي أو أعشاب طبيعية دون موافقة من الأم.
5- يحق للمرأة طلب التواصل مع إدارة المستشفى للإبلاغ عن أي انتهاك تعرضت له في غرفة الولادة".
اضافةتعليق
التعليقات